آخر الأخبارأخبار دولية

كوكب عظيم وأخلاقيات عالية والمساواة بين الجنسين… هل وفى الرئيس بالوعود التي قطعها في 2017؟


قطع المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية إيمانويل ماكرون في 2017 وعودا تتعلق بمجالات عديدة، منها المناخ والسياسة الخارجية والقدرة الشرائية والمساواة بين الجنسين. فهل وفى الرئيس المنتهية ولايته بوعوده أم أن هناك فوارق وأوجه تضارب بين الخطابات والإنجازات؟ فيما يلي عودة على أبرز ما تعهد به ماكرون قبل خمس سنوات وما تحقق على أرض الواقع.  

تعهد إيمانويل ماكرون عندما ترشح للانتخابات الرئاسية في 2017 بمكافحة الاحتباس الحراري، كما أنه رفع شعارا بارزا قال إنه أولوية الأولويات وهو شعار “المساواة بين الرجل والمرأة”.

وكان ذلك ضمن حزمة من الوعود التي قطعها المرشح الشاب (مواليد 21 ديسمبر/كانون الأول 1977) والتي كانت من المقرر أن تتحقق خلال عهدته الخماسية، إلا أن حقيقة السلطة كشفت تناقضا بينها وبين الواقع، إذ شهدت خطابات الرئيس تباينا مع إنجازاته الفعلية.

سنسعى للعودة على هذا الوضع المتناقض في ولاية ماكرون الأولى من خلال أربع محطات بارزة قدمها المرشح على أنها ضمن أولويات برنامجه.

1- تعزيز أخلاقيات (إيتيقا) الممارسة السياسة 

استفاد المرشح إيمانويل ماكرون في 2017 من تعرض حملة منافسه اليميني فرانسوا فيون، والذي كان يومها المرشح بامتياز للفوز بالرئاسة، لموجة من الانتقادات الشديدة على خلفية اتهامات مخلة بالأخلاقيات سريعا ما تحولت لتهم قضائية أنهت طموح رئيس الوزراء بين 2007 و2012، أي خلال ولاية نيكولا ساركوزي. 

للمزيد- ماكرون يتعهد بإعادة بناء الاتحاد الأوروبي وإعادة الثقة بالنفس إلى الفرنسيين

وكانت التهم تتعلق بقضية وظائف وهمية اشتبه فرانسوا فيون بأنه منحها لزوجته ولاثنين من أبنائه، كما اتهم مرشح حزب “الجمهوريون” باختلاس الأموال العامة وعدم الالتزام بقواعد الشفافية السياسية فيما واجهت زوجته تهما بالتواطؤ في الاختلاس.

فقدم ماكرون نفسه في ثوب “رجل نظيف” في مواجهة “طبقة سياسية تنتمي لعصر قديم”، وتلقى دعم وزير سابق هو فرانسوا بايرو رئيس حزب “موديم” الوسطي والذي اشترط “تنقية” عالم السياسة الفرنسي من “ممارسات السابق” (بمعنى الفساد) مقابل دعمه للمرشح الشاب. وتعهد ماكرون أنه في حال انتخابه رئيسا للجمهورية سيقر قانونا “كبيرا لإصلاح أخلاقيات الحياة السياسية” في فرنسا.

أخلاقيات الحياة السياسية الفرنسية لم تتحول لساحة عالية المعايير

بعد فوز ماكرون بالرئاسة، عين بايرو في منصب وزير العدل وكلفه صياغة مشروع قانون يسير باتجاه الوعد الذي قطعه خلال الحملة الانتخابية. وتضمن النص عدة مواد بينها منع النواب من توظيف أفراد عائلتهم، تقليص عدد الولايات المتتالية المتاحة للبرلمانيين وكذلك مراقبة نفقاتهم المهنية.

لكن الحياة السياسية الفرنسية لم تتحول خلال السنوات الخمس الأخيرة لساحة نظيفة خلقيًا، خلافا لوعد ماكرون، رغم أن فرانسوا بايرو نفسه اضطر لترك منصبه شهرا بعد تعيينه في الحكومة الجديدة بسبب شبهات وظائف وهمية طالت حزبه.  كما أن ريشار فيران، أحد المقربين من الرئيس، تخلى عن منصبه كوزير الوحدة الترابية بعد فتح تحقيق قضائي ضده حول شبهات باستغلال النفوذ عام 2011 في قضية عقارية حين كان مديرا لشركة تأمين.

لكن، في يونيو/حزيران 2018، تفجرت قضية تمس بالأخلاقيات طالت الرئاسة بشكل مباشر عندما اُتهم ألكسندر بينالا الحارس الشخصي للمرشح ماكرون ومتعاونه الأمني بالإليزيه بضرب متظاهرين في باريس. فتهجم ماكرون على الصحافة والعدالة على مدى أسابيع ونسي وعده بتعزيز معايير أخلاقيات الممارسة السياسية.  

للمزيد-  من قضية بينالا والسترات الصفراء إلى أزمة فيروس كورونا

انتهى الأمر بإقالة بينالا من وظيفته الرئاسية، فيما أصبح فيران رئيسا للجمعية الوطنية (الغرفة السفلى من البرلمان) علما أن القضاء نطق بحكم البراءة في قضية العقارات. أما فرانسوا بايرو، فتم تعيينه محافظا ساميا مكلفا بالتخطيط في سبتمبر/أيلول 2020، وقبلها تم تعيين جيرالد دارمانان وزيرا للداخلية في يوليو/تموز من العام ذاته رغم رفع امرأتين دعوى ضده بتهمة الاغتصاب (برأه القضاء في وقت لاحق).  

استمرت القضايا الأخلاقية في ملاحقة ولاية ماكرون مع توجيه تهمة “تحصيل مصالح غير مشروعة” لوزير العدل إيريك دوبون-موريتي في يوليو/تموز 2021، فيما استقال الوزير المنتدب للمؤسسات الصغيرة ألان غريزيه بعد إدانته في ديسمبر/كانون الأول الماضي لعقوبة السجن ستة أشهر غير نافذة بسبب “تصريح جزئي وكاذب” لممتلكاته لدى اللجنة العليا.

2- ممارسة السياسة بطريقة أخرى

انطلق إيمانويل ماكرون في حملته للفوز في المعركة الرئاسية من قناعة أن الفرنسيين استاءوا من الطبقة السياسية بشكل عام ومن الأحزاب التقليدية، وبالتالي رفع شعار “ممارسة السياسة بطريقة أخرى” ما سمح له بتسجيل دعم وانضمام كثير من المناضلين لحزبه “إلى الأمام”. وعرض عليهم مشاركته في اتخاذ القرارات وربط الحوار مع المعارضة السياسية في البلاد، أي منع التهميش والإقصاء.

لكن ذلك لم يمنع الرئيس من تبني خيار القرار الفردي في السلطة، وظهر الأمر جليا خلال أزمة كوفيد-19. وظل البرلمان كما في “العالم السابق” أي مجرد غرفة تسجيل لقرارات جاءت من فوق، فيما طلبت قيادة الحزب الرئاسي من نواب الغالبية عدم معارضة الإصلاحات وعدم دعم اقتراحات المجموعات البرلمانية الأخرى.

وفي بعض الأحيان، لجأ ماكرون لممارسات سلطوية لأجل تمرير قوانين (مثل قانون إصلاح نظام التقاعد) أو ردع حركات شعبية احتجاجية (مثل حركة “السترات الصفراء”). وعمد في أحيان أخرى إلى نهج “التناسي”، لا سيما فيما يتعلق بمشروع قانون إصلاح الدستور الذي تعهد به خلال الحملة الرئاسية فضلا عن (وعد) إلغاء محكمة العدل الجمهورية وإقرار مبدأ التصويت النسبي في الانتخابات التشريعية.

بالمقابل، وفى ماكرون بعهده بإصلاح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والذي تحول لفضاء لمشاركة مواطنية بالحياة السياسية.

3- “لنجعل كوكبنا عظيما”

في مجال البيئة، بدأ الرئيس ماكرون ولايته بنداء دولي لمكافحة الاحتباس الحراري تحت شعار “لنجعل كوكبنا عظيما مرة أخرى”، وذلك مستغلا خروج الولايات المتحدة من “اتفاق باريس” حول المناخ في يونيو/حزيران 2017 بقرار من دونالد ترامب. وكان ماكرون وعد باستثمار 15 مليار يورو في ما سماه “الانتقال البيئي، وأسند وزارته لوجه يحظى بالإجماع في فرنسا هو مقدم البرامج التلفزيونية الخاصة بالبيئة نيكولا أولو.  

للمزيد- حصيلة اتفاق باريس 2015

لكن الأخير قدم استقالته من الحكومة في أغسطس/آب 2018 منددا بنفوذ “اللوبيات في دائرة السلطة”، بعد أن تراجع الرئيس عن منع مبيد الأعشاب الطفيلية “غليفوزات” وقبوله اتفاق الشراكة بين كندا والاتحاد الأوروبي.

