آخر الأخبارأخبار محلية

أمن لبنان من أمن سوريا…والعكس بالعكس

من المسّلم به لدى الأوساط الديبلوماسية العربية أن النظرة إلى “الشرق الأوسط الجديد” بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة لن تكون بالتأكيد كما كانت قبلها. وإذا سلّم المراقبون جدلًا بأن هذا “الشرق” بما تعنيه كلمة “جديد” من مفهوم متقدّم هو غير ما ترسم له إسرائيل للمنطقة الملتهبة بفعل وهج تداعيات الحرب الضروس، التي شنّتها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة كردّة فعل مبالغ بها على عملية “طوفان الأقصى”، وامتدادًا ضد “حزب الله”، الذي جرّ لبنان إلى حرب لم يكن مستعدًّا لها ورافضًا لها بعدما قرّر، منفردًا، فتح جبهة الجنوب كعامل مساعد للتخفيف من الضغط على ما يتعرّض له “القطاع” من مجازر لم يعرفها التاريخ من قبل، وصولًا إلى سوريا عبر استهدافها وتحريك جمر جنوبه من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية.

فهذا “الشرق” بالمفهوم الأميركي – العربي الخليجي قد تختلف منطلقاته مع المفهوم الإسرائيلي القائم على الاستئثار والهيمنة وقوة النار والبارود، وإن كانت الأهداف في المدى البعيد ستصبّ في نهاية المطاف، و في شكل أو في آخر، في خانة السلام العادل والشامل القائم على “حل الدولتين” وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المهدورة منذ قيام دولة إسرائيل. وهذا السلام بمفهومه العادل والشامل كان من بين صلب محادثات الرئيس الأميركي في المنطقة، على أن يكون لها متابعات لاحقة ومتتالية مع المسؤولين في إسرائيل في محاولة منه لإقناعهم بأن ما يقومون به في غزة لم يعد مقبولًا، وأنه قد حان الوقت لإيقاف معاناة أهل “القطاع”.
واستتباعًا لزيارة الرئيس ترامب للمنطقة وما تخّللها من لقاءات على جانب كبير من الأهمية، سواء في المملكة العربية السعودية أو في قطر أو في دولة الامارات العربية المتحدة، يُفترض وفق ما يتوقعه المراقبون، أن تثمر المحادثات الجانبية بينه وبين الرئيس السوري أحمد الشرع، بمبادرة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، من خلال الترجمات العملية لقرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وما يمكن أن تقوم به الإدارة الأميركية من مبادرات ومن خطوات تجاه السلطة السورية الجديدة، وما تحتاج إليه من دعم ومن مساعدات لكي تستطيع النهوض من الأزمات التي عصفت بها منذ ما يقارب الخمس عشرة سنة، ولكي تكون جاهزة للمتغيرات الجذرية في المنطقة، والتي تصبّ حتمًا في خانة السلام التطبيعي.
ولا يشكّ هؤلاء المراقبون ولا لحظة بأن استعادة سوريا لبعض من عافيتها من خلال ما يمكن أن تتخذه الإدارة الأميركية الجديدة من إجراءات عملانية كنتيجة طبيعية لقرار رفع العقوبات عنها ستكون له تأثيرات مباشرة على الوضع اللبناني الداخلي أقّله بالنسبة إلى توفير المناخ الملائم لعودة آمنة للنازحين السوريين الموجودين في لبنان بكثافة غير طبيعية وفي شكل غير منظّم.
فاستعادة سوريا لبعض من عافيتها تعني لبنان مباشرة أكثر من أي بلد آخر، وهو الذي عانى على مدى سنوات ما لم يعانه أحد غيره، وذلك بفعل واقعه الجغرافي المتداخل مع أزمات متتابعة زعزعت كيانه وهدّت أسسه، مع ما رافقها من ترابط عضوي بين أزماته وأزمات الآخرين، الأقربين والأبعدين. وقد زاد من حدّة هذه الأزمات ارتباط بعض الفئات اللبنانية بمشاريع خارجية لم تصبّ في مصلحة وحدة لبنان، أرضًا وشعبًا ومؤسسات.
وما زاد طين الأزمات المتراكمة بلّة ما نتج عن النزوح السوري الفوضوي من تداعيات وتفاعلات سياسية واقتصادية واجتماعية وديموغرافية وبيئية وأمنية، مع إصرار من المجتمع الدولي، وبالأخصّ الأوروبي، على معالجة “الداء” بمسكنات آنية لم تعد تنفع بشيء، بل زادت من تفاعل تفشّي الورم السرطاني في الجسم اللبناني الهزيل.
فالعودة الآمنة لهؤلاء النازحين، الذين اقتربت أعدادهم إلى ما يقارب نصف عدد اللبنانيين، هي أكثر من ضرورة اليوم قبل الغد، وهي مطلوبة من المجتمع الدولي قبل أي شيء آخر. ومتى تأمّنت هذه العودة، وإن على مراحل ممنهجة ومدروسة وواعية ومسؤولة، فإن عدوى التعافي التدريجي سيكون المفعول السحري التلقائي والطبيعي، وذلك لما بين الدولتين اللبنانية والسورية من مصالح مشتركة، خصوصًا إذا ما استقرّت أمور المنطقة على ما يؤشر إلى تطبيع العلاقات الأخوية بين الشعبين اللبناني والسوري الشقيقين.
لكن في المقابل فإن عدم الافراط في التفاؤل في هذا المجال قد يكون من ضرورات الحكمة انطلاقًا من التعامل مع المسرى الطبيعي للأمور بشيء من الواقعية الجيوسياسية، انطلاقًا أن أمن لبنان هو من أمن سوريا، وأن استقراره يعني استقراره، والعكس بالعكس.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى