آخر الأخبارأخبار محلية

تهميش وتسييس وتدويل.. الحسرة عنوان ذكرى انفجار مرفأ بيروت!

 
لم تكن الذكرى السنوية الثالثة لانفجار مرفأ بيروت بالزخم الذي كان ينتظره أهالي الضحايا، الذين لا يزالون “أعجز” من القدرة على استيعاب “المأساة”، التي وقعت في ذلك اليوم “المشؤوم”، الذي حُفِر في ذاكرة اللبنانيين والعالم، والذين لا يجدون أيّ “مبرّر” للجمود الذي وقع فيه ملف القضية، الذي كان يفترض أن يُنجَز في خمسة أيام، فإذا به “فارغ” بعد ثلاث سنوات، مع “كفّ يد” المحقق العدلي، و”تفريغ” السجون من كلّ الموقوفين.

 
هكذا، جاءت الذكرى الثالثة للتفجير الذي اتفق اللبنانيون على اعتباره “الأكثر ترويعًا” في تاريخهم، والذي صُنّف من ضمن أفظع الانفجارات “النووية” عالميًا، لتزيد من “ألم” الأهالي، الذين ما عاد يكفيهم يوم حداد رسميّ تعلنه الدولة، يتحوّل بالنسبة لكثيرين، إلى مجرد يوم “عطلة” يُضاف إلى “الويك إند”، ولو أنّ حركة “التضامن الشعبي”، التي يمثّلها التزام معظم المؤسسات التجارية بالإقفال، كما لا تفعل في الإجازات، تبقى معبّرة ورمزيّة.
 
ولعلّ ما يزيد “الألم” أنّ تحرّكات أهالي الضحايا الدورية، الشهرية والسنوية، ما عادت تستقطب الاهتمام، بل إنّ الذكرى الثالثة للتفجير المروّع لم تحتلّ صدارة الاهتمام، لتتقدّم عليها الهموم السياسية والاقتصادية والأمنية المتشابكة، في ضوء الفراغ الرئاسي، والشغور المصرفي، واشتباكات مخيم عين الحلوة، ليبقى السؤال: هل يأتي يوم وتتحقّق العدالة فعلاً للضحايا وأهاليهم؟ وإلى متى سيبقى التحقيق مجمّدًا كما هو اليوم، وهل يكون “التدويل” خيارًا؟
 
حسرة ما بعدها حسرة
 
صحيح أنّ أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت نظّموا تحرّكات احتجاجية في الذكرى السنوية الثالثة لليوم المشؤوم، رافعين فيه الصوت مرّة أخرى ضدّ “إنهاء” التحقيقات في الملف، وكأنّ لا انفجار وقع ولا مئات الضحايا سقطوا ولا من يحزنون، وصحيح أنّ معظم وسائل الإعلام عدّلت برمجتها، لتقدّم ما يتناسب مع الذكرى الأليمة، وتستذكر تلك اللحظات الصعبة التي عايشها كل اللبنانيين، بمعزل عن “الفاتورة” التي دفعوها، بشريًا ونفسيًا.
 
لكنّ الصحيح أيضًا أنّ “الحسرة” كانت عنوان الذكرى بالنسبة إلى أهالي الضحايا، الذين لا يستوعبون كيف أنّ ملفّ “جريمة” بحجم هذا التفجير “يُقفَل قضائيًا” بكلّ بساطة، تمامًا كما يستهجنون ما يعتبرونه “وقاحة” بعض السياسيين، من كلّ الأطراف، ممّن لا يتذكّرونهم إلا في يوم الرابع من آب، فيواسوهم بالكلمات، من دون أن يبذلوا أيّ جهد للمساعدة في كشف الحقيقة، بل إنّ بعضهم هم من “طمسوها” بمهازل قضائية معتبرة.
 
كثيرة هي الأسئلة التي يطرحها الأهالي، هم الذين وُعِدوا بتحقيقات شفّافة وسريعة في مهلة خمسة أيام فقط، لكنّهم بعد ثلاث سنوات لم يصلوا إلى شيء، بعدما توالى على القضية أكثر من محقّق عدلي، عيّنهم للمفارقة السياسيّون، الذين انقلبوا عليهم أنفسهم، وعندما سُدّت السبل القانونية في وجههم، اختاروا أن ينهوا الملف بكل بساطة، وبين الأسئلة: ماذا لو كان أبناء هؤلاء السياسيين هم من قضوا في الانفجار؟ هل كانوا ليسكتوا على هذا “التمييع” للحقيقة؟
 
“التدويل” مطروح؟
 
برأي أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، كان يفترض أن تحلّ الذكرى السنوية الثالثة للجريمة، على وقع “محاكمات علنية” للمرتكبين، بدءًا من “المهملين” وصولاً إلى أصحاب القرار الذين يجب أن يتحمّلوا المسؤولية، لكنّ المفاجأة كانت أنّ الزنازين المليئة بأناس بعضهم سرق الفتات لتأمين لقمة العيش، لم تسَع المتّهَمين بانفجار المرفأ، بعد “مسرحية” إطلاقهم جميعًا، من دون تمييز بين الأبرياء منهم والمذنبين، كما الظالمين منهم والمظلومين.
 
بالنسبة إليهم، كان يفترض أن تكرّس جريمة انفجار مرفأ بيروت مبدأ لم يعتد عليه اللبنانيون، وهو أن “يُحاكَم” المسؤولون، بمعزل عن مراتبهم، لكنّ هؤلاء عرفوا كيف يتجنّبون “العقاب”، وسط حديث عن “تسييس” للملف، بل اتهام القضاة المتناوبين على “تصفية حسابات”، من دون أن يؤمّنوا أيّ “بديل”، وكأنّ المطلوب بكل بساطة إنهاء الملف، واعتباره “قضاء وقدرًا”، وهو ما لا يمكن للأهالي أن يقبلوه، بل يعتبرونه جرمًا يوازي التفجير نفسه.
 
وفي حين يطالب الأهالي المحقق العدلي المكفوفة يده طارق البيطار بإصدار قراره الظنّي، ليُبنى على الشيء مقتضاه، يبدو أنّ خيار “التدويل” بات أكثر من مطروح بالنسبة إليهم، حتى من كانوا منهم يرفضون ذلك، مستندين إلى تجربة المحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، إذ يقولون إنّ السلطة لم تترك لهم خيارًا آخر، فإنهاء التحقيق لا يمكن أن يُقابَل إلا بالبحث عن “مسارات بديلة”، وبالتالي فإنّ السلطة هي التي تدفع للتدويل.
 
لعلّ “المفارقة” في ملف انفجار مرفأ بيروت أنّ جميع اللبنانيين هم بشكل أو بآخر، “ضحايا”، بمعزل عن كلّ شيء، فما حصل ترك أثرًا لا يُمحى فيهم، وإن استطاع البعض “حجبه” عن العين. لكنّ المفارقة الأخرى أنّ حكاية “التسييس”، التي تتفاوت الآراء حول من يتحمّل مسؤوليتها، أنهت الملف بكل بساطة، وكأنّ هناك من يريد فعليًا أن يختم السرديّة وفق أسطورة “القضاء والقدر”، وهذه الجريمة الحقيقية برأي كثيرين!

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى