الراعي: لا تعتقدوا بأنّكم أقوياء بأسلحتكم بل أنتم أضعف الضعفاء
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان: “السلام معكم، يا توما، ضع يدك في جنبي وكن مؤمنًا” .(يو 20: 26- 27)، قال فيها: “أهدى يسوع سلامه لرسله ودعا رسوله توما ليضع إصبعه في جنبه حيث جرح الحربة التي طعنه بها أحد الجنود، لم يضع إصبعه في الجرح، بل هتف معلنًا إيمانه: “ربّي وإلهي!” (يو 20: 28). الدمّ والماء اللذان سالا من جرح يسوع بطعنة الحربة لجهة قلبه، علامتان للمحبّة والرحمة النابعتين من قلبه، ومنهما كانت الحياة الجديدة للبشر. فالماء يرمز إلى المعموديّة التي منها نولد الولادة الثانية أبناء وبنات الله، والدمّ يرمز إلى محو خطايا البشر أجمعين وإلى إستمراريّة ذبيحة الفداء في سرّ الإفخارستيا. هذا الأحد الذي يلي أحد القيامة، يُسمّى الأحد الجديد، لأنّ المسيح الربّ بموته وقيامته جعل كلّ شيء جديدًا، ولأنّ الأحد صار “يوم الربّ” الذي تدعو إلى حفظه الوصيّة الثالثة من الوصايا العشر. وفي هذا الأحد يقف المؤمن في حضرة الله، ويقيّم حياته بعد الستّة أيّام التي إنقضت. ويأخذ المقاصد بإصلاح ما يلزم في حياته بقوّة النعمة الإلهيّة. فيُسمّى “يوم الإنسان” أي يوم سلامه مع الله وذاته والناس. وأصبح كذلك يوم الجماعة حيث يؤلّف المؤمنون جماعة موحّدة حول سرّ المسيح، ويقومون بأعمال محبّة ورحمة وتضامن. وتحتفل الكنيسة اليوم بعيد الرحمة الإلهيّة الذي أراده الربّ يسوع شخصيًّا وكشفه للراهبة البولنديّة القدّيسة فوستينا في ظهوراته التي بدأت سنة 1931، وكان يظهر لها بكامل قامته مع شعاعين خارجين من جهة قلبه واحدٌ بلون أبيض، وواحد بلون أحمر. وطلب منها أن ترسم هذه الصورة وتنشرها، وأن تدعو إلى عبادة الرحمة الإلهيّة كينبوع نعم السماء لكلّ مؤمن ومؤمنة يعترف بخطاياه فينال المحو الكامل لجميع خطاياه وقصاصاتها التكفيريّة”.
وتابع: “إنّنا نحيّي سيادة أخينا المطران بولس عبد الساتر المشرف الروحيّ على جماعات الرحمة الإلهيّة في لبنان باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وعزيزنا الأب ميلاد السقيّم مرشدها العام وسائر المرشدين، والسيّدة روزي شعنين أمينة السرّ، والمعاونين. كما نحيّي جماعات الرحمة الإلهيّة في لبنان، راجين أن تنتشر أكثر فأكثر تكريمًا وعبادةً للرحمة الإلهيّة. بدأ عيد الرحمة الإلهيّة سنة 1985 في أبرشيّة كراكوفيا حيث جثمان القدّيسة فوستينا، ثمّ عمّمه البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني على جميع أبرشيّات بولندا سنة 1995، ومن بعدها على أبرشيّات العالم أثناء الإحتفال بتقديس الطوباويّة فوستينا في 30 نيسان 2002. شاءت الرحمة الإلهيّة أن تكون وفاة هذا البابا القدّيس ليلة عيد الرحمة الإلهيّة سنة 2005. أراد الربّ يسوع هذا العيد بهذه الكلمات للراهبة فوستين: “أريد أن يكونَ الأحد الأوّل بعد الفصح عيد الرحمة، ها أنا أرسلكِ مع رحمتي إلى كلّ شعوب العالم. لأ أريد أن أعاقب بشريّة متألّمة بل أريد أن أشفيها ضامًّا إيّاها إلى قلبي الرحوم. وطلب من الذين يكرّمون رحمته الإلهيّة الإلتزام بثلاثة: العمل والكلمة والصلاة، وقال للراهبة: “بهذه الثلاثة برهان قاطع عن حبّهم لي. وبها تمجّد النفس رحمتي. نعم الأحد الأوّل بعد الفصح يكون عيد الرحمة ولكن ينبغي أن يكون يوم أعمال رحمة”.
واضاف: “نشأت في كراكوفيا في 6 آذار 1996 جماعات الرحمة الإلهيّة في العالم المعروفة “برسل الرحمة”، أهدافها:
– التوق إلى الكمال المسيحيّ أي المحبّة الكاملة عن طريق الثقة بالربّ والرحمة الكاملة تجاه القريب .
– التعمّق بسرّ الرحمة الإلهيّة المتجلّي بملئه بشخص يسوع المصلوب والقائم من الموت وإعلان هذا السرّ للآخرين من خلال الكلمة، الصلاة والعمل بشهادة الحياة.
– استرحام الله للعالم أجمع وبخاصّة للخطأة والكهنة وللمكرّسين.
-ممارسة عبادة الرحمة الإلهيّة بالطرق المعطاة للقدّيسة فوستين من يسوع المسيح أي: تكريم أيقونة الرحمة الإلهيّة والصلاة اليوميّة لمسبحة الرحمة وصلاة الساعة الثالثة يوميًّا والتساعية والإحتفال بعيد الرحمة الإلهيّة في الأحد الأوّل بعد عيد الفصح.
– التكرس في الجماعة”.
وقال: ” إنتشرت هذه الجماعات في لبنان وبفضل توزيع كتيّب الصلاة للرحمة، تأسّست ويبلغ عددها حاليًّا 20 جماعة منتشرة على كامل الأراضي اللبنانيّة. كما تأسّست بعض الجماعات في سوريا والأردن ومصر، بالإضافة إلى الخليج العربيّ وأستراليا وكندا. شاركت هذه الجماعات في 5 مؤتمرات عالميّة للرحمة وفي أكثر من 6 مؤتمرات لرسل الرحمة في بولندا. كان لمنطقة الشرق الأوسط مؤتمران إقليميّان، من تحضير وإشراف جماعات الرحمة الإلهيّة-لبنان: الأوّل في مصر سنة 2017، والثاني في لبنان سنة 2019، وسيُعقد المؤتمر الثالث للرحمة الإلهيّة لمنطقة الشرق الأوسط في عمان (الأردن) ما بين 26 و 29 أيلول 2024. إنّها المرّة الثانية بعد القيامة التي يستعمل فيها الربّ يسوع عبارة “السلام لكم” (يو 20: 19 و 27)، ولا نجدها في أي مكان آخر في الإنجيل. “السلام لكم” لا يعني بعد قيامته مجرّد تحيّة إجتماعيّة، بل يعني: “أنا معكم” مخلّصكم وفاديكم ورفيق دربكم. لهذا السبب أراد أن يكون الأحد الأوّل بعد قيامته عيد رحمته. تسمّي الكنيسة هذا الأحد “الأحد الجديد”، لأنّ معه إبتدأ زمن جديد، هو “زمن” الإنسان الجديد”، إنسان الرحمة و”زمن الثقافة الجديدة” ثقافة السلام. هذا الجديد كشفه الربّ يسوع برؤياه ليوحنّا الرسول: “ها أنا جاعل كلَّ شيء جديدًا” (رؤيا 21: 5). ويضيف: “نعم! إنّي آتٍ على عجل”. فتهتف الكنيسة: “تعال أيّها الربّ يسوع” (رؤيا 22: 20)”.
وأردف: “مهلًا، يا أيّها الذين فقدتم صورة الله فيكم بالخطايا والشرور، فالله أحبّكم وجعلكم أصحاب عقل للحقيقة، وإرادة للخير، وقلب للحبّ، وحريّة لإختيار كلّ عمل صالح وجميل. عودوا إلى الجمال الإلهيّ فيكم! تجدّدوا فيه! مهلًا، يا أمراء الحروب المتعطّشين للدماء وتظلّون إليها متعطّشين! من سلّطكم على الأرواح البشريّة وأنتم تتعدّون على سلطة الخالق، معطي الحياة ومستردّها. فلا تعتقدوا بأنّكم أقوياء بأسلحتكم، بل أنتم أضعف الضعفاء! ما يقوّيكم هو قلبكم إذا كانت فيه محبّة ورحمة! ما يقوّيكم هو عقلكم إذا كان ينوّركم فتفكّروا بمن تقتلون وبأملاك من تدمّرون، وبمنازل من تهدمون! ما يقوّيكم هو إرادتكم إذا أمسكت يدكم عن استعمال كلّ هذه الأسلحة التي تظنّون أنّكم بها أقوياء. لا! بل أنتم أقوياء بإنسانكم المخلوق على صورة الله، على المحبّة والرحمة الزمن الجديد الذي أعلنه المسيح الربّ هو زمن السلام الذي تنشره الكنيسة وكلّ ذوي الإرادة الحسنة. هذا السلام الإلهيّ لا يسمح باللجوء إلى الحرب بقرار شخص أو حزب أو فئة من المواطنين. إنّه قرار الدولة في الحالات القصوى بعد اعتبار الخسائر البشريّة والماديّة والماليّة والتدميريّة ومصير المواطنين الآمنين. قرار الحرب مسؤوليّة جسيمة عن تبعاتها. قرار الحرب قرار مرّ ومسؤول”.
وختم الراعي: “فلنصلِّ، من أجل تجنيب أهل الجنوب اللبنانيّ المزيد من الضحايا والخسائر والدمار والتشريد، ومن أجل إيقاف الحرب على غزّة. فالله، إله السلام، سميع مجيب! له المجد والشكر إلى الأبد”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook