آخر الأخبارأخبار محلية

جردة العام الدستورية: تراجع في مفهوم دولة القانون ومرتكزاتها

ينشغل المواطنون خلال هذه الأيام بهمومهم المعيشية والاقتصادية، فتراهم يبحثون وبشكل مستمر عن آليات وطرق وأساليب تمكنهم من الصمود في وجه الأزمات المتلاحقة، اذ بات البنزين والحليب والدواء والخبز وفاتورتا المولد الكهربائي والسوبرماركت… الشغل الشاغل ليوميات اللبناني بساعاتها ودقائقها ومختلف مواقيتها.

لكن هذا لا يعني أبدا ان معالم الانهيار تحط رحالها فقط في أروقة الحاجات الأساسية للمواطن، انما تتعداها لتصل الى ما هو اهم وما هو اكثر دقة وأشد خطورة.
فالحياة الدستورية في البلاد خلال العام 2021 تعرضت لاكثر من انتكاسة ولمجموعة تعديات قد يراها البعض وجهة نظر أو نقطة اختلاف لكنها في حقيقة الأمر تعبير صريح عن بداية تفكك الدولة وانحلال مؤسساتها.
ما بين المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والقضاء العادي

في هذا الاطار، يقول الاستاذ المحاضر في القانون في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف الدكتور رزق زغيب لـ”لبنان 24″ أن العام 2021 شهد جملة مخالفات وخروقات دستورية واضحة المعالم شكلا ومضمونا.
وقد يكون أبرز هذه الخروقات، اصرار بعض الكتل الوازنة في مجلس النواب على اعتبار القضاء، وبوجه التحديد المحقق العدلي، غير معني أو لا حق له بملاحقة الوزراء السابقين باعتبارهم يخضعون حصرا للمساءلة من قبل ألمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وهذه مخالفة واضحة وكاملة للمواد الدستورية لاسيما المادة 70 من الدستور، كما انها مخالفة لتفسير الدستور المعتمد من محاكم لبنانية مختلفة وعلى رأسها محكمة التمييز، التي، وفي أكثر من قرار لها، اكدت أن الجرائم العادية التي يقترفها الوزراء تدخل ضمن اطار قانون العقوبات وهي من اختصاص القضاء العادي حتى لو كان الوزير ارتكب هذه الافعال بمعرض ممارسة وظيفته.

فهذه الارتكابات تعتبر من ضمن الاعمال المنفصلة عن تأدية الواجبات والنظر فيها لا يكون ضمن نطاق عمل المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وبالتالي يمكن الاشارة الى ان عدم المثول امام المحقق العدلي وعدم متابعة الاجراءات المطلوبة يشكلان اصرارا واضحا على خرق الدستور والقوانين المرعية الاجراء.”

مجلس النواب واحتساب النصاب
ويؤكد زغيب أن “ما حصل في الجلسة النيابية الاخيرة التي تم خلالها مناقشة القانون الذي طلب رئيس الجمهورية ميشال عون اعادته الى مجلس النواب لاعادة النظر فيه وتحديدا اعتماد ما يعرف بـ (نصاب الاحياء) للتصويت ضمن الجلسة التشريعية لا يمكن وضعه الا في اطار المخالفات الدستورية التي ظهرت الى الواجهة في هذا العام.
فاحتساب الاكثرية والنصاب على اساس عدد النواب الأحياء وغير المستقيلين الذين أمسى عددهم اليوم 117 نائبا، يشكل مخالفة للدستور الذي يقول ان النصاب والاكثرية يحتسبان على اساس عدد النواب المؤلفين للمجلس قانونا، اي 128 نائبا.
وهنا لابد من التذكير بالقانون الذي يحمل الرقم 11 الصادر عن مجلس النواب في 8-8-1990 والذي يعتبر ان اعتماد (نصاب الأحياء) تم استثناءً خلال سنوات الحرب لان امكانية اجراء انتخابات نيابية كانت معدومة ومستحيلة ، ووفقا لهذا القانون لا يمكن العودة الى (نصاب الأحياء) بعد اول انتخابات نيابية عامة، اي بعد انتخابات العام 1992
وبالتالي لا يمكن لمجلس النواب الخروج عن هذا القانون الذي أقره بنفسه الا عبر اصدار قانون آخر يعبر بموجبه عن رغبته للعودة الى (نصاب الاحياء)”.
الانتخابات النيابية الفرعية
ويلفت استاذ القانون في جامعة القديس يوسف الى “مخالفة دستورية ثالثة بدأت في العام 2020 واستمرت خلال العام 2021، متمثلة في تقاعس الجهات المسؤولة عن اجراء الانتخابات النيابية الفرعية بعد وفاة مجموعة نواب كجان عبيد وميشال المر وبعد استقالة مجموعة نواب آخرين قبلهم كسامي الجميّل وميشال معوض.
وفي هذا المجال يشير النص الدستوري بوضوح الى وجوب دعوة الهيئات الناخبة خلال مدة شهرين من شغور اي مقعد نيابي.
الموازنات وقطع الحساب
كما يرى زغيب ان عملية مخالفة الدستور ظهرت ايضا عبر مسألة الموازنات وقطع الحساب التي لم تتم كما ينص عليها الدستور. فموازنة العام 2021 لم تقر بمواقيتها الدستورية نظرا للفراغ الحكومي آنذاك كما ان قوانين قطع الحساب لم تقر ايضا.
وهنا نحن امام موجب دستوري تلكأت السلطتان التشريعية والتنفذية عن القيام به”.
ويختم الدكتور زغيب بالتعبير عن “أسفه لما آلت اليه حال المجلس الدستوري الذي عبر عدم قدرته على اتخاذ قرار وعبر اصداره (اللاقرار) أكد التراجع الكبير الحاصل في مفهوم دولة القانون ومرتكزاتها”.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى