الشيخ قاسم في أول خطاباته كأمين عام.. على خطى السيد الشهيد!
لكنّ الصحيح أيضًا أنّ الشيخ نعيم قاسم، بمجرّد أن سُمّي أمينًا عامًا لـ”حزب الله” خلفًا للسيد الشهيد حسن نصر الله، وربما قبل ذلك أيضًا، لم يكن يدرك فقط أنّ الحمل “ثقيل” خصوصًا في هذه المرحلة الدقيقة والاستثنائية والصعبة، بل أيضًا أنّه سيكون عرضة لمقارنة قد تكون “أثقل” عليه، وإن كان يستند في مواجهة “الاختبار الصعب” إلى قوة موقفه، خصوصًا بعدما أضحى المنصب “انتحاريًا”، وقد تلقى التهديدات بالتوازي مع التبريكات عليه.
من هنا، كانت كلّ الأنظار منصبّة على الشيخ قاسم في أول إطلالاته كأمين عام، وإن جاءت مكمّلة لثلاث إطلالات سابقة خرج بها أمام الرأي العام بعد اغتيال السيد نصر الله، وسط تساؤلات لا تنتهي، حول موقفه من العدوان المستمرّ، والمفاوضات السياسية، والمعادلات الجديدة، ولكن أيضًا حول برنامجه ومشاريعه وخططه بالمُطلَق، وربما نظرته إلى مستقبل “حزب الله” في ظلّ التحديات التي يواجهها على خط حرب باتت مصنّفة “وجودية” إلى حد بعيد!
“على خطى السيد”
لعلّ الشيخ قاسم أراد أن يحسم الأمر من الخطاب الأول، ولذلك أعلنها صراحةً أنه ماضٍ في ما بدأه السيد الشهيد نصر الله، وأنّ برنامج عمله لن يكون سوى استمرارية لبرنامج عمله في كل المجالات، السياسية والجهادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما يسري أيضًا على الحرب الحالية، حيث حرص الأمين العام الجديد لـ”حزب الله” على القول إنّه سيستمرّ في تنفيذ خطة الحرب التي وضعها سلفه مع قيادة المقاومة، وسيبقى ضمن التوجهات السياسية المرسومة.
بكلامٍ آخر، أرد الشيخ نعيم قاسم القول إنّ “حزب الله” تحت قيادته، سيكون كما كان تحت قيادة السيد حسن نصر الله، وأنّ أيّ تغيير “جوهري” لن يحصل لا في التوجهات ولا في التكتيكات ولا في المقاربات، ولعلّه لذلك تعمّد تكرار الكثير من “الثوابت” التي حكمت المقاربة في السنة الأخيرة، من التأكيد على أنّ “جبهة الإسناد” لم تكن خيارًا بل واجبًا، إلى استعادة كلام “السيد” الأخير حول الضربات القاسية وغير المسبوقة، لكن غير القاتلة، التي تعرّضت لها المقاومة.
وإذا كان الشيخ قاسم أراد أن يقول إنّه سائر “على خطى السيد” في المقاربة العامة، أي في المضمون، فإنّ المتابعين لخطابه الأول لاحظوا انعكاس ذلك حتى على مستوى الشكل، إذ بدا واضحًا أنّه اختار اعتماد “تكتيكات” سلفه في الخطابة، من طول مدّة الكلمة التي تخطّت الساعة، خلافًا لما دأب عليه سابقًا، إلى طريقة تقسيمه لمحاور، وصولاً إلى الدمج بين ما هو مكتوب وما هو ارتجالي، مع تمرير بعض “الغمز واللمز”، من دون أن ننسى حركة الإصبع.
لا خروج على الثوابت
وإذا كان “على خطى السيد” يصحّ عنوانًا للخطاب الأول للأمين العام الجديد لـ”حزب الله”، فإنّه يصحّ برأي كثيرين شعارًا للمرحلة، مهما كانت سيناريوهاتها واحتمالاتها، وهو ما بدا واضحًا في مضمون ما قاله الشيخ قاسم، الذي ألمح إلى أنّ الحزب جاهزٌ لحرب “طويلة الأمد”، ويضع تصوّراته بناءً على ذلك، لكنّه منفتح في الوقت نفسه على وقف إطلاق النار، إن كانت شروطه مناسبة ومنطقية، ومن دون أن يكون الحزب من “يستجديه”، إن صحّ التعبير.
لعلّ ما أراد الشيخ قاسم قوله بذلك، أنّ برنامج عمله الذي حدّده على أساس المضيّ ببرنامج ومشروع السيد نصر الله، سيضع نصب عينيه عدم الخروج عن الثوابت التي أرساها الأخير، وهو لذلك لن يرضخ لأيّ شروط قد تبدو مذلّة أو مهينة، وهو لذلك تحدّث عن “الصمود والصبر” بموازاة “إيلام العدو”، في سبيل تحقيق الانتصار، الذي حرص على القول إنّه لا يمكن أن يتحقّق بدون تضحيات، ولو كان الثمن الذي يُدفَع في هذا المضمار كبيرًا.
وفي السياق، كان لافتًا أنّ الشيخ قاسم الذي أراد تأكيد جهوزية “حزب الله” للتصدّي للحرب التي فُرِضت عليه، سعى لرفع المعنويات هذه المرّة بشكل مختلف، عبر التوجّه بالتهديد بشكل مباشر إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، استنادًا إلى عملية استهداف مقرّ إقامته، بل “غرفة نومه”، ملمّحًا إلى أنّه “هدف مباشر” للمقاومة، وإن لم يكن أجَله قد أتى بعد، وهو كلامٌ وضعه العارفون في سياق “الحرب النفسية” التي عاد الحزب ليسجّل النقاط على خطّها.
ثمّة من يرى أنّ الشيخ نعيم قاسم نجح في امتحانه الأول، حيث بدا في إطلالته الأولى كأمين عام، واثقًا وحازمًا وخطيبًا من المستوى الرفيع، بعكس الارتباك الذي ظهر عليه في إطلالته الأولى بعد اغتيال السيد نصر الله، وإن كان لتلك الإطلالة ظروفها الخاصة. وبمعزل عن صحّة هذا الرأي، في ظلّ المقارنات التي لا تلعب لصالحه، فإنّ الثابت أنّ الرسالة الأساسية التي أراد الرجل إيصالها، أنّ الحزب ماضٍ “على خطى السيد الشهيد”، وهنا بيت القصيد!
مصدر الخبر
للمزيد Facebook