“اختبار مفصلي” أمام مجلس النوّاب.. هل ستتعمّق الأزمة؟
اليوم، وبعد انتهاء الاستحقاق، هدأت “مدافع الكلام”، فـ”حزب الله” لم يعد يهدّد المختارة بـ”التطويق” كما كان يرى رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط. فالأخير استطاع تحقيق المكاسب التي يريدها، فحصّن نفسه نيابياً وفق الخطّة التي رسمها، وبات الآن قادراً على الانطلاق نحو الملفات الأخرى التي قد يتشاركُ فيها مع “حزب الله” داخل مجلس النواب. وحقاً، جنبلاط سيتلاقى مع “الحزب” عند أول استحقاق يتمثل بانتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب لولاية سابعة. حقاً، الأمرُ هذا يعدّ محسوماً ونهائياً، مع العلم أن برّي هو حليف من “كان يريدُ تطويق المختارة”، وهو الذي قرّر عدم التصويت للائحة التي يدعمها جنبلاط في الانتخابات. رغم كل ذلك، فإن التلاقي مع أركان السلطة من أجلِ استمراريتها هو “أمرٌ واجب” في سبيلِ تمرير الملفات وإنقاذ ما تبقى من شعبيّة تراجعت خلال الانتخابات.
على جبهة “القوات”، الأمرُ نفسه. قبل 15 أيار، يوم الانتخابات، جرى رفعُ شعار “نحنا فينا ونحنا بدنا”.. “نحنا فينا نضوي البلد”، “نحنا فينا نرجع السيادة”، “نحنا فينا نوقف تدهور الليرة”، “نحنا فينا نوقف الفساد”. إلى اليوم، لم تخرج “القوات” عبر نوابها ومسؤوليها بمواقف واضحة من تدهور الدولار في السوق الموازية، ولم تُحدّد موقفها من “التيار الوطني الحر” الذي تبيّن أنه عرقل ملف الكهرباء مؤخراً في مجلس الوزراء كي لا يُسجّل أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي هي التي أرست السكة الصحيحة لملفّ شابه الفساد على مدى 30 عاماً.
حقاً، بالنسبة للتيّار، فـ”مش فارقة معه التيار الكهربائي”، فالانتخاباتُ كانت أولى وأهم من الكهرباء ومشاريعها التي يُمكن أن تنتشل اللبنانيين من عتمتهم، وهنا يكمنُ التناقض الكبير. فبشكل كبير، روّج “الوطني الحر” على أنه سيكونُ رأس حربةٍ في كهرباء 24/24، وهو الوعدُ الذي لم يتحقق ولن يتحقّق أبداً مع “وزراء الطاقة” بغضّ النظر عما يطلبه المواطنون في ظلّ انهيار مُتسارع.
على صعيد “حزب الله”، سيبقى “شعار المقاومة” قائماً عند كل استحقاق، فلا شيء غيره يمكن أن “يستنهض الناس”، وكما يقول أحد المسؤولين الحزبيين: “شعار فلسطين والمقاومة ومحاربة إسرائيل مثل الوردة.. كلما ذبلت يجب العمل على ريّها من جديد لكي تبقى مزدهرة”.
بدون أدنى شك، فإن “حزب الله” يقف أمام اختبارٍ كبير، فتراجعه في مناطقه ليس سهلاً، إذ عانى من تخبط كبير جداً، وهو اليوم يقف أمام استحقاقات إنمائية كثيرة تطلبها الناس بشكل كبير في مناطق نفوذه. وبشكل قاطع، إن لم ينفذ الحزب وعوده، فالتراجع سيزداد، والخروقات في صفوفه ستكبرُ أكثر فأكثر، خصوصاً أن “الصقور” الذين كانوا يحمون ظهره باتوا خارج اللعبة البرلمانية.
في الواقع، ما يتبين تماماً أن هناك “حفلة تكاذب” بين مختلف الأطراف. الكلّ اليوم سيلتقي مع الكل في مجلس النواب. سيتصافح الخصومُ مجدداً، وسيجلسون معاً. سيضحكون سوياً وسيفترقون عند الملف الذي لا يتفقون عليه. أما بالنسبة لنواب الثورة، فليسوا بعيدين عن المُساءلة.. فإلى اليوم، ما زالت “السكرة” بوصولهم إلى المجلس النيابي قائمة ، لكن العبرة بما ستحمله “الفكرة” عندما يقبع هؤلاء تحت قبّة البرلمان لتشريع قوانين قد تكونُ موجعة للناس.
بكل ثقة، الأمور متجهة نحو الأسوأ في ظلّ مجلس تحكمُه كُتلٌ متناحرة ومتعارضة. فالتعطيل ضمن هذا المجلس سيكونُ كبيراً، وإن حصل التوافق بـ”أغلبية” على ملف معين، فإن الأمر سيكون معجزةً في ظلّ تناحر في التوجهات.
وإنطلاقاً من هذه المشهدية، لا يُخفي مراقبون مخاوفهم من “تفجير المجلس لنفسه”، فالأزمة المالية والاقتصادية ستتعمق والانهيار سيطول أكثر فأكثر عندما يطغى التناحر على التوافق، وأكثرُ سيناريو قد يحصل هو أن يتوقف عمل المجلس تماماً ويصبح لزاماً عليه في تلك اللحظة، حلّ نفسه وإجراء انتخابات نيابية مُبكرة لإعادة تسيير شؤون البلاد والعباد.. وهُنا، الدوامة الأكبر في ظلّ أفرقاءٍ سيتكررون سياسياً، سواء في النهج أو الممارسة.
في المحصلة، فإنّ جميع الأطراف السياسية تقف أمام اختبارٍ يمكن أن يحسم آفاق عمر الأزمة التي يعيشها لبنان. ففي حال كان النجاحُ وارداً عبر التوافق، فإنّ الثقة بالدولة ستُبنى من جديد. أما في حال بقي مبدأ التناحر قائماً، فلا دولٌ ولا شعب سيثقُ بمجلس النواب بشقيه “التقليدي” و”الثوري”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook