منصوري يحكم اليوم بعصا سلامة وصندوق النقد
كان واضحاً في بيان منصوري حرصه على تبرئة ذمة الحاكم عندما قال إن سلامة التزم قانون النقد والتسليف الذي يجيز له إقراض الدولة. لكنه وإن اعترف باستمراره فيها، لم يرتض أن يقوم بها على مسؤوليته كما فعل سلامة، متكئاً على الغطاء السياسي والحكومي، بل اشترط الغطاء القانوني من الحكومة أولاً فالمجلس النيابي ثانياً. ما دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس الى طرح الموضوع على جلسة مجلس الوزراء المخصصة أساساً لدرس مشروع قانون موازنة ٢٠٢٣. ويدرك منصوري أنه لا يمكن الحكومة التغاضي عن شرطه، بعدما هدّد بوقف التمويل عن الدولة مع ما يرتبه ذلك من وقف دفع رواتب القطاع العام والأسلاك العسكرية، ومنع الدولارات عن استيراد الأدوية والمحروقات وغيرها.
وهذا يقود الى النقطة الثانية من بيان منصوري التي أكد فيها وإن في شكل غير مباشر استمرار العمل على منصة صيرفة بعد أسبوعين من التهديد بوقفها والانتقال الى منصّة عالمية، ما يعني عملياً استمرار صيرفة التي ستكون أساس سعر الصرف الذي سيُعتمد في مشروع الموازنة.
في رزمة القوانين الإصلاحية التي يطلبها منصوري، يأتي مشروع الكابيتال كونترول في الأولوية، علماً بأن منصوري كان ضد هذا المشروع في المرحلة السابقة، ما يدفع الى السؤال عن سبب التغيير في الموقف، ويقود الى مسألة أخرى تجلت في مواقف منصوري، وتتصل بالتزامه التام وإن غير العلني بشروط صندوق النقد وتوصياته. بدا ناطقاً باسم الصندوق، وهو العائد أخيراً من واشنطن حيث كانت له سلسلة اجتماعات وُصفت بالناجحة، ما دفع الى السؤال عن الضمانات التي قدّمها منصوري لواشنطن، مقابل حصوله على الضمانات بتولي الحاكمية.
النقطة الخطيرة التي أثارها منصوري وتستدعي مزيداً من الوضوح في مقاربتها تتصل بإعلانه أن سعر الدولار سيحدّد وفق عمليات السوق من دون تدخل المركزي ومن دون تحميله أي كلفة. إنه إعلان واضح عن بدء حقبة تحرير سعر الصرف وتوحيده، علماً بأن منصوري الذي أكد أن هذا الأمر سيتم من دون أن يؤثر على الاستقرار النقدي، لم يوضح آليات حماية الاستقرار ومصدر الأموال التي ستحقق التوازن بين حركة العرض والطلب، على نحو يحول دون حصول خضات أو تقلبات كبيرة في السوق. هل هذا يلحظ التعامل مع المضاربين الذين نجحوا على مدى الأعوام الثلاثة الماضية في التحكم بالسوق وفقاً للمشيئة السياسية والمصالح والنفوذ؟
الثابت في بيان منصوري، أن الرجل بما ومن يمثل، قرّر أن يحكم بيد صلبة، معوّلاً على القانون والإصلاح وتجاوب السلطتين التشريعية والتنفيذية مع مطالب وشروط لم تسلك طريقها رغم عصا صندوق النقد والمجتمع الدولي. فهل ينجح منصوري الذي وضع البلاد، تماماً كما الصندوق، على مفترق طرق، في إقناع المعطلين بالسير بالإصلاحات، أم سيقع ضحيّة التجاذب السياسي الذي حذر منه فيستعيد تجربة سلامة مكرّرة؟
بعض الخبثاء يعتقدون أن “حزب الله” وفريقه السياسي الذي عطّل الإصلاحات بقيادة رموز الحقبة السابقة لن يعطلها عندما تكون بقيادة منصوري، ولا سيما إن كانت تلك الإصلاحات تتجاوز ما كُتب حتى اليوم!
يعي الحزب عملية استدراجه لانفجار البلد في وجه حاكمه الجديد، كما يعي أنه لا تزال هناك فترة سماح وإن غير طويلة قبل أن يفقد السيطرة. وهو لذلك سيحرص على إبقاء الوضع على ما هو عليه. وقد يكون تراجع الدولار في سوق القطع أمس، أولى البوادر لهذا التوجّه.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook