افتتاحية “النهار”: الدولار 23 ألفاً… على صفيح التعطيل والتصعيد
افتتاحية “النهار”: الدولار 23 ألفاً… على صفيح التعطيل والتصعيد
مضت مسارات الأزمات التي تتخبط فيها البلاد نحو مزيد من التفاقم على مختلف الصعد والمستويات، وسط شلل تام غير مسبوق في المبادرات السياسية الرسمية لتجاوز الإنسداد الذي أصاب من الحكومة مقتلاً مبكراً وجعل مجلس الوزراء يقبع في مربع التقاعد والانتظار القسريين. ولم يكن المؤشر الأشدّ تعبيراً عن التأزم التصاعدي الذي يحاصر البلاد سوى الارتفاع الجنوني في سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء، اذ اعتبر سعره أمس الأعلى قياسياً على الاطلاق خلال هذه السنة، وبلغ مساء سقف الـ 22 الفا و900 ليرة وذلك عقب الكلمة التي القاها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مساء والتي عكست تصعيداً مطّرداً من جانب الحزب تجاه المملكة العربية السعودية وانعدام افق أي حل للازمة مع الدول الخليجية.
وإذا كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “يجهد” في محاولات التعويض عن الشلل بحركة كثيفة لاطلاق مبادرات تتصل بالقطاعات المختلفة على غرار إطلاقه أمس مبادرة “صندوق إعادة بناء مؤسسات الاعمال في بيروت على نحو أفضل”، فإن هذا الجانب على أهميته لم يحجب حال التفرّج على الازمة الذي يطبع مواقف اركان السلطة الاخرين في وقت تتجمع نذر موجة جديدة من التأزم والتصعيد في الازمة بين لبنان والدول الخليجية. ولعلّ أكثر ما يلفت اهتمام البعثات الديبلوماسية المعتمدة في لبنان والتي ترصد مسار هذه الازمة بدقة وجدية، وفق ما تفيد مصادر معنية، ان معظم المسؤولين الكبار يبدون برودة مخيفة حيال ما يتوجب عليهم القيام به بأسرع وقت لانهاء هذه الازمة قبل ان تتضخّم تداعياتها إلى حدود لن يعود ينفع معها أي تحرك او اجراء او وساطة.
هدأت… ولكن
ومع ان الردود بين بعبدا وعين التينة توقفت أمس، الا ان الجمر ما زال تحت الرماد بينهما في العديد من الملفات المفتوحة والتي ترخي بتداعياتها على عمل المؤسسات الدستورية من تعطيل مجلس الوزراء، إلى التجاذبات في مجلس النواب، إلى الحرب المفتوحة في اروقة وغرف قصر العدل على التحقيق العدلي في جريمة المرفأ وحفلة الردود والدعاوى والارتياب، وصولاً إلى المجلس الدستوري الذي سيكون امام امتحان الطعن في قانون الانتخاب المعدّل الذي سيقدمه “تكتل لبنان القوي”.
في عين التينة هدأت العاصفة، وفي القصر الجمهوري كذلك، حيث تؤكد مصادره ان رئيس الجمهورية بتغريدته لم يقصد شخصاً وتحديداً الرئيس نبيه بري بل انه “مسؤول عن سلامة كل المؤسسات والسلطات ولذلك كانت تغريدته من اجل تقوية القضاء وتحصينه ضد فيروس السياسة والطائفية والمذهبية التي تشرذمها وتكاد تقضي عليها”. وتقول هذه المصادر ان “السلطة القضائية لا تمس بهذه الطريقة. يكفينا المشكل الاقليمي مع المملكة العربية السعودية وموضوع استقالة الوزير جورج قرداحي. على الجميع ان يهدأ ويتروى”.
من وجهة نظر المصادر الرئاسية ان “لا اجتماعات لمجلس الوزراء ولا قضية استقالة قرداحي تعالج بعد بشكل صحيح، الا ان العمل يتواصل لمعالجة الازمة الحكومية خصوصاً وأن هذه الحكومة حاجة للجميع كما لكل مكوناتها ولا أحد لديه الترف اليوم لتدميرها وتعطيلها”. وفي هذا الاتجاه، تشير المصادر إلى ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أرسل انذاراً جدياً من طرابلس ولا يزال مثابراً ومؤمناً بأن ثغرة سوف تفتح بهذا الجدار السميك”.
وعن مصير التحقيق العدلي في ظل حرب الدعاوى والردود، تجيب المصادر الرئاسية: “لن يتوقف التحقيق العدلي بقوة الاقتناع لدى القاضي (طارق البيطار)، وفي غياب اي تدبير ملاحقة في مجلس النواب والمجتمع الدولي يدعم التحقيق ولا يفهم الا بشفافيته واستقلاليته”.
وتقول المصادر ان دخول الرئيس بري على الملف كان للاسف مذهبياً وطائفياً وهذا ما ادى بنادي القضاة إلى ان يحذر وكان لمجلس القضاء الاعلى كما لوزير العدل موقفهما اللافت.
وفيما يبدي الفريق الداعم لقانون الانتخاب المعدل ثقته بأن الطعن الذي سيقدم إلى المجلس الدستوري سيردّ، تبدي مصادر فريق العهد خشيتها من دخول السياسة على المجلس الدستوري فتعطله كما تم تعطيل مؤسسات اخرى بدءاً من مجلس الوزراء.
وتقول:”إذا سيّسوا المجلس الدستوري كما سيّسوا مجلس القضاء الاعلى والتحقيق العدلي فسيكون لذلك تداعيات سلبية على الطعن. وإذا كانت هناك نية لتعطيل المجلس الدستوري فالأكيد سيتعطّل الطعن وسيفرض واقع مريب بقانون معروفة المواقف منه”.
وتشرح المصادر: “انه لتعطيل الطعن، يكفي الضغط على ثلاثة اعضاء من عشرة في المجلس الدستوري ليتغيبوا عن جلسة المذاكرة حتى يتعطل النصاب وتتعطل قدرته على ابداء رأيه”.
وتوضح ان نصاب المجلس ثمانية من عشرة والتصويت على قبوله يحتاج سبعة اصوات والا فقد تمر مهلة الشهر الدستورية لاعطاء رأيه ويصبح القانون نافذاً”.
نصرالله
ووسط هذه الانطباعات القاتمة لم يشكل الخطاب الذي القاه السيد نصرالله أمس في ذكرى “يوم الشهيد” سوى ضخ لجرعة كبيرة إضافية من التصعيد ضد المملكة العربية السعودية فيما بدا ان الاجراءات الخليجية ذاهبة نحو مزيد من التصعيد. فبعد تدابير الكويت بمنع منح تأشيرات دخول إلى اللبنانيين بكل أنواعها، افيد أمس ان الخطوات التصعيدية التي تفرضها المملكة العربية السعودية ستشتدّ في الأيام المقبلة، بحيث ستقتصر التأشيرات الصادرة عن سفارة المملكة في بيروت على الحالات الإنسانيّة فقط.
اما كلمة حسن نصرالله أمس فجاءت، للمفارقة “الطريفة”، تحت شعار “اننا نريد التهدئة في ما يتعلق بالأزمة التي افتعلتها السعودية مع لبنان”، في وقت اتسمت مواقفه في الكلمة بمزيد من التصعيد. واعتبر نصرالله انه “من المفترض أن السعودية كانت تقدّم نفسها أنها صديق للبنان والشعب اللبناني، ومشكلتها مع جزء من الشعب اللبناني وهو حزب الله، فهل بهذه الطريقة يتعاطى الصديق مع صديقه؟” ووصف ردة فعل السعودية على تصريحات وزير الاعلام جورج قرداحي بانها “مبالغ فيها جداً جداً جداً وغير مفهومة اذ ان هذه التصريحات نفسها بل ما هو أشد منها قاله مسؤولون في العالم العربي وقاله الأميركي والأمين العام للأمم المتحدة ولم نر أي رد فعل بسيط من المملكة السعودية “. وسأل “هل ما اعتبروه اساءة لهم في كلام وزير الإعلام هو أخطر وأكبر وأشنع مما يقال عن النبي محمد ؟”
واعتبر ان “الضغط السعودي هو جزء من المعركة مع المقاومة في لبنان وليس مع حزب الله كحزب سياسي وبالتالي مع مشروع المقاومة في لبنان”. وقال “نحن نعرف الدور السعودي في حرب تموز والضغط السعودي على العدو الاسرائيلي لاستمرار الحرب” لافتا ان “لديهم مشكلة مع حلفائهم أنهم يريدون منهم أن يقاتلوا حزب الله وان يخوضوا حرباً اهلية في لبنان، وفي لبنان صنفان أما أنهم لا يريدون حربا أهلية أو أنهم غير قادرين أن يفعلوا حربا أهلية “. وتابع “سؤال لأصدقاء السعودية في لبنان، هل لأن لدى السعودية مشكلة مع حزب معيّن تشن حربًا ديبلوماسية في المنطقة على لبنان؟ أيّدنا موقف وزير الإعلام ألا يستقيل ونرفض أن يُقال هنا المصلحة الوطنية”، سائلا “ما هي المصلحة الوطنية في استقالة قرداحي أو إقالته؟ هل هي في الخضوع للإملاءات الخارجية؟ أيّ لبناني يدرك أنّ المزاعم السعودية حول هيمنة حزب الله على لبنان هي غير صحيحة أبدا ونحن لا ننكر بأننا جهة مؤثرة وبأننا أكبر حزب على المستوى السياسي والهيكلية ولكن لا نهيمن”.
وسارع السفير السعودي في لبنان وليد بخاري بعد كلمة نصرالله إلى الرد عبر تويتر، من دون أن يسميه، وقال “الحقُّ كُلٌ لا يتجزَّأ …فَهُناكَ فَرْقٌ شاسِعٌ بَيْنَ نَفْيِ الواقِعِ وَبَيْنَ مُحاولةِ تبريرهِ وَالإفْتئاتِ عليه.”
ميقاتي من طرابلس
في غضون ذلك وغداة زيارته رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا اول من أمس، اكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “أنّ التحاور يقفُ عند حدود قناعاتٍ وطنيةٍ وشخصية لا يحيد عنها أبدًا، وأبرزُها إستقلالية القضاء ومن خلاله حمايةُ الدستور والمؤسسات، وصون انتماءِ لبنانَ العربي والحفاظ على علاقاتِ الأخُوَّةِ مع الأشقّاء العرب، وفي مقدَّمِهم المملكةُ العربية السعودية” ، مشددا على “ان مفهومَ الدولة يقومُ على قاعدة أن يتخلّى الفردُ أو المجموعةُ طوعًا عن بعضِ ما هو حقٌّ له أو لها في الأصل، من أجلِ المصلحةِ العامة التي تمثل بالضرورة”. ودعا في كلمة القاها في احتفال بالمئوية الثانية لنقابة محامي طرابلس إلى “الانتظام الكامل في نهجٍ سياسيٍّ واضح المعالم والمبادئ، يلتزم قواعدَ الديموقراطية الصحيحة وأُسُسَ بناءِ الدولة العصريّة ذات السلطة الواحدة التي لا ازدواجيةَ فيها. دولةٌ تجعلُ على رأسِ اهتمامَاتِها حمايةَ سيادةِ الوطن وضمانَ سلامةِ أرضِه وشعبِه ومؤسساته، واحترامَ القواعدِ والاستحقاقاتِ الدستورية، وصَوْنَ مصالحِ المواطنينَ المقيمين والمغتربين، والمحافظةَ على انتماءِ لبنانَ العربي، وبناءَ أفضلِ العلاقاتِ مع الأشقاءِ في المنطقة والأصدقاء في العالم.