هل قام الأوكرانيون بنشر شريط “أخبار كاذبة” عن النزاع مع روسيا؟ لا بل تسجيل لأغنية عن الحرب

نشرت في: 21/10/2022 – 15:44

عملية التحقق في سطور

• منذ منذ يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، تنشر حسابات، موالية لروسيا بالأساس، على وسائل التواصل الاجتماعي مقطعين مصورين تظهر فيهما كاميرا بصدد التقاط فيديو لما يبدو أنه جندي أوكراني. وحسب ناشري المقطعين المسجلين، فإن الأمر يتعلق بدليل على أن الحرب في أوكرانيا لا تعدو إلا أن تكون مجرد مسرحية.

• في اتصال مع فريق تحرير مراقبون فرانس24، أوضح الرجل الظاهر في مقطع الفيديو أن الأمر يتعلق بحصة تصوير لفيديو “كليب” للمغنية الأوكرانية آنا خانينا والذي لعب خلاله الرجل دور جندي أوكراني.

• تتحدث هذه الأغنية المصورة عن “آلام الحرب بالنسبة إلى كل الأوكرانيين” حسب مؤديتها آنا خانينا

• حتى أنه من الممكن العثور على مقطع الفيديو المنشور على يوتيوب من قبل الفنانة نفسها والذي تعرض من خلاله كواليس تصوير “الفيديو كليب”.

• كثيرا ما يتم استخدام مصطلح “مسرحية” مزعومة للحرب الدائرة في أوكرانيا خصوصا من طرف حسابات موالية لروسيا على وسائل التواصل الاجتماعي.

عملية التحقق بالتفصيل

يظهر المشهد رجلا يلبس زيا عسكريا في غابة وهو يرتدي شعار الجيش الأوكراني فيما كانت كاميرا تسجل المشهد. هذا ما يمكن أن نراه في مقطعين مسجلين نشرا على فيس بوك وتويتر منذ يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 من قبل حسابات موالية لروسيا. وبالنسبة إليهم، فإن هذا المشهد يمثل دليلا على أن الحرب في أوكرانيا لا تمثل سوى مسرحية.

وتمت إعادة تغريد إحدى المقاطع المسجلة، التي يظهر فيها هذا الرجل وهو يمشي ببطء ويسبقه مصور بآلة كاميرا، على تويتر أكثر من 300 مرة وحصد أكثر من 55 ألف مشاهدة. “كل ما يحدث في أوكرانيا هو مجرد مسرحية. كل شيء كاذب ومطالبهم مزيفة ورواياتهم كاذبة” هذا ما يمكن أن نقرأه في النص المصاحب لهذا التسجيل.

أما مقطع الفيديو الثاني، فيظهر نفس الشخص ولكن هذه المرة كان جاثيا على ركبتيه ويمسك رأسه بيديه وهو ماثل أمام آلة التصوير. “هل يتعلق الأمر بجندي احتياط أوكراني يمثل أمام الكاميرا؟” هذا هو السؤال الذي طرحه مستخدم تويتر، باللغة الإنكليزية، في منشور حصد أكثر من 130 ألف مشاهدة وتمت إعادة تغريده أكثر من 2500 مرة.

“يبدو أن الخبر الكاذب المقبل بصدد التصوير الآن (في أوكرانيا). العناوين بالبنط العريض يجب أن تكون “أسلحة نفسية/ أسلحة صوتية للروس” هذا  ما كتب أيضا في هذه التغريدة التي جاءت هذه المرة باللغة الألمانية وتمت إعادة نشرها أكثر من 700 مرة.

_{صور ملتقطة من الشاشة من تغريدة على تويتر بتاريخ 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 (على اليسار) وفي 18 تشرين الأول/ أكتوبر (على اليمين) تستخدم هذين المقطعين المصورين للقول بأن الحرب في أوكرانيا ليست سوى مجرد مسرحية. صورة مراقبون.}

 

ولكن حتى وإن أظهرت المقاطع المسجلة بالفعل حصة تصوير، فإنها لم تكن تهدف أبدا لإنتاج صور تزعم أنها توثق للحرب في أوكرانيا.

وللعثور على السياق الحقيقي الذي تم فيه التقاط هذا المقاطع، يمكن أن نعتمد على عدة عناصر موجودة فيها نفسها. حيث يمكن أن نرصد  بالخصوص شعار وسيلة التواصل الاجتماعي تيك توك ومعرف الحساب فيه “@user4775478401030”.

ومن خلال إدخال اسم المستخدم في محرك البحث على وسيلة التواصل الاجتماعي، نعثر على حساب نشر عدة مقاطع فيديو بينها تلك التي يتم تداولها خلال الأيام الأخيرة (هنا وهنا).

وتحت إحدى مقاطع الفيديو، يوضح أحد المعلقين، باللغة الأوكرانية، أن التسجيل المصور يظهر “بيوتر بافلوفيتش شيركين” وهو ممثل وصاحب سلسلة محلات حلاقة (…) ونماذج حقيقية لشخصية في لعبة فيديو”.

_{المسار الذي يسمح بالعثور على النسخة الأصلية لمقطع الفيديو واسم الممثل الذي يؤدي دور الجندي في التسجيل. صورة مراقبون.}

 

ومن خلال إدخال اسم الممثل باللغة الأوكرانية (“Петро Павлович Шерекин”) على محرك بحث، نعثر على مقالات على عدة مواقع روسية تهتم بالسينما وتذكر هذا التسجيل.

تصوير “فيديو كليب”

كما أنه من الممكن أيضا العثور على قناة الممثل على يوتيوب، والتي يظهر فيها مقطع فيديو يقدم عدة عناصر تتطابق مع ما ظهر في مقطعي الفيديو الذين تم تداولهما خلال الأيام الماضية. وقد نشر هذا الفيديو على قناة الممثل على يوتيوب في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 تحت عنوان ” جلسة تصوير فيديو كليب للمغنية آنا خانينا” ويمكن أن نقرأ في الوصف المصاحب للفيديو ما يلي “كواليس عامة لعملية تصوير الفيديو كليب”.

وكان بيوتر شيركين يرتدي نفس الزي العسكري ويحمل نفس الأسلحة ونفس الخوذة في مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الفارطة. كما أن آلة التصوير ونفس السترة تبدو متطابقة مع ما ظهر في الفيديوهات المتداولة. كما أن شكل الأشجار كان متشابها مع ما ظهر في المقطعين المتداولين، ما يرسخ اعتقادا بأن مقاطع الفيديو التي تم استخدامها من طرف الحسابات الموالية لروسيا تم التقاطها في نفس سياق تصوير “الفيديو كليب الغنائي”.

_{مقارنة بين عناصر بصرية في مقطع الفيديو المتداول خلال الأيام الماضية (في الوسط) مع العناصر الموجودة في مقطع فيديو كواليس تصوير “الفيديو كليب” والتي نشرها بيوتر شيركين. صورة مراقبون.}

 

_{مقارنة مقارنة بين عناصر بصرية في مقطع الفيديو المتداول خلال الأيام الماضية (على اليسار) مع العناصر الموجودة في مقطع فيديو كواليس تصوير “الفيديو كليب” والتي نشرها بيوتر شيركين (على اليمين). صورة مراقبون.}

 

وفي اتصال مع فريق تحرير مراقبون فرانس24، أوضح الممثل بيوتر شيركين الملابسات التي تم خلالها تسجيل هذا المقاطع المصورة حيث يقول:

مقطع الفيديو هذا هو جزء من  كواليس تصوير “فيديو كليب” للمغنية الأوكرانية الرائعة آنا خانينا. وأطلق على الأغنية اسم “آلة ثقب”. وهي أغنية تتناول الحرب المستمرة الآن في أوكرانيا. وفي مقطع الفيديو هذا، قمت بأداء دور مقاتل يشارك في الحرب ويأمل في اللقاء من جديد مع زوجته وابنه بعد تحقيق النصر

كما تواصل فريق تحرير مراقبون فرانس24 أيضا مع المغنية آنا خانينا التي أكدت بدورها أن هذه المشاهد تتطابق مع تصوير “الفيديو كليب” لأغنية “تهويده” (Колыбельная باللغة الروسية) التي تم تقديمها للجمهور الواسع في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2022. ولكن المغنية أوضحت أن عملية تركيب “الفيديو كليب” مازالت مستمرة.

وتؤكد المغنية أن إظهار “الفيديو كليب” لجندي أوكراني لم يكن اعتباطيا حيث تقول:

“تتحدث الأغنية عن آلام الحرب بالنسبة إلى كل الأوكرانيين، وكيف يتمكن الأطفال والنساء من تجاوز الجوع والبرد وهم بانتظار أزواجهم وآبائهم وإخوانهم بفارغ الصبر بعد نهاية الحرب. وتتحدث الأغنية أيضا عن الأمل في تحقيق النصر والإيمان بالمستقبل.”

ومثلها مثل كثير من النساء الأوكرانيات، عاشت المغنية آنا خانيا القصف وألم ترك زوجها يغادر (للمشاركة في القتال). هذا الأغنية هي إذا مليئة بتجربتي الشخصية.”

“زوجي هو من كتب كلمات الأغنية. هذه الأغنية والمشاهد الظاهرة في مقاطع “الفيديو كليب” تمثل الحقيقة إذن. وهي تظهر أننا بصدد الدفاع عن أنفسنا وكل ما نتمسك به. إنها بمثابة محادثة مع ابني في المساء. المرأة تعمل على تطمين ابنها وتحاول طمأنة نفسها في آن. تؤمن المرأة بشكل كبير بأن الأمور ستكون على أحسن ما يرام”.

وهذا الألم نفسه هو الذي عمل الممثل بيوتر شيركين على إظهاره في التسجيل المصور المتداول خلال الأيام الماضية حيث نراه يصرخ وهو جاث على ركبتيه حيث أوضح لفريق تحرير مراقبون:

 في الفيديو كليب، توجد عدة حلقات، حلقة للقتال وأخرى للراحة وأخرى للأسى. وخلال الحلقة محل السؤال، يظهر الرجل شعوره بالألم حيث يشعر بصداع شديد في رأسه بسبب الرضوض. قال لي المخرج ما يلي: “أريد أن تظهر الألم، وليس فقط الألم المتعلق بالرضوض. أظهر لي الآلام التي تسببها الحرب، أسى الحرب، رعب الحرب. أظهر كل ذلك في هذه الصرخة”.

وأبدى الممثل الأوكراني استغرابه من السياق الذي تم فيه تداول هذا المحتوى الفني خلال الأيام الماضية حيث يقول:

“عندما استيقظت هذا الصباح، بدأ صحافيون ووكالات أنباء بالاتصال بي للحصول على رد فعلي. وعندما رأيت هذا المقطع المسجل من بضع ثوان على تيك توك والذي حصد أكثر من 2.5 مليون مشاهدة، بدأ الناس بالاتصال بي للقول بأن هذا المقطع من الأغنية المصورة تم استخدامه لنشر أخبار كاذبة. ولكنني أعدكم بأنهم لن ينتصروا على الأوكرانيين بـ”أخبارهم الكاذبة” ولا عبر القصف. في إحدى المرات، انفجر صاروخ وتسبب في كسر نوافذنا ولكن ذلك لم يخفنا أبدا. أتعلمون لماذا؟ لأننا أوكرانيون. المجد لأوكرانيا”.

ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، تنشر حسابات موالية لروسيا على وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار محتويات لدعم فرضية أن الحرب في أوكرانيا مجرد مسرحية. وخلال الفترة الأخيرة، اتهم مستخدمو الإنترنت – على سبيل المثال- وسائل إعلام باستخدام مقطع فيديو يتعلق بتصوير “مصابين مزيفين” رغم أن المشهد كان حقيقيا. وتم استخدام صورة للصحافي البريطاني جيريمي بوين أيضا زورا للقول بأنه تظاهر أنه كان على خط الجبهة أثناء قيامه بإعداد ريبورتاج.