حيث يكون الجيش يكون الأمن والأمان
يحتفل الجيش اليوم، ومعه كل الشعب، بعيده الثامن والسبعين، وهو لا يزال في ريعان شبابه، همّةً واندفاعًا وغيرةً وحماسةً، وهو باق اليوم كما الأمس خشبة خلاص والعمود الفقري للحفاظ على الاستقرار الأمني، الذي هو الأساس المتين للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي، وهو الذي تحتاج عناصره إلى كل مساعدة ممكنة، مادية كانت أم معنوية، لكي يستطيع أن يبقى واقفًا على رجليها، وأن يلبي نداء الواجب حيثما اقتضى منه ذلك، فنجده في كل الساحات والميادين، في المهمات الأمنية الصعبة، حيث يكثر الخارجون على القانون، فيسقط من بين أفراده شهداء وجرحى. ونراه أيضًا في كل الأمكنة، التي يحتاج فيها المواطنون إلى حماية حتى في الأماكن، التي كانت حتى الأمس القريب ممنوعة على الجيش وسائر القوى الأمنية.
وما الاشتباكات التي تدور في مخيم عين الحلوة سوى عيّنة عمّا يمكن أن يحصل في الأماكن، التي لا وجود فيها للجيش والقوى الأمنية الأخرى، والتي تسمّى “بؤرًا أمنية” أو “مربعات أمنية”، أو “جزرًا أمنية”، وهي كلمات تعني أن الأمن فيها غير مستتب، وأن العيش فيها أو بقربها غير آمن وغير مستحب. وهذا دليل آخر على أنه حيث يكون الجيش يكون أمان، واستقرار، وراحة نفسية، واطمئنان. وحيث لا يكون موجودًا لا يكون كل ذلك.
فعناصر الجيش هم جزء لا يتجزأ من الشعب اللبناني، يئنون مثل سائر الناس، من ضائقة مادية واقتصادية غير مسبوقة، ولكن وعلى رغم وجعهم وقلقهم وحاجتهم إلى العيش بكرامة مثلهم مثل أي فرد في المجتمع المدني، نراهم يلبون نداء الواجب، واضعين أرواحهم على أكفهم، مدافعين بصدورهم العارية عن كل واحد منا، لكي يكون أمننا آمنًا، ولكي نستطيع أن ننام على أوسدتنا مطمئنين، فيما هم ساهرون ولا يغمض لهم جفن ولا يرمش لهم رمش وأصابعهم على الزناد، متأهبون دائمًا لتبديد المخاوف ودحر شياطين الشر المتربصة بالوطن وأهله الهانئين المطمئنين إلى أن ثمة أعينًا مفتحة وحاضرة لرصد كل التحركات المشبوهة، التي تتربص بأهلهم شرًّا، ويضمرون لهم الأذية وكل أنواع الشرور.
في عيده الثامن والسبعين تخرّجت من مدرسة البطولة والعنفوان أجيالٌ، بعضهم ما زالت أيديهم على الزناد، مستعدين لبذل الغالي والرخيص لكي تبقى للوطن عزّته وكرامته وشهامته، ومنهم من لا يزال على قيد الحياة، ولكن خارج الخدمة الفعلية، وهم خميرة الخمائر في المجتمع، ومنهم من سبقنا إلى دار الحق، ومن بينهم شهداء نعتزّ بتضحياتهم الغالية، التي أزهرت بلسمًا لكل الجروح والجراحات.
في هذا العيد، الذي نقف فيه مرّة من بين الكثير من المرّات، نتذكرّ هذا الكمّ الهائل من التضحيات، التي بذلت من قبل جنود مجهولين لم يكونوا ينتظرون عندما أقدموا وبذلوا أنفسهم تنويهًا أو وسامًا أو مكافأة ما، لأن ما يبذل نفسه عن أبناء وطنه يكون في أسمى درجات الإمحاء والبطولة، التي لا يفهمها سوى الشهداء الأحياء، الذين، إما فقدوا بصرًا، أو يدًا، أو رجلًا، وهم لا يزالون يحملون عياءهم بصبر وإيمان بأن ما بذلوه لم يذهب سدى.
في هذا العيد، الذي هو عيد كل لبناني مؤمن بأن وطنه هو الأولوية، وله وحده يكون الولاء، نتوجه إلى قيادة الجيش بشخص العماد جوزاف عون وضباطها ورتبائها وعناصرها بتحية إكبار، ليبقى للشرف والوفاء وللتضحية مكان خاص في حياتنا اليومية.
ونخصّ بالتحية كل أم شهيد ذرفت الدموع على فقدها فلذات الأكباد، وننحي أمامهن بجلل وخشوع، لأنهن أعطين للوطن أغلى ما عندهن.كل عام ولبنان وجيشه بألف خير.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook