أي خلفيات للحوادث على الحدود مع سوريا؟
تتقاطع معظم المعلومات الواردة من هناك على واقعة أساسية، هي أن ما وراء هذا الميدان المشتعل تتوارى خلفيات ووقائع صراعية تتصل بهوية تلك المنطقة المتداخلة جغرافيا، وبمستقبل تنازع الساكنين فيها والذين هم من انتماءات متعارضة.
المعلوم أن قرية حوش السيد علي التي يرد اسمها حاليا كنقطة مواجهة هي بلدة لبنانية يقطنها مواطنون شيعة، وهي عمليا قريبة جدا من معبر مطربا الحدودي الذي لطالما استهدفه الطيران الإسرائيلي في الأشهر الماضية باعتباره شريانا حيويا لتأمين الدعم العسكري لـ”حزب الله”. وفي محاذاة هذه القرية تمتد سهول القصير السوري الخصيب الواقع عمليا في نطاق محافظة حمص.
والمعروف أيضا أن انفجار الأحداث الأمنية في تلك البقعة المتداخلة يعود إلى بدايات اشتعال المواجهات في الساحة السورية عام 2011، عندما قرر “حزب الله” الانخراط في الميدان السوري، فاختار يومها هذه البقعة بالذات لولوج الميدان، من باب نجدة لبنانيين غالبيتهم شيعة يقطنون في نحو 15 قرية ومزرعة في سهل القصير، بادئا بتنفيذ هجمات مضادة انتهت يومها بمعركة “تحرير القصير” وكل سهلها من يد المجموعات المعارضة التي كانت حينها تبسط سيطرتها على كل تلك المنطقة الشاسعة نسبيا.
وفي ما بعد، حوّل الحزب تلك البقعة الجغرافية إلى “خزان دعم خلفي” حيث ركز مواقع ثابتة وأقام معسكرات تدريب وترسانة تخزين، فيما وردت معلومات عن وصول عشرات العائلات الموالية للحزب لتقيم هناك في شكل دائم.
بقيت هذه المعادلة قائمة، إلى أن شنت مجموعات المعارضة السورية المسلحة هجومها الكاسح الذي انتهى بدخولها دمشق وسقوط نظام الأسد.
ومنذ استعادة الثوار تلك المدينة تسجل مواجهات وإشكالات أمنية يوميا، إذ إن نحو عشرة آلاف لبناني فقدوا أملاكهم واضطروا للنزوح إلى الهرمل والبقاع الشمالي، لكنهم ما استكانوا يوما إلى هذا الوضع. في حين أن المجموعات السورية غير النظامية المسيطرة هناك، استغلت الوضع المتفلت لتحكم قبضتها على المنطقة، وصولا إلى أقرب بلدة حدودية لبنانية هي بلدة حوش السيد علي، لتصير هناك على تماس مع سكانها وامتداداتهم المذهبية والعشائرية.
وقبل أيام، أنشأت “العشائر البقاعية” فجأة غرفة عمليات وبدأت إصدار بيانات عن المواجهات مع المسلحين في الجهة المقابلة. وأوردت في أحد تلك البيانات أن “مسلحي العشائر نجحوا في اقتحام بلدة المصرية السورية المتاخمة وتطهيرها من فلول المسلحين، كما احتلوا معبر مطربا الإستراتيجي”.
وبررت العشائر فعلتها بأنها رد على “غزوة” قام بها المسلحون السوريون على بلدة حوش السيد علي. وفيما تزداد المظاهر القتالية ويخيم التوتر الشديد على الميدان هناك، أفادت معلومات أن الجيش اللبناني دفع بتعزيزات إلى تلك المنطقة توطئة لضبط الأوضاع، فيما ذكر أيضا أن “هيئة تحرير الشام” الحاكمة بادرت إلى الفعل نفسه من الجهة السورية.
وسواء نجحت الجهود في تحقيق التهدئة سريعا أو تأخرت “لحاجة الطرفين إلى اختبار قواهما وخوض غمار التجربة، وخصوصا أن معلومات تتحدث عن أن “حزب الله” يقف خلف المشهد لحاجته الماسة إلى إثبات حضور يبين أنه لم يفقد زمام المبادرة، يبدو واضحا أن ما جرى وما يمكن أن يجري هو نتيجة لمرحلة الفلتان السارية على قسم كبير من الأراضي السورية بعد انقلاب الصورة في دمشق، فضلا عن أن الصراعات اللبنانية – السورية على تلك البقعة الجغرافية هي إحدى محطات النزاع على الجغرافيا والهوية، إضافة إلى أنها تنطوي على تصفية الحسابات المزمنة، وهو ما يعزز التخوف من إطالة أمد هذا النزاع وتحوله إلى جولات عنف متبادلة، ولاسيما أن الأمور في سوريا ما زالت في إطار مخاض التحولات.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook