كلام ماكرون عن إيران قطبة مخفية
لا يزال الموقف الذي أعلنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن مدى تأثير التدّخل الإيران في الملف الرئاسي اللبناني يتفاعل داخليًا، وحتى ضمن مجموعة الدول الخمس على مستوى مندوبيها. ففي الكلام الرئاسي الفرنسي أكثر من تفسير. فكل طرف في لبنان وخارجه حاول تفسيره مع ما يتلاءم وينسجم مع نظرته للأمور. ولكل من هؤلاء منطقه، الذي يُستخدم لتعزيز الموقع الذي هو فيه، سواء أكان مؤيدًا للسياسة الإيرانية في المنطقة وفي لبنان، أو كان معارضًا لها. في كلتا الحالتين ثمة مقاربة جديدة فرضها الرئيس الفرنسي على موفده الرئاسي إلى لبنان جان ايف لودريان، وعلى مختلف الأفرقاء اللبنانيين، وبالأخصّ على “حزب الله” الأكثر قربًا في علاقاته الاستراتيجية مع طهران، وعلى أعضاء المجموعة الخماسية، التي كان لقراراتها الأخيرة التأثير المباشر على باريس، التي يبدو أنها تراجعت عن خياراتها، التي كانت تعتقد أنها الأنسب لوضعية لبنان في المرحلة الراهنة.
فموقف ماكرون، الذي فاجأ الجميع، الأصدقاء كما الخصوم، حضر في محادثات وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان، الذي سبق له أن زار لبنان في نيسان الماضي، وكرر في خلال زيارته السابقة أن بلاده لا تتدخل في قضايا لبنان وأبرزها الانتخابات الرئاسية، وقال: “لا نتدخل بحال من الأحوال في شؤون لبنان، وندعم ونرحب بتلاقي وتحاور كل التيارات السياسية لحل مسألة الشغور الرئاسي، ونحن على ثقة تامة بأن التيارات السياسية لديها الوعي السياسي والتجربة لتضع مخرجا للشغور.”
وما بين الزيارتين بقي الشغور الرئاسي قائمًا، ولم يكن لدى التيارات السياسية، التي تحدّث عنها الوزير الإيراني،”الوعي السياسي والتجربة لتضع مخرجًا للشغور”. وبقي القديم على قدمه. وبقي لبنان من دون رئيس. وبقيت البلاد تتنقّل من “الدلفة لتحت المزراب”.
إلا أن زيارة وزير خارجية إيران اليوم تأتي على وقع مفاعيل الاتفاق السعودي – الإيراني، الذي لا يزال يترنح بين مدّ وجزر، من دون أن تتضح معالم المرحلة المقبلة، ومدى انعكاس أي تطور، سلبيًا كان أم ايجابيًا، على التطورات في المنطقة، بدءًا باليمن وصولًا إلى لبنان، الذي لا يمكن اعتباره جزيرة منفصلة عن بيئته الجغرافية. فلبنان ومذ أن وطأت الأزمات ساحاته يتأثر في شكل أو في آخر بما يجري حوله، وهو الواقع جغرافيًا على الحدود مع فلسطين المحتلة، وعلى فالق من الهزاّت السياسية، التي لم تهدأ منذ أن عرفت المنطقة سلسلة من المتغيّرات، التي انعكست على وضع لبنان الداخلي، الذي يعيش هذه الأيام أسوأ أزمات العصر في ظلّ النزوح السوري الكثيف، والذي يفوق بمضاعفاته القدرات اللبنانية الذاتية.
فهذه الأزمات التي يعيشها لبنان بكل تفاصيلها وخلفياتها ومضاعفاتها هي أشدّ وقعًا مع استمرار تغييب دور رئاسة الجمهورية، وما ينتج عن هذا التغييب غير المبرّر من تفاعلات سلبية على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع ما يرافق ملابسات هذا التغييب من قلق على الوضع الأمني، وبالأخص بعد المعارك الأخيرة التي شهدها مخيم عين الحلوة، وما ينتج عن هذه الوضعية من تداخل لا يمكن التكّهن بما ستؤول إليه تطوراته، التي قد تكون متسارعة مع تصعيد واضح من قِبل قادة العدو الإسرائيلي بالنسبة إلى الوضع الجنوبي. ولا يتوانى هؤلاء عن الكشف عمّا يدور في كواليس ما تحضّره القيادة العسكرية من مخطّطات تهدف إلى توتير الجبهة، مع استمرار المناورات الميدانية، التي تحاكي ما أسمته “تحسبًا” لأي هجمات قد يشنّها “حزب الله” في عمق الجليل.
وعلى وقع هذه التطورات يرصد اللبناني حركة الموفدين من آموس هوكشتاين إلى وزير خارجية إيران حسين عبد الأمير اللهيان إلى الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook