آخر الأخبارأخبار محلية

مبادرة عون بين تريث حزب الله والرد الاسرائيلي بالنار

يقف لبنان اليوم أمام مفترق حقيقي، بين مبادرة رئاسية تعد الأولى من نوعها منذ اندلاع التوتر الأخير على الحدود الجنوبية، وبين تصعيد إسرائيلي متعمد يسعى لإبقاء الأزمة في مربع النار. وبين هذين الخيارين، تتبلور قناعة رسمية متقدمة بأن السياسة هي الطريق الوحيد أمام لبنان، وأن إنجاحها يحتاج إلى إرادة داخلية ومظلة عربية، ودعم دولي يضع الأزمة على سكة الحل المستدام.

كتبت روزانا بو منصف في” النهار”: الدلالة الرمزية التي أرفقها رئيس الجمهورية جوزف عون بكلمته في عيد الاستقلال من خلال إلقائها من جنوب الليطاني، وتأكيد مضمونها على موقف الدولة بحصرية السلاح وعزمها على ذلك، حتى بعد رسالة الشيخ نعيم قاسم الى الرؤساء الثلاثة ورفضه التفاوض مع إسرائيل يفترض أن تعطي الدول الصديقة مستنداً مهما للعمل عليه من أجل منع انزلاق لبنان إلى مأزق يبدو متجهاً اليه.
باستثناء توسيع إسرائيل استهدافاتها لمواقع ” حزب الله” أو عناصره على قاعدة أن تكثيف هجماتها يرتبط وفق الصحافة الاسرائيلية “في ظل ما تعتبرهُ عجزاً من جانب الجيش والحكومة اللبنانيين، اللذين لا يلتزمان واجبهما في اتفاق وقف النار، ولا ينزعان سلاح حزب الله”، ما قد يختصر جوهر ترقب ردود الفعل الخارجية الفورية على مبادرة رئيس الجمهورية، يخشى كثيرون أن هذا الرد يوفر أوراقاً لإيران و” حزب الله” لرفض هذه المبادرة أو عرقلتها. اذ ان ما بات يجاهر به سياسياً في لبنان راهناً وأكثر من أي وقت مضى، أن هناك مستويين للاعتراض على التفاوض أحدهما داخلي يتصل باجراءات وخطوات لطمأنة الحزب أو حتى تقديم ضمانات للثنائي الشيعي ازاء مخاوفه من مرحلة تخليه عن سلاح الحزب. والآخر خارجي يتصل بالاقرار أن قرار الحزب ليس مرتبطاً بأمينه العام نعيم قاسم بل بايران مباشرة التي تتولى إدارة شأن الحزب وتتحكم بكل قراراته على نحو مباشر نتيجة ما ألمّ به، وتالياً هي لن تتساهل في فك استرهان لبنان ما لم تبع هذه الورقة من الولايات المتحدة بالذات وضمان عدم حصول حرب اسرائيلية جديدة عليها.
وكان وزير الخارجية والمغتربين  يوسف رجي أبدى في حديث اعلامي أخير استعداده للقاء نظيره الإيراني عباس عراقجي، بقوله أن “لا محرّمات في المفاوضات لمصلحة شعبي، وأنا أناشد وزير خارجية إيران للقائه في بلد محايد للتفاوض”، على نحو يظهر أن إيران دولة لديها إشكالية كبيرة مع لبنان ويجب مفاوضتها خارج بيروت أو طهران. وهو أمر تلقفه عراقجي بالقول: “نحن لا نتدخّل في الشؤون الداخلية للبنان، لكننا نرحّب بأي حوار بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين إيران ولبنان، ولا حاجة لبلد ثالث”. وأضاف عراقجي: “أدعو زميلي يوسف لزيارة طهران، وأنا مستعد أيضاً لزيارة بيروت بكل سرور إذا تلقيت دعوة رسمية لذلك”.
والكلام اللبناني لا يعتقد أنه يزعج طهران كونه يثبت امتلاكها ورقة قوية في لبنان، ولكن لا احد يعتقد أنها يمكن أن تبيعها من لبنان بأي شكل بل من الولايات المتحدة أو المملكة السعودية بنسبة أقل. ولكن الموقف الديبلوماسي اللبناني يعبر بوضوح عن مدى الضغوط الكبيرة التي تخرج عن إطار قدرة لبنان وتحميله أكثر مما يتحمل، بما يتعين على القوى الخارجية بذل مزيد من الجهود لمساعدته ومنع تدفيعه ثمن التوترات الإقليميّة المرتبطة بالصراع الاسرائيلي – الإيراني والأميركي – الايراني راهناً.
يعتقد البعض أن اعتزام الرئيس دونالد ترامب دعوة الرئيس عون الى زيارة البيت الابيض، وان كانت تظهر أن مسار العلاقات الاميركية – اللبنانية سيؤول إلى استمرار الدعم الاميركي على رغم التحذير الذي تلقاه لبنان بإلغاء زيارة قائد الجيش إلى واشنطن، لا ينفي ان المسار لذلك قد ينتظر تحقيق مسار وخطوات معينة مطلوبة وفق ما يتوقعه كثر. اذ لم يمض اكثر من اسبوعين على جملة مطالب اقتصادية وامنية قدمتها الولايات المتحدة للحكومة اللبنانية تهدف إلى إضعاف “حزب الله” بشكل أكبر، خلال زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية إلى بيروت في 9 تشرين الثاني، كما انه لم تمض ايام على ملاحظات لأعضاء من الكونغرس الاميركي على مواقف للجيش اللبناني.
وعلى رغم غياب المعلومات الموثوقة بعد في هذا الاطار ، فثمة كلام عن جهد سعودي مع الادارة الاميركية في هذا الاتجاه، عززته اشكالية الغاء زيارة قائد الجيش الى واشنطن تزامناً مع الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي إلى العاصمة الاميركية ومع مؤشرات انفتاح ابدتها المملكة تزامناً مع انعقاد المؤتمر الاستثماري في بيروت.
هل تفهم اسرائيل مبادرة عون نتيجة للضغط الاسرائيلي وتجنباً لتوسيع استهدافاتها بحيث ترى من المفيد المزيد من ذلك لفرض تنازلات اكبر من لبنان؟ يعتقد البعض ذلك. فيما يعول هذا الأخير على المبادرة “القصوى” التي قدمها رئيس الجمهورية في ظل الظروف الراهنة وخلاصة ما يستطيع التقدم به لدفع الامور قدماً، كاقتراح تفاوضي يضعه على الطاولة ويلوذ به باللجنة الخماسية من جهة وبمسار الدول العربية للسلام مع اسرائيل، على توفير مستند في ايدي الدول الصديقة وفي مقدمها فرنسا ومصر والمملكة السعودية يمكن الارتكاز عليه للمساعدة مع الولايات المتحدة، ربطاً باستحقاقات تتصل أولاً بعزم اسرائيل على تصعيد استهدافاتها ما يعرض للخطر كل المسار الذي دعمت الدول الصديقة نشوءه. وثانيا بأن لبنان يتحتم عليه الانتقال الى المرحلة الثانية من خطة الجيش مطلع السنة المقبلة، فيما ليس في يد الدولة اي من اوراق القوة التي يمكن ان تساعده في ذلك.  

وكتب داوود رمال في”الانباء الكويتية”: قال مصدر سياسي لبناني رفيع : «بدا المشهد بأشبه باصطدام متعمد بين مشروع للتهدئة والاستقرار، وبين قرار إسرائيلي محسوب برفع منسوب المواجهة، إذ نفذت تل أبيب سلسلة غارات جوية واسعة استهدفت مواقع قالت إنها تابعة لحزب الله في الجنوب والشرق، بالتوازي مع عمليتي اغتيال في المنطقة الحدودية، في رسالة واضحة بأن إسرائيل لا تريد التقاط اللحظة السياسية التي فتحها عون».

وأشار المصدر إلى «أن المبادرة الرئاسية التي تعد الأكثر عملية منذ بدء التوتر الحالي، جاءت بصيغة تربط بين تثبيت الاستقرار في الجنوب، وبين بلورة مظلة عربية قادرة على حماية أي تفاوض لاحق، بما يضع الأزمة في إطار واقعي بعيد من الحسابات النظرية».

وأكد المصدر على «أن المقاربة التي اعتمدها الرئيس عون مبنية على قناعة راسخة بأن الخيار الديبلوماسي هو الطريق الوحيد المتاح للبنان في ظل غياب البدائل، خصوصا بعدما ثبت أن الحرب لا تشكل بديلا يمكن الركون إليه لحماية لبنان أو إعادة رسم معادلات أمنه ومستقبل حدوده».

وبحسب المصدر نفسه، «فإن الرد الإسرائيلي القاسي على المبادرة، وفي توقيته، يعكس موقفا واضحا مفاده أن تل أبيب لا تريد إعطاء المسار السياسي فرصة للنجاح، وتسعى لإعادة إنتاج معادلات الميدان والضغط لمنع أي تحول نحو مفاوضات جدية».

وتابع المصدر: «هذا التطور يعزز الاتجاه القائل بأن لبنان سيلجأ إلى المجتمع الدولي، لتوسيع دائرة الضغط على تل أبيب عبر القنوات الديبلوماسية والسياسية، سعيا إلى فرض مقاربة مختلفة توقف دوامة الاشتباك المفتوح».


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى