آخر الأخبارأخبار محلية

طاولات الحوار… لزوم ما لا يلزم (1)

من حيث المبدأ والمنطق السليم يجب ألا يرفض أي طرف من الأطراف اللبنانية مبدأية الحوار. فلبنان قام في الأساس على هذه المعادلة السحرية، المفترض أن يكون لها مفعولها غير المحدود طالما أن جميع اللبنانيين إرتضوا أن يعيشوا معًا تحت سقف واحد، وفي ظل نظام توافقي تبيّن من خلال الممارسة أن لا غنى لهم عنه، وبالتالي لا بديل له. 

ولكن النظريات شيء والتطبيق شيء آخر. وهذا ما لمسه اللبنانيون وما عاشوه من تجارب خلال سنوات طويلة منذ نيلهم الإستقلال حتى اليوم، وقد مرّت عليه أحداث مأسوية وموسمية حتمّت عليهم التحاور والتصارح والتصالح، ولكن من دون أن تؤدي هذه الحوارات، سواء تلك التي عقدت في خلال الحرب اللبنانية وبعدها، إلى نتائج ملموسة، ولم تبلور صيغة توافقية على المسلمات، التي أظهرت الممارسات أن ثمة مفارقات في وجهات النظر، وأن نقاط الخلاف على مسائل عدّة أساسية في التركيبة اللبنانية وفي النظام تتساوى مع نقاط الإلتقاء والقواسم المشتركة الفعلية، والتي هي خارج عناوين الشعارات الفضفاضة والرنانة.

وقبل أي إستنتاج حول مصير الدعوة غير الرسمية للحوار التي وجهها الرئيس ميشال عون إلى الجميع، لا بدّ من إستعراض تاريخي ( في حلقتين) للمسار الحواري على مدى سنوات، بدءًا من العام 1976، وبالتحديد في 24 أيلول عندما أعلن الرئيس رشيد كرامي عن تشكيل هيئة الحوار الوطني وتألفت من شخصيات تمثل مختلف القوى والتوجهات السياسية والاجتماعية في البلاد، بغية الوصول الى اتفاق علّه يشكّل مدخلاً صالحاً لحل الأزمة المتفاقمة.  

وعقدت هذه الهيئة أول اجتماع لها في 25 أيلول وأجمع الأعضاء على ضرورة إعادة الأمن والحياة الطبيعية الى لبنان والتمسك بصيغة التعايش ووحدة الشعب والأرض وطناً للجميع، كما شُكّلت لجان مختلفة لوضع تصوّر لإصلاح سياسي ودستوري في البلاد، كان أبرزها لجنة الاصلاح السياسي، لكن كل ذلك لم يحل دون مزيد من تدهور الأوضاع حيث مورست أبشع أنواع عمليات الخطف والقتل والدمار. 

 وبعد عدة لقاءات واجتماعات سواء لهيئة الحوار أو للجان المختلفة، عقدت هيئة الحوار الوطني اجتماعاً في 24 تشرين الثاني فتغيّب عنه الرئيس كميل شمعون والزعيم كمال جنبلاط، مما دفع الرئيس صائب سلام والعميد ريمون إده للانسحاب منه، فانفرط عقد الهيئة نهائياً من دون أن تتمكّن من التوصل الى أي نتيجة.  
في 31 تشرين الأول من العام 1983 عقد مؤتمر حوار وطني في جنيف برعاية سوريا والسعودية وبمشاركة الرئيس أمين الجميل وممثلي المكونات السياسية الرئيسية. وأكد المشاركون عروبة لبنان وطالبوا بإلغاء اتفاق 17 أيار الموقع بين لبنان وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة·  

وفي 20 آذار من العام 1984 أدى مؤتمر الحوار الوطني الثاني بعد مؤتمر جنيف، الذي عقد في لوزان، والذي شاركت فيه الأطراف ذاتها، إلى اتفاق إطار يعطي الأولوية لوقف إطلاق نار ويقرر عودة الجيش إلى ثكناته وتشكيل هيئة لمراجعة الدستور·  

يُستنتج من القسم الأول من هذا البحث أن الحوار بين اللبنانيين، على أهميته القصوى، لم يؤدِ إلى النتائج التي كانت متوخاة منه، والدليل إلى ذلك أن مصير جلسات مجلس الوزراء لا تزال معلقة على حبال الشروط التي يحاول فريق من اللبنانيين فرضها فرضًا على الآخرين، وذلك بفعل عدم الإقتناع بجدوى الحوار وفاعيله، والذي يفترض على الجميع، من حيث المبدأ، تقديم تنازلات متبادلة ليستقيم الوضع على اسس واضحة وجلية مرّة نهائية. 

يتبع غداً.   

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button