آخر الأخبارأخبار محلية

هذه هي علّة لبنان!

يسمع المواطن بين الحين والآخر من يدعو إلى تغيير النظام، وهو الذي يكتوي على نار الأزمات من كل الجهات و”الميلات”، وكأن مشكلة لبنان أو بالأحرى مشاكله محصورة بهذا النظام أو غيره، مع أنه مقتنع بأن لبنان بهذا النظام، أي نظام الطائف، وما قبله، عاش فترات ذهبية امتدت لعهود حتى في ظل ما كان يُسمّى بـ “المارونية السياسية”. ومع أن عهدي كل من الرئيسين فؤاد شهاب وكميل شمعون قد أصبحا من الماضي إلا أنهما اتسما بما يمكن تسميته مرحلة تأسيسية مع الرئيس شهاب، ومرحلة الازدهار مع الرئيس شمعون.

Advertisement

ففي رأي هذا المواطن الذي يجد نفسه اليوم مغلوبًا على أمره، وهو المهدّد بلقمة عيشه من جهة، وباجتياح اسرائيلي من جهة ثانية بعدما وضع على فوهة بركان غصبًا عنه، أن العلة ليست بالنصوص بقدر ما هي في النفوس. فلو استقدمت أكثر الدساتير تنظيمًا ومثالية وأنزلت على الواقع اللبناني بتركيبته الحالية، ومع هذه النوعية من كثير من السياسيين، لبقي الوضع على حاله، ولا أمكن تغيير شيء. مما يعني أن من أوصل لبنان واللبنانيين إلى هذا الدرك هم سياسيوه، الذين استباحوا الدستور، واعتبروه وجهة نظر، وسمحوا لأنفسهم بأن يضعوا القانون تحت أقدامهم، ويسخّروه لأغراضهم وغاياتهم ومصالحهم الشخصية، فكانت بداية الانهيار بضرب ما هو “أساس الملك”، فغابت العدالة عن معظم صروح قصور العدل يوم تمّ تغييب الحقيقة في ملف انفجار مرفأ بيروت، وتمّ طمسها بكل ما كان من شأنه أن يزعزع ثقة المواطن بقضائه المنخور بواسطة فعالية التدخلات السياسية، التي تبدأ بالتعيينات القضائية، ولا تنتهي عند مقولة مشهورة في لبنان عندما يُراد التدليل على أن يد هذا الزعيم “طايلة”، فيقال عنه “إن قادر على أن يفك حبل المشنقة” عن رقبة مجرم محكوم بالإعدام.
فهل بسبب نظام الطائف، الذي يجب أن يطبّق أولًا، قبل أن يعدّل، نخر الفساد الجسم القضائي، ومنه انتشر إلى كل أجزاء الوطن بكل مؤسساته واداراته وهيئاته العامة ومجالسه وصناديقه، إذ لم تسلم إدارة لبنانية واحدة من جرثومة الفساد المستشري، أم بسبب بعض السياسيين، الذين استغلوا مواقعهم المفترض أن تكون ريادية، فكان كل هذا الفساد؟
المواطن اللبناني الصالح لا يزال يؤمن بأنه سيأتي يوم، وهو آت، سيحاسب فيه كل من لم يحسن استخدام السلطة من أجل الصالح العام، وحاول بكل ما أوتي من قوة سلطوية أن يجيّر المنافع العامة إلى حاشيته وأقاربه وأزلامه. ولذلك فهو، أي المواطن الصالح، باقٍ في أرضه، التي لن يتركها مهما تكاثرت وتعاظمت عليه الأحمال الثقيلة، ولكنه باقٍ لإعادة الحقّ إلى أصحابه، وهو باقٍ لكي يطرد من الهيكل تجّاره، الذين باعوا القيم على موائد الصيارفة والنخاسين؛ هو باقٍ حيث هو لأنه يدرك أن الثورة الحقيقية آتية لا محال، وأن صوت الشعب المغلوب على أمره سيسمع في يوم من الأيام، أي يوم يقرّر أن يخلع عنه ثوب التبعية، الذي ورثه عن أبيه وعن أجداده، وهو ثوب من مخلفات الحكم العثماني والوصاية الفرنسية والاحتلالات الغريبة وهيمنة فئات من اللبنانيين على فئات أخرى بفعل ما تجمّع لديها من فائض لقوة لن تفيد بشيء إن لم تكن محصّنة بوحدة داخلية.
فالنصوص يمكن أن تُستبدل بنصوص أخرى وفق ما تقتضيه التطورات الحياتية والممارسة والحداثة، ولكن إذا كان “الملح السياسي” فاسدًا فلا شيء قادر على أن يمّلح الدساتير والأنظمة والقوانيين، التي سرعان ما ينتقل إليها الفساد لتصبح شبيهة بالقيمين عليها، والمفترض بهم أن يكونوا حراسًا على أسوارها للحؤول دون تسرّب سوسة الفساد إليها فتفسدها كما تفسد التفاحة المهترئة الصندوق كله إن لم تُطرح خارجه.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button