مشاكل النظام الصحي تزداد.. غرف العمليات موبؤة بالفيروسات

إمكانيات ضعيفة وأزمات عميقة
الاختصاصي في الأمراض المعدية والجرثومية، الدكتور ناجي عون، يضع إصبعه على الجرح من دون مواربة، مؤكداً أن المشكلة “ليست في الأشخاص بل في النظام الصحي ككل”. نظامٌ يتلكأ في تطبيق معايير السلامة والحماية من انتقال العدوى، ولا يخضع لرقابة مشددة من قبل وزارة الصحة. ومن جهته يرى الدكتور عبد الرحمن البزري، الاختصاصي في الأمراض المعدية والجرثومية، أن المستشفيات اللبنانية تعاني من تحديات مضاعفة بسبب الأزمات الاقتصادية وضعف الإمكانيات الطبية، ما يزيد من انتشار العدوى داخل المنشآت الصحية ويجعلها أرضاً خصبة لتكاثر الباكتيريا والفيروسات وانتشار العدوى بين من يفترض أنهم في أيدٍ أمينة.
طبياً تتعدد أسباب انتشار العدوى في المستشفيات، حيث تعتبر البيئة الطبية المغلقة مثالية لانتقال الميكروبات بسبب تواجد أعداد كبيرة من المرضى، لا سيما في أقسام العناية المركزة. ويزيد استخدام الإجراءات الطبية الغازية مثل القسطرة البولية وأجهزة التنفس الاصطناعي والعمليات الجراحية من احتمالية الإصابة بالعدوى. يضاف إلى ذلك ضعف إجراءات التعقيم وعدم الالتزام بالبروتوكولات الصحية وإجراءات الوقاية مثل غسل اليدين وارتداء معدات الحماية ما يؤدي إلى انتقال الجراثيم عبر الطواقم الطبية والعاملين في المستشفى إلى المرضى. وثمة عامل خارجي لا يمكن إنكاره وهو مقاومة المضادات الحيوية الذي يؤدي بدوره إلى تطور سلالات بكتيرية مقاومة ما يزيد من صعوبة العلاج.
المشكلة لم تعد صحية وحسب يدفع ثمنها المريض بل إن تداعياتها الاقتصادية والطبية باتت مكلفة حيث يؤدي التقاط عدوى في المستشفى وفق الدكتور البزري “إلى إطالة فترة العلاج وارتفاع التكلفة العلاجية عبر علاجات باهظة الثمن أو حتى إلى حدوث مضاعفات خطرة تؤدي إلى الوفاة وبالتالي إرهاق النظام الصحي العام والتأثير على سمعة المستشفيات وإضعاف ثقة المرضى بها. ومتى انتشر تكرار حالات التقاط عدوى داخل مستشفى ما يصبح من الصعب إقناع الرأي العام بتعدد الأسباب وعدم تحمل المستشفى وحده مسؤولية هذا الأمر”.
عندما تصبح المستشفيات مصدراً للعدوى
قد يظن البعض أن التقاط عدوى داخل المستشفى حالة نادرة أو استثنائية، إلا أن الحقيقة أبعد من ذلك وتحتاج إلى شرح طبي مفصل. إذ يشير د. عون إلى أن 80 % من الحالات الطارئة التي تُنقل إلى المستشفيات ناتجة عن التهابات، من الإسهال إلى التهاب الرئة والزائدة الدودية والتهاب المصران وغيرها وكلها تعكس تلاقي عوامل صحية وبيئية ومجتمعية، منها ضعف جهاز المناعة لدى المريض، انتشار الميكروبات في الهواء، التجمعات السكانية، وسوء الالتزام بمعايير النظافة.
وفي لبنان تساهم أزمات انقطاع الكهرباء، واختلاط المياه الملوثة بمياه الشرب، ورداءة البنية التحتية، في توفير بيئة مثالية لتكاثر الجراثيم والبكتيريا والفيروسات وانتقال العدوى، ليس فقط في الشوارع والمنازل، بل داخل المستشفيات أيضاً.
ما إن يدخل المريض إلى المستشفى حاملاً التهاباً حاداً، غالباً ما يكون بسبب بكتيريا مقاومة للعلاجات، حتى تبدأ دوامة معقّدة من المضاعفات وفق ما يشرح د. عون. ويكون جهازه المناعي منشغلاً في محاربة الالتهاب الأساسي، فيُصبح عاجزاً عن مقاومة جراثيم أخرى قد يلتقطها من محيطه الجديد. ففي المستشفيات، وخصوصاً أقسام الطوارئ، يتجاور مرضى يعانون من التهابات شتى، ويكفي احتكاك بسيط أو لمسة سطح ملوث أو تهوئة غير صالحة لتنتقل العدوى من مريض إلى آخر. إلى ذلك، يوضح د. عون أن تناول المضادات الحيوية غير المناسبة قد يؤدي إلى تطوّر جراثيم أكثر مقاومة تضعف مناعة المريض ويصبح أكثر عرضة لالتقاط عدوى جديدة داخل المستشفى.
كما أن بعض العدوى ينتقل عبر الهواء أو الماء، أو نتيجة سوء تعقيم الأدوات الطبية بعد العمليات. والأخطر أن بعض المرضى – خصوصاً أولئك الذين خضعوا لعلاجات بالمضادات الحيوية عبر الوريد أو يعانون أمراضاً مزمنة مثل السرطان أو السكري، يدخلون المستشفى وهم يعانون أصلاً من ضعف المناعة أو يحملون في أجسامهم سلالات من الجراثيم المقاومة، ما يجعلهم أكثر عرضة لتلقي العدوى.
الإجراءات موجودة… لكن من يطبقها؟
عالمياً، ثمة بروتوكولات صارمة لمكافحة العدوى داخل المستشفيات، تتضمن إنشاء أقسام متخصصة تضم أطباء وممرضين في “مكافحة العدوى (Infection Control)، أما المشكلة في لبنان فلا تكمن في غياب المعرفة، ومعظم المستشفيات الكبرى في لبنان تطبق بالفعل معايير الجودة العالمية، لكنها تكمن في ضعف التطبيق وغياب الرقابة. أسباب هذا التقاعس عديدة، لكن أبرزها ما بات واضحاً لدى الجميع وهو ارتفاع الكلفة وضعف الموارد، إذ أن المعقمات والمعدات الخاصة بالنظافة ليست باهظة الثمن فحسب، بل إن كلفتها لا تدفع غالباً ضمن الفاتورة التي تغطيها الجهات الضامنة أو شركات التأمين. ومع تراجع الدعم المالي للمستشفيات، باتت الأخيرة تلجأ إلى التوفير على حساب التعقيم. من هنا يقول الدكتور عون “إن المستشفيات وحدها لا تستطيع تحمّل كلفة مكافحة العدوى والإصلاح الحقيقي يتطلب شراكة بين وزارة الصحة، الجهات الضامنة، إدارات المستشفيات، والهيئات الطبية”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook