آخر الأخبارأخبار محلية

ماذا ينتظر اللبنانيين في اليوم التالي؟

مشهدان متناقضان في الشكل وفي المضمون. الأول ميداني، والثاني تفاوضي. وما بين الإثنين سباق محموم. فمن يصل أولًا؟ وهذان المشهدان يتكاملان من حيث المسؤولية وتقاذفها بين إسرائيل و”حزب الله” على شكل صواريخ بعدما أصبحت كل الأوراق مكشوفة على الطاولة. وحيال ما تشهده ساحات الوغى من تطورات دراماتيكية لم يعد يعرف المراقبون التمييز بين ما هو صحّ وبين ما هو خطأ. وما بين التفاوض على وقف شامل للنار وسخونة الميدان أكثر من تناقض وأكثر من ازدواجية. ولكن القاسم المشترك بين فريقي الصراع الدموي هو سعي كل منهما إلى تحسين ظروفه التفاوضية عبر الميدان والنار. هذا ما تقوم به إسرائيل. وهكذا يفعل “حزب الله”. فالتصعيد الذي كان سيد المواقف في اليومين الماضيين أقلق المراقبين، الذين كانوا حتى اللحظة الأخيرة يراهنون على نجاح المفاوضات غير المباشرة بين لبنان (“حزب الله”) وإسرائيل. إلاّ أن وصول صواريخ “المقاومة الإسلامية” إلى تل أبيب بهذا الشكل الكثيف، وما تلاه من غارات مدّمرة على الضاحية الجنوبية لبيروت، ليس سوى محاولة أخيرة لتحسين شروط التفاوض.


Advertisement










فما حفلت به الساعات الماضية من تصعيد له دلالات كثيرة يوحي بأن حرب الاستنزاف قد اقتربت إلى نهايتها، وأن المفاوضات التي تتولاها الولايات المتحدة الأميركية لم تكن مسرحية لتقطيع الوقت الضائع، وذلك لأن ثمة من يعتقد بأن وراء كل طلعة هناك نزلة، وأن بعد كل ليل سيطلع فجر جديد. فالحرب بالنسبة إلى المتفائلين، ولو بحذر، ستنتهي عاجلًا أو آجلًا. وسيكون هناك يوم تالٍ جديد. واليوم التالي تختلف ظروفه ومعطياته بين فريق وآخر. فما يراه البعض هزيمة قد يعتبره الآخرون انتصارًا. فالمقاييس الطبيعية في هذا المجال لا تعود محل نقاش بعد اختلال منطق الموازين. فالخاسر في الحرب يعتبر نفسه رابحًا، والرابح لا يرى نفسه سوى رابح. هي معادلة معقدة ومتشابكة خيوطها، بحيث لم يعد في استطاعة هؤلاء المراقبين التمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود، وبين ما هو صح وما هو خطأ.
فالتفكير باليوم التالي لا يغيب عن بال أحد، لا في تل أبيب ولا في بيروت، حتى ولو كانت أصوات الصواريخ والغارات هي المسيطرة على المشهدية العامة. فما بعد الحرب قد يكون ما ينتظر الجميع في هذا المقلب من ضفة التراشق المدفعي أو ذاك أشد صعوبة من الحرب نفسها. فالاستحقاقات كثيرة بالنسبة إلى وضعية “حزب الله” بالتحديد، وفي طريقة تعاطيه مع سائر المكونات اللبنانية، سواء أولئك الذين أيدّوا حربه بمراحلها الأولى الاسنادية أو في مرحلتها الثانية كردّ مباشر على قصف إسرائيل لعدد من المناطق اللبنانية، أو بالنسبة إلى الذين عارضوا مبدئية فتح الجبهة الجنوبية لإسناد غزة وأهلها، ولكنهم تحفظّوا على توجيه الاتهامات له، وذلك مراعاة لظروف الحرب، على أن يأتي اليوم الذي يجب أن يُساءل به “الحزب” بسبب استفراده في اتخاذ قرار الحرب وسوق كل لبنان معه إلى حرب لم يكن يريدها أحد.
ففي اليوم التالي سيجد اللبنانيون أنفسهم أمام امتحان عسير. فخسائر الحرب كبيرة جدًّا، بشريًا وماديًا. فكيف يمكن اقناع تلك الأم التي استشهد وحيدها، وكيف يمكن كفكفة دموع الذين فقدوا أعزّ الناس على قلوبهم، وكيف يمكن تطييب خاطر الذي سيرى منزله، الذي بناه بعرق الجبين حجرًا فوق حجر، وقد أصبح على الأرض، وكيف يمكن تهدئة غضب ذاك المزارع، الذي غرس أشجاره المثمرة بمحبة وسقاها من روحه، عندما يرى بستانه وقد تحوّل إلى كومة من رماد؟
اليوم التالي سيكون أكثر حزنًا من أيام الحرب. ففيه يذوب “ثلج” الاعتداءات ويبان المرج بما فيه من كوارث ومآسٍ. ومع هذا اليوم تكثر الأسئلة والتحليلات وحفلات التنظير بالنسبة إلى الأسباب التي أملت وصول لبنان إلى هذا الدرك من المخاطر. فهذا اليوم سيكون مختلفًا بالنسبة إلى كثيرين، وسيشكّل نقطة بداية وانطلاق إلى المستقبل الأوسع والرحب.   
 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى