آخر الأخبارأخبار محلية

قراءة موضوعية لكلام باسيل

لم يعتد اللبنانيون على سماع كلام بهذه المسؤولية كالكلام الذي سمعوه امس الاول من رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، وهو كلام مبني على واقعية لافتة وبعد نظر غير مألوفين، سواء في الشكل أو في المضمون، إذ بدا للوهلة الأولى وكأن شخصًا آخر من يتكلم، أقّله من حيث الشكل قبل الغوص في المضمون، الذي ينمّ عن أن المتكلم قد وصل إلى مرحلة من النضج السياسي، الذي يتماهى مع صعوبة المرحلة التي يمرّ بها لبنان، وبالأخصّ في ظل ما يتعرّض له جنوب لبنان اليوم من اعتداءات إسرائيلية متواصلة، مع ما يخشاه كثيرون من أن تتطور الأمور إلى ما هو أسوأ، وأن تشمل هذه الاعتداءات بوحشيتها كل لبنان بعد التهديدات الأخيرة من قِبل صقور حكومة الحرب، الذين طالبوا بقصف بيروت ردًّا على قصف منطقة الجليل الأعلى في فلسطين المحتلة.

 

قد يستغرب القارئ ما نورده عن النائب باسيل من كلام إيجابي، وهو، أي القارئ اعتاد على كاتب هذه السطور ألا يوفرّ مناسبة إلاّ ويفنّد فيها أي كلام له، في السياسة أو في غير السياسة، إلاّ ويكون له حصّة الأسد من الانتقاد، الذي غالبًا ما لامس الموضوعية، وهي تبقى نسبية حتى إثبات العكس. إلا أن ما قيل امس الاول كان فيه الكثير من استيعاب لما يُحاك للبنان من خلف الستائر وفي المطابخ الدولية لتمرير التسويات على حسابه، بدءًا بملف النازحين السوريين وصولًا إلى إدخاله في خضمّ الصراعات الإقليمية على وقع ما يمكن أن تسفر عنه الحرب، التي تُشّن ضد الفلسطينيين في قطاع غزة كمرحلة أولى، ومن ثم الانتقال إلى الضفة الغربية في سياق مخطّط تهجيري قد يعيد رسم الخارطة السياسية للمنطقة. وهذا ما يمكن استنتاجه من كلام الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان عن زوال لبنان السياسي.
وما يمكن أن يُقال عن كلام النائب باسيل إلى برنامج 2030 من على شاشة “الـ بي سي انترناشيونال” لخير دليل على أن انتقادنا له على مدى سنوات لم يكن لمجرد الانتقاد لشخصه، إذ لم نسمح لأنفسنا بأن نتعرّض له في الشخصي، بل كان انتقادنا له لمواقف كان يتخذها في أكثر من مناسبة، انطلاقًا من قراءة موضوعية لما كنا نراه مخالفًا لمنطق الأمور على عكس الذين يقولون “عنزة حتى ولو رأوها تطير”.

 

فـ “لبنان 24″، ومنذ انطلاقته الأولى قبل اثنتي عشرة سنة، حاول أن يكون على مسافة واحدة من مختلف الشرائح السياسية بمقدار ما كان هؤلاء قريبين من نظرته إلى الأمور، من دون الادّعاء بأنه لامس الحقيقة المطلقة، وهي من الصفات غير البشرية، مع الاعتراف المسبق بأن من يسعى وراء هذه الحقيقة قد يصيب أحيانًا وقد يخطئ  أحيانًا أخرى، مع امتلاك الشجاعة الكافية للقول عن الأبيض أبيضَ، وعن الأسود أسودَ، وإن كان ما دونهما من عمل الشيطان، الذي يستغّل أدّق التفاصيل ليحاول تخريب ما يمكن تخريبه.
فما سمعناه امس الاول أدخلنا في حيرة من أمرنا، وإن كان لنا من قائله موقف مسبق، وذلك استنادًا إلى تجارب قديمة لم تكن مشجعة لكي تُخاض معه مناقشة موضوعية لجملة مواقف. وسبب هذه الحيرة قد يعود في الأساس إلى نوع من التشاوف، وهذا ما كنا نأخذه في الشكل على رئيس ثاني أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب، وهذا ما كان يدفعنا إلى انتقاده نقلًا عمّن يعرفه حق المعرفة وعن قرب…
الكلام في السياسة إن لم يكن نابعًا من قراءة استشرافية للواقع يبقى مجرد كلام ومن دون أي تأثير، ولكن عندما يكون مستندًا إلى تحليل منطقي للأشياء يمكن عندها التوقف عنده، والتأسيس عليه لمرحلة متقدمة من الحوار البنّاء والمنتج، أقّله في مجال توحيد كلمة اللبنانيين في ما يمكن أن يكون مفيدًا لمستقبل البلد وأجياله الطالعة.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى