آخر الأخبارأخبار دولية

إلغاء تجريم القنب الهندي في تايلاند… بين الفرص الاقتصادية والمخاوف الطبية

نشرت في: 01/08/2022 – 19:36

في شهر حزيران/ يونيو 2022، لم تعد السلطات في تايلاند تعاقب مستهلكي القنب الهندي في سابقة من نوعها بدول جنوب شرق آسيا. وتم تبرير هذا الإصلاح القانوني بغايات طبية وبهدف دفع النمو الاقتصادي في هذا البلد الذي تضرر بشدة من تداعيات جائحة فيروس كورونا. وفي الوقت الذي يستمر فيه ازدهار صناعة القنب، فإن العاملين في القطاع الصحي وجهوا انتقادات لهذه الفكرة وعبروا عن مخاوفهم من إفراط في استهلاكه.

باتت تايلاند منذ 9 حزيران/ يونيو 2022 أول بلد في منطقة جنوب شرق آسيا تلغي تجريم استخدام القنب الهندي من خلال سحبه من قائمة المواد المخدرة المحظورة وذلك بعد أن أجازت استخدامه لغايات علاجية في سنة 2018. وكانت هذه المملكة المحافظة ذات الغالبية البوذية قد طبقت لوقت طويل ترسانة قانونية متشددة ضد استهلاك المخدرات.

وأصبح بإمكان مستثمرين زرع وبيع نباتات القنب الهندي. كما تم السماح باستخدام مستخلصات القنب في صناعة بعض المنتجات على غرار معجون الأسنان والقهوة.


موزع آلي لقهوة القنب الهندي في حي ياورات (تشاينا تاون) في العاصمة التايلاندية بانكوك.

وإذا ما كان استخدام القنب الهندي، من الناحية القانونية الصرفة، محصورا في الغايات الطبية، فإن عددا كبيرا من التايلانديين يستخدمون القنب الهندي بشكل شخصي ولغايات ترفيهية في ظل أنه أصبح من السهل الحصول عليه مقارنة بما مضى.

وسيكون لهذا القرار انعكاسات اقتصادية بالأساس في تايلاند حيث اعتبر وزير الصحة التايلاندي أنوتين شارنفيراكول بالخصوص أن الإجراء سيسمح في تحقيق أرباح تصل إلى 3 مليارات يورو خلال السنوات الخمس المقبلة.

“إلغاء تجريم استخدام القنب الهندي هو طريقة جيدة لجذب السياح الأجانب إلى تايلاند”

كوتارو هو أحد مراقبينا في بانكوك. وقد أدخل مادة القنب الهندي ضمن رواقه الفني “غوجا” في منطقة إيست سوخومفيت. ويمكن للزبائن شراء تشكيلة متنوعة من القنب الهندي من محله وذلك مع الاستماع إلى الموسيقى واحتساء مشروباتهم. ولكن لم يتم السماح له باستهلاكه في عين المكان. ويروي كوتارو قائلا:

الناس الموجودون حولنا سعداء في العموم بهذا القرار، لأن الحكومة وعدت بتطبيقه منذ سنوات عدة. وفي هذه الفترة بعد جائحة فيروس كورونا، أعتقد أن إلغاء تجريم استهلاك القنب الهندي هو طريقة جيدة لجذب السياح الأجانب إلى تايلاند.

يوجد بلدات تزرع زهرة القنب الهندي المرخص لها من قبل وزارة الصحة العمومية في تايلاند ومنها نحصل نحن على بضائعنا. “غرين لاب” على سبيل المثال من بين البلدات الموجودة على القائمة. حيث يبيع أصحابها أزهار (القنب الهندي) في عدة أسواق محلية في تايلاند وذلك لأن هذه البلدة تدار من قبل الحكومة.


قنب هندي متوفر في مقهي “غوجا” في العاصمة التايلاندية بانكوك


قنب هندي متوفر في مقهي “غوجا” في العاصمة التايلاندية بانكوك

ولكن في المقابل، دعا عدة مراقبين إلى اتخاذ أكبر قدر من الحذر بالنظر إلى الغموض الموجود في النصوص القانونية خصوصا فيما يتعلق بالسياح الأجانب الذي سيذهب في أذهانهم أن إلغاء تجريم استهلاك القنب الهندي يعني حرية مطلقة في استخدامه.

وبما أن تدخين القنب الهندي ما زال ممنوعا في الأماكن العامة، يوضح كوتارو أنه يتوجب آليا على الزبائن أن يحملوا معهم القنب الهندي الذي يشترونه إلى بيوتهم لاستهلاكه هناك. كما الأشخاص الذين يقل سنهم عن 20 عاما لا يحق لهم شراء هذه المادة المخدرة. ويمكن أن يتعرض من يدخن القنب الهندي في الأماكن العامة إلى غرامة تصل إلى 25 ألف باهت أي ما يعادل 673 يورو إضافة إلى عقوبة بالسجن قد تصل لثلاثة أشهر.

على سبيل المقارنة، فإن بيع المادة المخدرة لأشخاص حساسين بمن فيهم الأطفال والنساء الحوامل يمكن أن يؤدي إلى عقوبات قضائية تصل إلى سنة سجنا وغرامة مالية بـ20 ألف باهت تايلاندي أي ما يعادل 530 يورو، حسب تأكيد موقع صحيفة “بانكوك بوست”.

“كل يوم أبيع كمية تترواح بين 30 و50 غراما من القنب الهندي”

تيم (اسم مستعار) هو بائع قنب هندي على الإنترنت في تايلاند ويقول:

أبيع هذه المنتجات (من القنب الهندي) عبر تطبيقي واتساب و”لاين” [فريق التحرير: لاين هو تطبيق تواصل مشابه لواتساب ويستخدم على نطاق واسع في آسيا]. كل يوم أبيع كمية تترواح بين 30 و50 غراما من القنب الهندي.

زد على ذلك أنني أدير شركة لبيع المادة المخدرة بالجملة. وبما أنه يوجد في يومنا هذا عدد من محلات بيع القنب الهندي في تايلاند، أبيع لهم جزءا من مخزوني بكمية لا تقل عن 100 غرام من المادة المخدرة في كل طلبية.

شاحنة تبيع القنب الهندي في مدينة باتايا في تايلاند. صورة من حساب على فيس بوك. © Facebook/@N’Louis’ Happy Buds

“لا أعتقد أن النظرة الدونية لمستهلكي القنب الهندي ستختفي بشكل كامل”

ومنذ أربعة أشهر، أطلق مراقبنا في مدينة فوكات، كارل وهو مدافع أمريكي عن تقنين استهلاك القنب الهندي رسائل إلكترونية عن القنب الهندي في تايلاند. وبالنسبة إليه، فإن إلغاء تجريم القنب الهندي هو موضوع ذو أهمية بالغة في منطقة جنوب شرق آسيا حيث من الممكن أن يساهم في توفير حل محتمل لمعضلة الفقر التي تضرب المنطقة منذ وقت طويل. ويعتقد كارل أنه بالنسبة لحالة تايلاند، فإنها أعطت مثالا جيدا لجيرانها للسير مثلها حيث يقول:

أنا مستخدم دائم لمادة القنب الهندي وأقوم باستهلاكها بطريقة مسؤولة.

لا أعتقد أن النظرة الدونية لمستهلكي القنب الهندي ستختفي بشكل كامل، بما في ذلك في الولايات المتحدة ولن تكون تايلاند استثناء في هذا المجال.

هناك مدافعون عن تجريم المخدرات في تايلاند يحاولون التشكيك في منافع الإصلاح القانوني. ولكن الأمر المثيل للاهتمام هو أن الحكومة التايلاندية ترفض هذه المحاولات لتجريم مستهلكي القنب الهندي.

ويتحدث أنوتين شارنفيراكول وزير الصحة العامة في تايلاند عن فخره أيضا بالتصدي لمحاولة تأثيم مستهلكي هذه المادة وأعتقد أننا بحاجة لموقف مماثل في مختلف مناطق العالم.

معارضة من العاملين بالقطاع الصحي في تايلاند

ورغم الأرباح الاقتصادية التي يدرها إلغاء تجريم القنب الهندي في تايلاند، فإن هذه القرار أدى في المقابل إلى مخاوف وسط عامة الناس والعاملين في القطاع الصحي.

ونشرت عدة مستشفيات رئيسية في تايلاند إعلانا عاما تعبر فيه عن معارضتها لقرار الحكومة وأعربت عن مخاوفها من تأثير هذا القرار على الفئات الحساسة التي يمكن أن تفرط في استخدام هذه المادة المخدرة.

عريضة على الإنترنت نشرت على موقع وبادر بها معارضون لقرار إلغاء تجريم القنب الهندي. ويؤكد نص العريضة أن "تايلاند يمكن أن تكون أول دولة في العالم تسمح للأطفال باستخدام القنب الهندي بدون قيود". صورة من موقع

عريضة على الإنترنت نشرت على موقع وبادر بها معارضون لقرار إلغاء تجريم القنب الهندي. ويؤكد نص العريضة أن “تايلاند يمكن أن تكون أول دولة في العالم تسمح للأطفال باستخدام القنب الهندي بدون قيود”. صورة من موقع © Change.org

من جهتها، تؤكد الحكومة أنه بحلول أيلول/ سبتمبر المقبل، سيتم الانتهاء من صياغة القوانين والتشريعات المفصلة بشأن المواد المخدرة المعدلة كيميائيا والتي تعطي مادة الماريخوانا تأثيراتها العصبية والتي لن يسمح أن توجد إلا بنسبة لا تتجاوز 0.2 بالمائة في المنتجات المعروضة للبيع من مادة القنب الهندي.

بايدران هو عامل صحي في مستشفى شولالونكورن الجامعي يوضح لفريق تحرير مراقبون فرانس24:

أنا ضد التشريع الحالي المتعلق باستهلاك القنب الهندي لأن الحكومة قامت بكل بساطة بإلغاء تجريم استهلاك المخدر بدون سياسات تكميلية واضحة وبدون دعم طبي كاف لمستهلكيها.

هاجسي الأكبر هو أن عددا كبيرا من الأشخاص الأبرياء يمكن أن لا يعطوا القدر الكافي لتداعيات القنب الهندي على صحتهم في حالة استهلاكهم لهذه المادة. وإذا ما كانت النصوص القانونية التي ستنشر في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، من المحتمل أن تزول أسباب معارضتي للقانون.

وبالنسبة إلى كارل، مراقبنا في مدينة فوكات، فإنه يجب على الأشخاص قبل كل شيء أن يتحلوا بالمسؤولية عن قراراتهم الشخصية حيث يضيف:

هناك حاجة دائمة لتشريع قانوني، وذلك لأنه يجب أن يتم ضبط بيع المنتج لكي لا يكون متاحا بدون رقابة. ولكن التغيير قادم لا محالة في تايلاند. على سبيل المثال، وحسب تشريع قانوني حديث، يجب أن يكون بائعو القنب الهندي حاصلين على ترخيص، وذلك يعني أنه لا يمكن أن نرى أشخاصا يتجولون على دارجات نارية ويبيعون القنب الهندي في الشوارع أو أي ظاهرة مماثلة لها.

ومثلما قال وزير الصحة: “الناس الذين سيدخلون  المستشفى بسبب استهلاك القنب الهندي يستحقون ما حدث لهم بسبب إفراطهم في استهلاك هذا الحشيش”،  وفي حال كان المستهلك من البالغين، أعتقد أن هذه الفلسفة هي التي يجب أن تطبق.

//platform.twitter.com/widgets.js


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى