آخر الأخبارأخبار محلية

الجنوبيون يقاومون بالخيام المنتصبة على الركام: هذه منازلنا الآن (صور)

عادوا إلى الجنوب، كما اعتادوا أن يفعلوا في كل مرة تحاول آلة الحرب أن تقتلعهم من أرضهم. لم تكن العودة خيارًا، بل كانت فعلًا غريزيًا، أشبه باستجابة الجسد لنداء الروح. حملوا أمتعتهم القليلة، لكن الأهم أنهم حملوا إرادتهم الصلبة، غير آبهين بحجم الدمار الذي تكلمت عنه وسائل الإعلام، والذي كانوا يرفضون تصديقه حتى رأوه بأعينهم. منازل مهدّمة، أرزاق محروقة، شوارع تغيّر وجهها بفعل القصف، لكنها لم تفقد روحها، كما لم يفقدها أهلها.. لم يكن الاحتلال الإسرائيلي، الذي استمرّ بخرق وقف إطلاق النار عبر عمليات النسف والتفجير، سببًا كافيًا لبقاء الجنوبيين بعيدين عن أرضهم. كما لم تكن الغارات التي شُنّت في الأيام الماضية عائقًا أمام تلك الخطوات الثابتة التي سارت وسط الركام. فهؤلاء الذين خَبِروا الحرب وعاشوا تفاصيلها، يدركون أن الأرض ليست مجرد مساحة جغرافية، بل ذاكرة وهوية وكيان. لذا، كان قرارهم محسومًا: العودة، مهما كان الثمن.









لم يكن حجم الدمار الذي رآه العائدون إلى الجنوب مفاجئًا فحسب، بل كان صادمًا إلى حدّ جعل البعض منهم يرفض التصديق. لكن هذه الصدمة لم تُضعفهم، بل على العكس، زادتهم تمسّكًا بأرضهم. فالمعادلة بالنسبة إليهم كانت واضحة منذ اللحظة الأولى: الدمار يمكن إصلاحه، لكن الأرض إن ضاعت، لا تُستعاد بسهولة.

منذ مراحل النزوح الأولى، رفض الجنوبيون فكرة الابتعاد عن قراهم وبلداتهم، وأصرّوا على العودة مهما كانت الظروف. ومع استمرار الاعتداءات والخروقات، قرروا أن يكونوا هم السبّاقين في تثبيت وجودهم، فكانت الخيام أولى خطوات التحدي. نصبوا تلك الخيام في أراضيهم، ليس فقط كمأوى مؤقت، بل كرمز للصمود ورسالة مباشرة للمحتل ولمن يقف وراءه، مفادها أن الأرض ليست للبيع، ولا يمكن أن تُنتزع بهذه السهولة. فهنا، حيث الجذور ضاربة في الأرض، لا مكان لمحتل، ولا مستقبل لمن يعتقد أن القصف والتدمير قد يُنسي أصحاب الحق حقهم.

فؤاد، ابن بلدة الوزاني، المزارع الذي لم يفارق الجنوب منذ أن تفتحت عيناه على هذه الدنيا، يروي قصة عودته بعد أن نزح إلى إحدى القرى الجنوبية. يقول فؤاد لـ”لبنان24″ أنّ العدو نسف منزله الذي بات اليوم ركامًا لا معالم له. ويؤشّر لأرضه التي هي بقرب منزله.. أرض كان يزرعها سنويًا ويستفيد من 27 شجرة زيتون، تنتج له زيت الزيتون الجنوبي، إلا أنّ الـ27 شجرة التي اعتنى بها منذ أكثر من 35 عامًا لم يبق منها إلا بضعة أغصان بعد أن اقتلعها العدو الإسرائيلي وأحرق بعضها الآخر.

يقول فؤاد أنّ أرضه، وكما هو واضح، كانت قاعدة عسكرية استقر فيها جنود العدو، ولعل الطعام الذي ترك خلفهم خير دليل على ذلك.. ينظر فؤاد إلى أرضه، مصدر رزقه الوحيد ويتساءل:” من سيعيد لي الأرض.. تكلفة إعادة استصلاحها تحتاج لعشرات الآلاف من الدولارات”. اليوم يعيش فؤاد في خيمة بيضاء صغيرة، ينام فيها منذ أن عاد إلى منزله، ويشير إلى أنّ عائلته لا تزال موجودة داخل أحد مراكز النزوح، فهم لا يستطيعون العودة بعد أن سوّي منزلهم بالأرض.

وفي مشهد جديد من مشاهد الصمود، قام أهالي بلدة كفركلا بنصب خيمة على طريق الخردلي عند مفرق دير ميماس – القليعة، قرب محطة مرقص، مؤكدين عزمهم البقاء فيها حتى خروج جيش الاحتلال من بلدتهم. أما في بلدة الطيبة، فقد عادت الحياة تدريجيًا مع دخول الأهالي إليها، وتمكنهم من دحر الاحتلال واستعادة جزء من يومياتهم رغم الدمار.

وفي مارون الراس، أصرّ الأهالي على العودة إلى قريتهم لتفقّد منازلهم، غير أنّهم واجهوا اعتداءً جديدًا، حيث تعرّض المتجمعون لإطلاق نار، كما استُهدفت سيارة إسعاف تابعة لـ”كشافة الرسالة الإسلامية” عند مدخل البلدة، في انتهاك واضح لكل المواثيق الإنسانية.

في المقابل، شهدت منطقة المفيلحة، غرب بلدة ميس الجبل، تراجعًا لقوات الاحتلال خلف السواتر الترابية، في خطوة تعكس تبدّل المشهد الميداني لصالح الأهالي والمقاومة.

“هذه الخيمة هي منزلنا الآن”، يقولها أحد ابناء كفركلا، بكلمات تختصر كل معاني الصمود والإصرار. ففي وجه الاحتلال، لم يعد المنزل مجرد جدران وسقف، بل بات كل شبر من الأرض هوية، وكل خيمة وُضعت في العراء عنوانًا للصبر والتحدي. هنا، حيث ترتفع رايات التمسّك بالحق، تتجسّد حقيقة واحدة: الأرض وحدها هي الوطن، والإرادة الشعبية لا تُقهر، مهما اشتدّ العدوان.

 


المصدر:
خاص لبنان24


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى