هل مستقبل الطاقة النووية يمر عبر مفاعلات متطورة وصغيرة الحجم؟
نشرت في: 13/10/2021 – 17:56
من بين المشاريع التي يطمح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحقيقها في إطار خطة إنعاش قطاعي الصناعة والتكنولوجيا ببلاده مع حلول 2030 والتي خصص لها 30 مليار يورو، صناعة مفاعلات نووية متطورة وذات حجم صغير. الهدف من هذه التقنية الجديدة هو مواجهة المنافسة الصينية في هذا المجال.
كشف الرئيس إيمانويل ماكرون الثلاثاء عن خطة طموحة لإنعاش قطاعي الصناعة والتكنولوجيا بفرنسا، وخصص لأجل ذلك ما لا يقل عن 30 مليار يورو لغاية العام 2030. ومن بين الأهداف الأساسية التي تطمح الحكومة الفرنسية إلى تحقيقها، “بناء مفاعلات نووية حديثة وصغيرة الحجم لتوليد الكهرباء حتى 2030 فضلا عن التصدي للمنافسة الصينية”.
وتشكل رغبة فرنسا في اعتمادها بالمستقبل على مفاعلات نووية صغيرة الحجم وأكثر تطورا تغييرا استراتيجيا في مجال توليد الطاقة الكهربائية، حيث كانت تعتمد في السابق على مفاعلات نووية كبيرة الحجم وأكثر استهلاكا للطاقة.
مفاعل نووي صغير يكبر ثم يصغر حجمه من جديد
وقال جيورجيو لوكاتيلي، مختص في أنظمة المفاعلات النووية وأستاذ في المدرسة متعددة التقنيات بمدينة ميلانو الإيطالية لفرانس24: “تنتج هذه المفاعلات، كل واحد بمفرده، حوالي 300 ميغاوات. أي أقل بكثير مما تنتجه المفاعلات النووية الفرنسية الحالية، والتي بإمكانها أن تصل إلى ما بين 940 و1300 ميغاوات”. وأضاف: “بعض المحطات النووية مثل محطة فلامونفيل قادرة على إنتاج حوالي 1600 ميغاوات”.
هذا، ويتم صناعة الأجزاء الإلكترونية المكونة لهذه المفاعلات المتطورة والصغيرة في المصانع وبشكل غير منقطع قبل أن يتم نقلها إلى أماكن أخرى حيث يجري تركيبها وفق المتطلبات التقنية. فطريقة العمل هذه تشبه كثيرا طريقة عمل الشركة السويدية “إيكيا” التي تنتج مكونات وجزئيات من الحطب يتم بعد ذلك تركيبها واحدة تلو الأخرى من أجل الحصول على قطع الأثاث المنزلية كالسرير أو الطاولة او المائدة إلخ.
وتهدف تقنية توحيد مقاييس التصنيع إلى إتقان عملية تركيب الأجزاء الأساسية والمكونة للمحطات النووية. وجدير بالذكر أن التأخر الذي عرفته محطة “فلامونفيل 3” أظهر أن الطريق المؤدي لصناعة مفاعل نووي واحد كبير الحجم صعبة.
لكن السعي الفرنسي لبناء مفاعلات نووية صغيرة الحجم يشكل في الحقيقة تراجعا إلى الوراء في هذا المجال، حسب المختص الإيطالي الذي قال: “بدأنا في الستينيات ببناء مفاعلات نووية صغيرة الحجم لكن غيرنا الاستراتيجية وأصبحنا نصنع مفاعلات كبيرة الحجم من أجل اقتصاد المال”.
هذا، ويبدو أن التفكير بهذا المنطق قد وصل إلى طريق مسدود لأن “محطات نووية مثل محطة فلامونفيل لا تكلف فقط الخزينة أموالا باهظة، بل أصبحت عملية بنائها مكلفة جدا ومعقدة”، يضيف جيورجيو لوكاتيلي الذي تابع: “لا يكفي إيجاد الأموال لبناء مثل هذه المحطات النووية المولدة للطاقة، بل يجب أيضا إيجاد زبائن يقبلون الانتظار على الأقل عشر سنوات من أجل جني الأرباح المترتبة عن هذه المفاعلات الجديدة”.
نموذج لمواجهة الصين
من جهته، أضاف نيكولا مازوتشي، مختص في مجال الطاقة بمؤسسة الأبحاث الاستراتيجية الفرنسية لفرانس24: “المفاعلات النووية الكبيرة تحتاج إلى تمويلات مالية ضخمة وإلى خبرة كبيرة، الأمر الذي يجعل اقتناءها أمرا صعبا من قبل بعض الشركات، باستثناء تلك التي تعتمد في تمويل أنشطتها على الدول، كروسيا والصين مثلا”.
كما يرى نفس الخبير أن “الخيار الفرنسي الذي يكمن في بناء مفاعلات نووية متطورة وصغيرة الحجم خيار استراتيجي إذا أرادت أن تبقى قادرة على منافسة بعض الدول العظمى مثل الصين التي أصبحت تكشف عن طموحات أكثر في المجال النووي”.
هذا، وكتب نيكولا ماوزتشي برفقة بعض المختصين في المجال النووي بمجلة الطاقة التي صدرت في يوليو/تموز 2021 أن “حوالي ربع المحطات النووية المتواجدة في العالم ستتوقف عن العمل في حلول 2025 كون مفاعلاتها أصبحت قديمة جدا ولم تعد تعمل مثل السابق”.
وتجدر الإشارة إلى أن المفاعلات النووية المتطورة والصغيرة الحجم لا تصلح فقط لاستبدال المفاعلات النووية القديمة رغم أنها لا تزال في الخدمة أو مصانع الفحم، بل بإمكانها أيضا أن تستخدم لتسيير برامج نووية مزدوجة وليس فقط لتوليد الكهرباء”، حسب جيورجيو لوكاليتي.
وقال في هذا الخصوص: “هذه المفاعلات يمكن استخدامها لتحلية المياه (وهي تقنية مهمة لا سيما في الشرق الأوسط والهند) أو لإنتاج مادة الهيدروجين أو الحرارة في المناطق الأكثر برودة”.
وكون هذه المفاعلات آمنة أكثر مقارنة بالمفاعلات الكبيرة التقليدية قد يسهل من عملية تسويقها إلى الخارج. والجميع يتذكر حادث انفجار مفاعل فوكوشيما باليابان في 2011 وكيف أعاد هذا الانفجار طرح إشكالية الملف النووي على الساحة العالمية. انفجار مماثل آخر وقع في مفاعل تايشان بالصين في 2021 كشف هو الآخر أن المفاعلات النووية الحديثة ليست بمنأى عن المشاكل التقنية. لهذا يبدو أن المفاعلات النووية الصغيرة أكثر أمنا من الناحية النظرية كونها تحتوي على أقل نسبة من المواد النووية.
نقص الخبرة
من جهتها، أكدت كرين هيرفيو، نائبة المدير العام في القسم المخصص لتأمين تجهيزات الأنظمة النووية في معهد الحماية من الإشعاعات النووية والتأمين النووي بفرنسا لفرانس24 أن “في حال وقوع حادث، فنسبة الانبعاثات المشعة ستكون أقل بكثير وذلك بسبب امتلاك المفاعلات النووية المتطورة لنسبة ضئيلة من المواد النووية”.
وواصلت: “بالنسبة للمفاعلات المزودة بأنظمة تقنية حديثة، يجب على صانعيها أن يثبتوا بأنها آمنة وتتوفر على جميع شروط السلامة”.
لكن رغم كل هذا، لم يثبت لحد الآن أن المفاعلات النووية الصغيرة والمتطورة تملك مزايا أكثر من المفاعلات التقليدية. يتواجد في العام حوالي 70 مشروعا لإنتاج مفاعلات نووية صغيرة الحجم لكن غالبيتها في طور النمو.
ويشير جيورجيو لوكاليتي أن “المشكلة الأساسية مع هذه التكنولوجيا (المفاعلات النووية الصغيرة) هي أننا لا نملك فكرة سابقة عنها ولا نعرف كيف ستتطور”. يجب البدء من الصفر من أجل بناء مصنع، وهذا شيء مكلف جدا. فعلى سبيل المثال تكلفة بناء نموذج من هذه المفاعلات قد تصل إلى مليار يورو. فيبقى السؤال المطروح هل يجب بناء قبل كل شيء مصانع لإنتاج مفاعلات نووية صغيرة وإقناع الزبائن بشرائها أم بالعكس يجب قبل كل شيء إيجاد الزبائن ثم بعد ذلك بناء المفاعلات”.
هذا، وأشار نيكولا مازوتشي إلى تأخر فرنسا في مجال صناعة مفاعلات نووية صغيرة الحجم ومتطورة، عكس الولايات المتحدة حيث تلقى مشروع واحد على الأقل الضوء الأخضر من قبل السلطات لاستخدام هذه التكنولوجيا الجديدة في صناعة المفاعلات النووية. كما بدأت تظهر العديد من المدارس والمعاهد التي تهتم بهذا النوع من التكنولوجيا النووية، حسب الموقع الأمريكي العلمي.
وأنهى مازوتشي: “فرنسا تملك ميزة خاصة باعتبارها يمكن أن ترتكز على خبرتها في المجال النووي، بدءا من عملية استخراج اليورانيوم حتى صناعة المفاعل”، مشيرا إلى أنها “تحتاج إلى حوالي 10 سنوات لإنتاج مفاعلات نووية صغيرة الحجم، والتي من المتوقع أن تكثر عليها الطلبات” وفق المفتشية الفرنسية للطاقة النووية.
اقتباس طاهر هاني عن مقال سيباستيان سايبت بالفرنسية
مصدر الخبر
للمزيد Facebook