الاختراق الأخطر لـحزب الله.. ماذا بعد عملية التفجير الجماعي؟!
لعلّه الاختراق الأمنيّ الأوسع والأخطر الذي يتعرّض له “حزب الله”، لا منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، اليوم الذي فتح فيه جبهة جنوب لبنان إسنادًا للشعب الفلسطيني في وجه الحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة، ولكن في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيليّ بالمُطلَق، إذ لم يشهد في مختلف محطّاته، وعلى امتداد حروبه، ما يشبه تلك العملية المعقّدة والمركّبة التي وقعت الثلاثاء، واستهدفت أجهزة اتصالات يحملها عناصر الحزب.
فما وُصِف بـ”الحدث الأمني غير الواضح”، وفق الخبر العاجل الذي انتشر للوهلة الأولى، وبقي محاطًا بـ”الغموض” حتى ساعةٍ متقدّمة من ليل الثلاثاء، والذي صُنِّف جزءًا من “الحرب السيبرانية” لم يكن أحد يتوقّعه بأيّ حال من الأحوال، ثبُت بالوجه الشرعيّ أنه لا يمكن أن يكون أمرًا عابرًا، بل هو تصعيد خطير في المواجهة، وربما نقطة تحوّل فاصلة على خطّها، مهما حاول البعض من هنا أو هناك، التقليل من وقعه أو التخفيف من شأنه.
وعلى الرغم من عدم تبنّي العدو صراحةً للعملية، التي جاءت في خضمّ توتر غير مسبوق، عزّزه استنفار إسرائيلي ملحوظ، فإنّ بصماتها كانت واضحة، ما دفع “حزب الله” لتحميلها المسؤولية الكاملة عمّا وصفه بـ”العدوان الإجرامي”، بعدما كان مجلس الوزراء قد سبقه إلى الإدانة، فيما ذهب رئيس مجلس النواب لاعتبارها “جريمة حرب” بأتمّ معنى الكلمة، الأمر الذي يطرح جملة من علامات الاستفهام، تُختصَر بسؤال مركزيّ: ماذا بعد التفجير الجماعي؟!
صدمة كبرى
بمعزل عن التسميات، فإنّ الثابت أنّ عملية التفجير الجماعي التي استهدفت أجهزة “بايجر” للاتصالات، في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومناطق لبنانية عدّة، في وقتٍ واحدٍ ومتزامن، ولّدت “صدمة كبرى” لدى جميع المتابعين، ولو أنّها جاءت في فترة من التوتّر والاستنفار، على وقع التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة للبنان، التي تكثّفت في الأيام القليلة الماضية، لكنها تهديدات كانت تتركّز على عملية عسكرية واسعة، وقد تصل لحدّ الغزو البري المحدود.
وإذا كان ما حصل فاق كلّ التوقعات، بدليل فاتورته البشرية “الثقيلة”، فإنّه بلا شكّ أحدث صدمة كبيرة في صفوف “حزب الله” نفسه، الذي كان واضحًا أنّ الخرق الذي تعرّض له كان كبيرًا، لدرجة أنّه لم يكن قادرًا على استيعابه، بدليل خلوّ بيانه الأولي من أيّ اتهام صريح، بانتظار اكتمال التحقيقات، قبل أن يستلحقه ببيانٍ آخر، حمّل فيه العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن العدوان الإجرامي الذي طال المدنيين أيضًا، وأدى إلى ارتقاء عدد من الشهداء.
ويقول العارفون إنّ خطورة ما جرى بالنسبة إلى “حزب الله”، تكمن في أنّه مثّل اختراقًا لشبكة الاتصالات الداخلية، فضلاً عن كونه أدخل نمطًا جديدًا إلى المواجهة، هو الحرب السيبرانية، التي يبدو أنّ الإسرائيلي متفوّق على خطّها، علمًا أن الحزب يدرك خطورة هذا النوع من القتال غير التقليدي، وقد سبق لأمينه العام السيد حسن نصر الله أن دعا أنصاره في أحد خطاباته الأخيرة، إلى التخلّي عن الهاتف المحمول، بوصفه “العميل القاتل”، وفق تعبيره.
مقدّمة لحرب شاملة؟
لكن، أبعد من الخرق الخطير الذي مثّله تفجير أجهزة الاتصالات بشكل متزامن في العديد من المناطق اللبنانية، فإنّ ما عزّز من “خطورة” الأمر تمثّل في التحليلات والاستنتاجات، وربما التكهّنات التي أحاطت بها، ولا سيما أن كثيرين اعتبروا الأمر مقدّمة لحرب شاملة، بمعنى أنّ الخطوة التي نجحت إلى حدّ ما في “إرباك” الحزب، أو بالحدّ الأدنى “إشغاله”، جاءت لتحضّر الأرضية لهجومٍ أوسع قد يعتبر الإسرائيليون أنّ ظروفه قد نضجت الآن.
ولعلّ ما زاد القلق في هذا الإطار، أنّ الهجوم السيبراني، إن صحّ التعبير، جاء وسط أجواء “مشحونة” على خط الصراع بين إسرائيل و”حزب الله”، وبعد جولة جديدة من التهديدات التي بدت أكثر جدّية من أيّ وقت مضى، حتى إنّ الخلافات التي طفت على سطح الحكومة الإسرائيلية قيل إنها مرتبطة بقرار التصعيد ضدّ لبنان، لكنه جاء أيضًا بعد ساعات على مزاعم إسرائيلية بإحباط محاولة “حزب الله” اغتيال أحد المسؤولين الأمنيين الكبار السابقين.
لكن، رغم ما تقدّم، يقول العارفون إنّ الجزم بأنّ ما حصل يمهّد للحرب قد لا يكون دقيقًا، ليس فقط لأنّ إسرائيل ستعتبر الهجوم به ذاته “انتصارًا” ولو من الناحية المعنوية، في سياق الحرب النفسية، ولكن للعديد من المؤشرات الأخرى، من بينها عدم إعلان إسرائيل مسؤوليتها عمّا حصل، وهو إن دلّ على شيء، فعلى عدم رغبتها ربما في الذهاب إلى الحرب الشاملة، أو بالحدّ الأدنى عدم رغبتها في أن تكون “المبادِرة” بإعلان مثل هذه الحرب.
ثمّة من يقول إنّ العدو الإسرائيلي عندما نفّذ هذا الهجوم غير المسبوق ضدّ “حزب الله”، كان يدرك أنّه لا يترك خيارًا للحزب سوى الردّ، باعتبار أنّ الضربة قاسية ومؤلمة ولا يجوز تمريرها، وإنّ العدوّ الذي لم يستطع الحصول على “غطاء” للحرب التي يريدها، يستفزّ الحزب بصورة أو بأخرى، ليستدرجه لردّ يشكّل “ذريعة” للحرب، أيًا تكن عواقبها. فهل تتحقّق رغبته هذه المرّة، أم أن الحزب سينجح مرّة أخرى في العبور بين الألغام، لتفادي السيناريو الأمرّ؟!
مصدر الخبر
للمزيد Facebook