بالمقابل، تمكن من تسجيل نقاط إيجابية فيما بعد، مثلا عندما تخلى عن مشروع بناء مطار نوتردام ديلاند قرب مدينة نانت (غرب البلاد) في يناير/كانون الثاني 2019 أو مشروع المناجم في إقليم غويانا في مايو/أيار 2019، فضلا عن منطقة “أوروباسيتي” التجارية بضاحية باريس في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.   

الغازات الدفيئة والطاقات المتجددة 

ويُحسب للرئيس ماكرون أيضا تشكيله لجنة مواطنية حول المناخ في خريف 2019 على خلفية حركة “السترات الصفراء” بهدف تقديم اقتراحات بشأن تخفيض الغازات الدفيئة التي تسعى إليه فرنسا، مع مراعاة العدالة الاجتماعية. وطرح أعضاء اللجة المشكلة من 150 مواطنا، وثيقة من 146 إجراءً تجاهل ماكرون معظمها. فعلى سبيل المثال، اقترحت اللجنة إلغاء الرحلات الجوية المحلية التي تتيح فرصة استبدالها برحلات عبر القطار في أقل من أربع ساعات، لكن الحكومة عرضت قانونا يمنع الرحلات الجوية التي يمكن استبدالها برحلات عبر سكك الحديد في أقل من ساعتين ونصف الساعة. 

 إلى ذلك، فشلت فرنسا تحت حكم ماكرون في تحقيق هدفها المسطر في مجال الطاقات المتجددة إذ باتت البلد الأوروبي الوحيد الذي لم يحترم تعهداته (بنسبة 19 بالمئة) بحيث أن الحد الأدنى المحدد هو 23 بالمئة من مجمل الطاقات الوطنية (لكل بلد).

وأمام تقاعس الحكومة، تدخل القضاء الفرنسي ليدين الدولة بالتقصير في مسؤوليتها في مكافحة الاحتباس الحراري، ثم طلب من رئيس الوزراء جان كاستكس ووزرائه المكلفين بالبيئة “اتخاذ كل القرارات الضرورية لتصحيح الضرر البيئي” قبل نهاية العام.

4- المساواة بين المرأة والرجل

أعلن إيمانويل ماكرون قضية المساواة بين المرأة والرجل “أكبر قضايا” ولايته، إلا أن الأمر مختلف على أرض الواقع  فالحكومة تجاهلتها لتكتفي بمنصب “وزيرة منتدبة لدى رئيس الوزراء”. هذا لا يمنع من ذكر بعض الإنجازات التي حققها الرئيس ومن بينها توسيع قانون الإنجاب بمساعدة طبية للمثليات والعازبات، وتمديد مدة الإجهاض المتعمد من 12 أسبوعا إلى 14 أسبوعا، وأيضا توسيع مجانية حبوب منع الحمل للبنات أقل من 15 عاما في 2020 ثم للنساء بين 18 و25 عاما في 2022.

للمزيد- ما هي اقتراحات المرشحين لتحقيق المساواة بين الرجال والنساء؟

في مجال مكافحة العنف ضد النساء، أقر “الاجتماع ضد العنف الأسري” المنعقد في خريف 2019 تعزيز الأمر الرئاسي الذي يسمح للقضاة بإقرار حماية للنساء اللواتي تعرضن للعنف من دون انتظار رفعهن دعوى قضائية. كما تم اعتماد سوار لإبعاد الرجال العنيفين عن ضحاياهم، ووضع خدمة هاتفية على مدار اليوم تحت تصرف النساء اللواتي تعرضن للعنف على أيد الرجال. 

لكن الجمعيات المدافعة عن النساء غير راضية عن الإمكانات المتاحة للسناء لأجل حمايتهن من العنف الأسري. فهي تطالب بمبلغ مليار يورو لمكافحة ظاهرة قتل النساء على يد الرجال وضد العنف بصورة عامة، ما سيمسح حسب هذه الجمعيات من بناء 20 ألف مكان إيواء إلا أن الحكومة لا تخصص لهذه المسألة سوى ثلث المبلغ المطلوب حسب تقرير صدر في مارس/آذار 2022 عن منظمة أوكسفام غير الحكومية. وتخصص موازنة عام 2022 في فرنسا مبلغ 50 مليون يورو للمساواة بين المرأة والرجل من مجموع 883 مليار يورو.

وما يزيد من غضب الجمعيات النسوية في فرنسا أن عدم المساواة في الرواتب لا زالت مستمرة رغم إقرار مبدأ المساواة بين الجنسين في 2018، ولا يزال الرجال يتقاضون رواتب تفوق 30 بالمئة أعلى من رواتب النساء كما ورد في تقرير لمعهد الإحصاءات الفرنسي.              

رومان بروني/علاوة مزياني


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى