جنبلاط والرسائل الثقيلة: صمتٌ مشحون وردّ مُشفّر

البداية كانت مع تغريدة نارية من مورغان أورتاغوس، المتحدثة السابقة باسم الخارجية الأميركية والموفدة الاميركية الى لبنان، حيث هاجمت فيها جنبلاط بعبارات قاسية وغير معتادة. هذا النوع من الخطاب لم يُقرأ في الأوساط السياسية كتصرف فردي، بل اعتُبر مؤشراً على انزعاج أميركي متزايد من تمايز جنبلاط في مواقفه، وتحديداً في ما يخص “حزب الله” ومجريات الجنوب.
لاحقاً، كشف وئام وهاب عن اتصال وصفه بـ “الخطير” جرى بين جنبلاط والمبعوث الاميركي الخاص ستيف ويتكوف، إذ أوحى بشكل أو بآخر أن الأميركيين يطالبون جنبلاط بموقف حاسم ووضوح في التموضع لأنه لم يعد هناك مساحة للمناورة. وفي ذروة التصعيد، دخلت المملكة العربية السعودية على الخط. حيث تشير التسريبات إلى أن جنبلاط طلب وساطة لوقف الهجوم الأميركي الإعلامي عليه، وقال ما بات الآن عنوان المرحلة: “إذا كفّوا… بكفّي”.
ترى مصادر سيّاسية مقرّبة من جنبلاط أنّ هذه العبارة، وإن بدت في ظاهرها عرض تهدئة، الا أنها تحمل في باطنها رسائل أعمق:
أولاً، تلميح واضح بأن الهجوم لم يكن مرتجلاً، بل منسّقاً سياسياً.
ثانياً، تأكيد أن ردّ جنبلاط ليس نابعاً من رغبة في التصعيد، بل من موقع الدفاع السياسي.
ثالثاً، إشارة ذكية إلى أن لديه، إن اضطر، القدرة على المواجهة، وأنّ الصمت ليس خياراً إذا تم استهدافه مجدداً.
بهذه العبارة المقتضبة، يبدو أن جنبلاط وجّه رسالة مزدوجة؛ في شقّها الأوّل إلى الأميركيين وتشير الى أنه لا يرضى أن يُعامل كأداة، وفي شقّها الثاني إلى السعوديين وتوحي بأنه مستعد للتهدئة ضمن حدود الكرامة السياسية. وهذا الأمر بحسب المصادر نفسها “ليس مجرد مرونة تكتيكية، بل إعادة ضبط للعلاقة على قاعدة الندية”.
مما لا شكّ فيه أن المنطقة اليوم قد وصلت الى لحظة سياسية حسّاسة، حيث تتقاطع المصالح الإقليمية والضغوط الدولية والحسابات المحلية. لذلك يبدو أن جنبلاط، الذي يتقن اللعبة السياسية بكلّ تفاصيلها، لم ينكفئ، لكنه أيضاً لم يصطدم، بل تراجع خطوة إلى الوراء بشروطه، وكأنه أراد القول بوضوح: “أنا لستُ أبحث عن اشتباك، لكن لا تطلبوا مني أن أبلع الإهانة”! وهذا هو تماماً المحيط الذي يعرف جنبلاط جيداً كيف يعوم فيه، فالغموض الذي يتقنه ليس ضعفاً، بل مساحة مناورة يطيل بها عمر موقعه السياسي، ويحفظ بها قدرته على المبادرة.
من الواضح أنّ وليد جنبلاط ليس بصدد إعلان اصطفاف جديد، ولا هو في وارد المواجهة مع الأميركيين أو كسر الجسور مع السعوديين. لكنه، كما فعل مراراً، يذكّر الجميع بأنه ليس رقماً عابراً في المعادلة. من هُنا تقول المصادر أنّ عبارة “إذا كفّوا بكفّي” ليست فقط عبارة لاحتواء التصعيد، بل صيغة لبنانية فريدة في رسم حدود الكرامة وسط العواصف السياسية.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook