دون مغادرة الأرض.. محاكاة المشي على القمر في مدينة ألمانية – DW – 2024/9/28
من الخارج، يبدو الموقع مجرّد حظيرة بيضاء اللون لا فتحات فيها، في إحدى زوايا مركز الفضاء الألماني. ولكن في هذه المنشأة التي يبلغ ارتفاعها تسعة أمتار، وطُلِيَت جدرانها وسقفها بالأسود الخالص الشبيه بسواد الفضاء، أقيمت نسخة طبق الأصل من سطح القمر. على المساحة البالغة 700 متر مربع – أي ما يعادل أكثر من ثلاثة ملاعب لكرة المضرب، يتفاوت المشهد بين نتوءات وحفر في مناطق يسود فيها ظلام دامس، وأخرى معرّضة لنور حاد، على أرض مغطاة بغبار رمادي شاحب غريب، تتناثر فيه الصخور. وقال ماتياس ماورير، رائد الفضاء في وكالة الفضاء الأوروبية التي يقع مركزها للتدريب قبالة “لونا”: “لقد مشيت هناك أمس ببزتنا الفضائية الجديدة، يتوه المرء عندما يدخل المناطق المظلمة، ويحار فيما إذا في بقعة جوفاء أم أنها هاوية”، وهذا المهندس في مجال علوم المواد هو مؤسس المشروع المشترك بين مركز الفضاء الألماني ووكالة الفضاء الأوروبية، والذي أُطلق قبل أكثر من عشر سنوات.
بيئة تحاكي سطح القمر
وسيكون الأربعاء المقبل 2 أكتوبر/تشرين الأول الشخصية الرئيسية في تدشين “هذه المنشأة الفريدة التي تدمج عناصر مختلفة، وليس لها مثيل في العالم، حتى في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)“. ولتجنب الاضطرار إلى شراء 900 طن من الولايات المتحدة، ابتكرت وكالة الفضاء الأوروبية مادة تسمى “إي إيه سي- 1 إيه” EAC-1A، مساوية للثرى القمري، وهي الطبقة السميكة من الغبار التي تغطي النجم لأمتار عدة. وهذا الغبار خشن الملمس كحجر الخفاف، ويجعله صِغر حبيباته، بالإضافة إلى طبيعته الكاشطة جداً، خطيراً على الجهاز التنفسي وعلى المعدّات. عندما يمشي عليه المرء، “يرتفع ويطفو” في الهواء، بحسب ماتياس ماورير.
أما على سطح القمر، فيسبب الثرى مشاكل أكبر، نظراً إلى كونه مشحونا بالكهرباء الساكنة، مما يجعله يلتصق بأي سطح. لدرجة أن رواد الفضاء في بعثات “أبولو” كانوا يخشون أن يتأثر العزل الماشي لبزاتهم الفضائية بعد ثلاث رحلات فقط. ويتأتى الثرى على القمر من عدد لا يحصى من اصطدامات الكويكبات بالقشرة القمرية. وشرح مدير مشروع “لونا” في وكالة الفضاء الأوروبية، يورغن شلوتز، أن الثرى في المركز الأرضي عبارة عن “مادة بازلتية بركانية تُطحَن وتُنخل ثم تُخلط”. ويُنتَج هذا المزيج الذكي من موقع بركاني ألماني قديم. ولا يزال المهندسون ينتظرون تسلّم شحنة زنتها 20 طناً من الثرى المستخرج من غرينلاند، سيُستخدَم في “مختبر الغبار”، وهو مساحة مغلقة بإحكام داخل “لونا” مخصصة لاختبار معدات. وسيضمّ المكان قريبا شمساً اصطناعية نقّالة، تتيح إحداث أثر ضوء يغيّر طبيعة السطح من ساعة إلى ساعة.
وسيحاكي نظام أحزمة مبتكر يتم التحكم فيه من أعلى المنشأة الجاذبية القمرية المنخفضة جداً، بحيث لا يضطر رائد الفضاء الذي يبلغ وزنه 60 كيلوغراماً إلى بذل جهد أكبر مما لو كان وزنه عشرة كيلوغرامات. وثمة ابتكار آخر هو إمكان تجميد أرض “لونا” على عمق ثلاثة أمتار، إذ قد تبرز الحاجة على القمر إلى “حفر أماكن يمكن فيها العثور على الجليد المائي”، بحسب ماتياس ماورير.
التدرب على مهام مستقبلية
كذلك تتوافر مساحة تحت الأرض لاختبار تقنيات استخدام الثرى كعنصر بناء أو استخلاص الأكسجين منه. وفي إحدى الزوايا، سيخصص قسم مائل لاختبار قدرة رواد الفضاء والمعدات على التغلب على المنحدرات التي تصل إلى 50 درجة، وهو أمر صعب على هذه المادة إذ يغوص المرء عليها في البداية حتى الكاحل، كما الحال عند تسلق الكثبان الرملية. وأضاف ماتياس ماورير “بعد يوم عمل شاق لثماني ساعات من التنقل على القمر، يتم الانتقال إلى +فليكسهاب” FLEXHab”. وستُربط هذه الوحدة السكنية المصممة لأربعة رواد فضاء مباشرة بـ”لونا” في غضون أسبوع. ويمر هؤلاء عبر غرفة لمعادلة الضغط مقاومة للماء لخلع بزاتهم ومنع أي تسرّب للثرى إلى مكان إقامتهم. وبعد ذلك، تأتي وحدة مغلقة لإنتاج الخضر تحمل اسم “إيدن” اختُبر لمدة خمس سنوات في محطة مركز الفضاء الألماني في القطب الجنوبي. وفي الخلاصة، توفر “لونا” منظومة متكاملة تتيح “فهم كيفية العيش والعمل على القمر”، وفق يورغن شلوتز، وتساهم تاليا في ضمان أماكن لرواد الفضاء الأوروبيين في برنامج “أرتيميس” الأميركي للعودة إلى القمر. ورأى ماتياس ماورير، وهو مرشح طبيعي لهذه المغامرة، أن دخول “لونا” بُعَد إلى حدّ ما بمثابة “وضع قدم على القمر”.
إ.م /ف.ي (أ ف ب)
مصدر الخبر
للمزيد Facebook