حكومة ميقاتي.. ما لها وما عليها اقتصادياً ومالياً
![](/wp-content/uploads/2025/02/حكومة-ميقاتي-ما-لها-وما-عليها-اقتصادياً-ومالياً.jpg)
كتبت سلوى بعلبكي في”النهار”:
لم تأت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بالحلول الجذرية للمشاكل المزمنة والمستجدة التي يعانيها اللبنانيون، إلا أنها برغم التلكؤ في معالجة بعضها، استطاعت الإمساك بالبلاد وقيادة دفتها، على رغم الشغور الرئاسي وحرب “الإسناد” التي شلت الوضع الاقتصادي كليا وخلّفت خرابا ودمارا وتشريدا لربع الشعب اللبناني من بيوتهم وقراهم.
وبالإضافة إلى المعاناة السياسية الداخلية التي أنتجت مقاطعة لجلسات مجلس الوزراء، بقي ابتعاد الدعم العربي والدولي عن مساندة لبنان فعليا والحظر السياسي يقبضان على المساعدات المالية والاقتصادية، باستثناء الإغاثية منها.
بيد أن حكومة ميقاتي، والحق يقال، قامت بما استطاعت من أمور إيجابية، برغم تقصيرها في إنجاز بعض الأساسيات. وأبرز ما أنجزته في الأشهر الأولى لتسلمها مهماتها، هو إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، بما يعطيها الحق في التفاخر بأنها أنجزت الاستحقاق بالحد الأدنى من الانتقادات والشكاوى التي تصاحب عادة أي استحقاق نيابي. واستطاعت الحكومة أيضا استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ونجحت تدريجا في تحقيق استقرار سعر الصرف ومكافحة التضخم المفرط ووقف طباعة الليرة، وتحقيق وفر مالي للخزينة، واستعادة ثقة المجتمع الدولي بالحد الأدنى، على الرغم من عدم تطبيق خطة واضحة للتعافي المالي والاقتصادي.
في المقابل، لم تفلح الحكومة في تحقيق مهمة أساسية ألقيت على عاتقها هي وضع قانون “كابيتال كونترول” وإعادة أموال المودعين بوتيرة سريعة، رغم المجهود الذي بذلته الحكومة لمحاولة التوصل إلى قانون يضمن الحد الأدنى من حقوق المودعين، ولا سيما الصغار منهم، وقد ذكر ميقاتي أن مشروع القانون الذي أعدته الحكومة يشمل إعادة أموال 97% من المودعين. ويتيح القانون المقترح لمن لديه وديعة بـ500 ألف دولار وما دون استعادة 86% من قيمتها تدريجا، وقد تعرّض مشروع القانون للانتقادات وخصوصا من جمعيات المودعين وبعض النواب.
وفي ملف الكهرباء، كان لافتا تحسن الجباية تدريجا، توازيا مع تحسن ساعات التغذية أخيرا، ولكن تبقى مؤسسة كهرباء لبنان في حالة عجز ولديها التزامات يجب تأمينها، وفي مقدمها ثمن النفط العراقي. كذلك فشلت الحكومة في تعيين هيئة ناظمة للكهرباء، وفي توقيع الاتفاق مع مصر والأردن لاستجرار الطاقة بسبب “قانون قيصر” الأميركي.
والواقع أن الكهرباء كانت السبب الأساسي للعجز الكبير في المالية العامة، حيث تم إنفاق نحو 25 مليار دولار على قطاع الطاقة، منها 20 مليارا لمصلحة كهرباء لبنان حصرا، بين عامي 2010 و2021، وفق تقرير التدقيق الجنائي لشركة “الفاريز”، الذي أوضح أن الدولة اللبنانية حصلت على 50 مليار دولار من مصرف لبنان (أي فعليا من الاحتياط الإلزامي للمصارف وأموال المودعين) ذهب نصفها للكهرباء والطاقة منذ 2010 إلى 2021.
وبالعودة إلى الأمور المالية، ووفق الأرقام الرسمية، يتبين أنه عندما تسلمت حكومة ميقاتي مهماتها في 10 أيلول 2021، كان رصيد الخزينة لدى مصرف لبنان حينها قليلا، والعجز كبيرا، وإيرادات الخزينة ضئيلة ويتم استيفاؤها على سعر 1500 ليرة لكل دولار. وكان مصرف لبنان يقوم مرغما بتمويل العجز والدعم وتغطية النفقات عبر طباعة العملة أو استخدام احتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية لتمويل نفقات الدولة ورواتب القطاع العام، وهو ما تسبب بارتفاع التضخم إلى نسب غير مسبوقة، وتراجع في احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية. ومعلوم أن الدعم الذي كان قائما للمحروقات والأدوية والقمح والمواد الغذائية بقرار سياسي من حكومة الرئيس حسان دياب ورئاسة الجمهورية، تم فرضه بالضغط على حاكمية مصرف لبنان. توقف الدعم تدريجا بعد تأليف حكومة ميقاتي، وتحسنت الإيرادات والجباية، فيما تحول العجز في حسابات الخزينة بالتدرج إلى فائض متراكم، بلغ مجموعه في نهاية 2024 نحو ملياري دولار “فريش”، وهذا الفائض هو الأول في تاريخ الحكومات في العقود الثلاثة الماضية. وتاليا استطاعت الحكومة، رغم الظروف الصعبة والعدوان، تحقيق فائض في حسابات الخزينة خلال 3 أعوام يوازي نحو ملياري دولار نقدي، وهو متوافر حاليا في حسابات الخزينة في مصرف لبنان، وقد لقي ترحيبا وإشادة من المؤسسات الدولية، وتاليا تستطيع الحكومة الجديدة أن تباشر عملها ولديها رصيد جيد في مصرف لبنان، تقابله التزامات متعددة.
تحقيق هذا الفائض على عهد ميقاتي، ناتج من إجراءات اتخذتها حكومته وترجمت بالموازنات المدروسة التي تم إقرارها والعمل بموجبها، فتحسّنت الإيرادات والجباية وضُبط الإنفاق، ولكن دون التقصير في الأمور الصحية والتربوية والتقديمات الاجتماعية، بدليل رفع التقديمات المدرسية والتغطية الصحية للموظفين على نحو ملحوظ. كذلك رُفعت الرواتب والأجور في شكل تدريجي ومدروس، والأهم أن هذه الزيادات لم تؤثر على التضخم، وظل سعر الصرف مستقرا منذ عامين، وضُبط التضخم وتم التركيز على استعادة الثقة وتأمين الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وقد بلغ مجموع إيرادات الخزينة عام 2024 ما يوازي 4.1 مليارات دولار، قابلتها نفقات عن العام عينه توازي 3.5 مليارات دولار (من دون احتساب سندات الخزينة المستحقة)، فيما بلغ الفائض المحقق أكثر من 550 مليون دولار نقدي. وكان متوقعا أن يرتفع الفائض أكثر لولا العدوان الإسرائيلي الذي تسبب بخسائر كبيرة أثرت سلبا على الاقتصاد اللبناني، فانعكست انخفاضا في الإيرادات وارتفاعا في النفقات، ولا سيما ما تعلق منها بإغاثة النازحين وإيوائهم.
يشار إلى أن إجراءات المالية العامة التي اتخذتها الحكومة جعلت السيطرة على سعر الصرف واستقراره ممكنة. وقد مكّنت إجراءات الحكومة المالية بالتعاون الوثيق مع مصرف لبنان من تعزيز الاحتياط بالعملات الأجنبية لديه التي ارتفعت من 8 مليارات دولار إلى أكثر من 10 مليارات دولار نقدي خلال أقل من عامين، وعززت إمكانات المصرف المركزي لتحسين الدفعات الشهرية للمودعين، ولو في شكل محدود.
إلى ذلك، نجحت الحكومة في إدارة الأزمات وآخرها العدوان الإسرائيلي المدمر، وذلك ضمن الإمكانات المتاحة، ونجحت نسبيا في المحافظة على مرجعية الدولة وكيانيتها، رغم التأخر الكبير في انتخاب رئيس للجمهورية. كذلك نجحت في وضع المالية العامة على السكة الصحيحة. إلا أن الحكومة لم تبادر، وفي أوقات متفاوتة لم تستطع القيام بالإصلاحات المالية المطلوبة، ولا سيما ما يتعلق منها بالمودعين، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي و”الكابيتال كونترول”. وكان لتحقيق الفائض في الموازنة انعكاسات سلبية، ومنها تخفيف الإنفاق على المشاريع الإنمائية والبنى التحتية.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook