قراءة هادئة في نتائج الجلسة الـ 12… تعادل في السلبية
ما كان متوقعًا عشية 14 حزيران قد أصبح بعد هذا التاريخ حقيقة واقعية. وما قيل وسيُقال في العلن وفي السرّ لن يستطيع أن يغيّر شيئًا من هذه الحقيقة، التي يجب أن يأخذها جميع الأفرقاء في الاعتبار. وهذه الحقيقة لم تعد مجرد وجهة نظر بقدر ما هي تعبير واقعي وموضوعي لما آلت إليه الاصطفافات السياسية، وما سبقها وما سيليها من تشجنات ومن أزمات داهمة.
ما يمكن أن يُستنتج موضوعيًا من خلال قراءة هادئة، وبعيدًا عن الصخب الإعلامي، لمشهدية الجلسة الانتخابية الثانية عشرة يندرج في إطار التحليل العلمي لوقائع هذه الجلسة، التي يمكن أن توصف بانها بداية لمرحلة جديدة من التعاطي السياسي مع هذا الاستحقاق الدستوري، الذي يعّول عليه الجميع للانتقال من مرحلة إلى أخرى يؤمل أن تكون تأسيسية لمستقبل أكثر أمانًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وحتى أمنيًا.
فانطلاقًا من هذه القراءة غير المنحازة في التحليل لأي جهة سياسية من الجهات المتخاصمة، يمكن ايراد الاستنتاجات والملاحظات التالية:
أولًا، يمكن اعتبار أن هذه الجلسة بوقائعها وليس بنتائجها هي الجلسة الأكثر جدّية، حيث غابت الأوراق البيض، باستثناء واحدة، لتتوزع الأصوات ربما بالتساوي بين المرشحين الوحيدين فعليًا وهما الوزيران السابقان سليمان فرنجية وجهاد أزعور، على رغم الالتباس الذي حصل بالنسبة إلى “الورقة الضائعة”، ولنا في ذلك بعض التفصيل في سردية الملاحظات.
ثانيًا، إن الرقم الذي ناله المرشّح جهاد أزعور، وهو 59 صوتًا، هو الرقم الأعلى الذي يحصل عليه أي من المرشحين الافتراضيين خلال الجلسات السابقة، حيث كانت تتراوح الأرقام التي كان يحصل عليها المرشح المنسحب النائب ميشال معوض بين الـ 38 صوتًا والـ 45.
ثالثًا، إن الرقم الذي حصل عليه المرشح سليمان فرنجية (51) كان مفاجئًا لقوى “المعارضة”، التي كانت تراهن، وفق “بوانتاجاتها”، على عدم قدرة فريق “الممانعة” من تخطّي عتبة الخمسين صوتًا. وفي كل ذلك استنتاجان:
الاستنتاج الأول هو أن قوى “الممانعة” وضعت كل ثقلها في خانة الحؤول دون وصول مرشح “المعارضة” إلى عتبة الـ 65 صوتًا، وقد نجحت في ذلك.
الاستنتاج الثاني هو أن قوى “المعارضة” تمكّنت من إظهار نفسها على أنها كتلة واحدة، وإن غير متراصة، والدليل أن الأصوات الثمانية، التي كانت تراهن عليها من كتلة “لبنان القوي” وكتلة حزب “الطاشناق” قد صبّت أصواتها لمصلحة فرنجية.
رابعًا، لقد أظهر رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل من خلال عملية توزيع أصوات “التكتل” بين المرشحين المتنافسين، أنه قادر على الإمساك بالعصا من وسطها، وهو بذلك أبلغ الفريقين أنهما في حاجة إلى أصوات أعضاء تكتله لكي تكون موازين القوى مائلة في هذا الاتجاه أو الاتجاه المعاكس. فلو افترضنا أن أصوات “التكتل” صبّت كلها لمصلحة أزعور لكان تجاوز عتبة النصف زائد واحد، والعكس أيضًا صحيح.
خامسًا، إن تعطيل الجلسة الثانية تعتبره “القوى الممانعة” حقًّا دستوريًا، وهي مارسته وستمارسه في كل مرّة تشعر بأن المرشح الآخر قادر على تأمين 65 صوتًا في الدورة الثانية. وهذه المعادلة هي صحيحة أيضًا بالنسبة إلى “القوى المعارضة”، التي سبق لها أن أعلنت أنها ستعطّل النصاب في حال لمست أن المرشح الآخر يمكن أن يفوز بالدورة الثانية. وبذلك يكون الفريقان شريكين في “السلبية الدستورية”.
سادسًا، بالنسبة إلى “الورقة الضائعة”، يُقال أن أحد النواب من “المعارضة” تقصّد عدم وضع ورقة في الظرف الانتخابي، بحيث تصبح الحجّة ماسّة لضرورة إعادة الانتخاب مرّة جديدة، الأمر الذي يمكن اعتباره بمثابة دورة ثانية، أي أن تُحتسب نتيجة التصويت على أساس أكثرية النصف زائدا واحدا. ولكن الرئيس نبيه بري تنّبه لهذا الأمر رافضًا إعادة التصويت واعتبار “الورقة الضائعة” ملغاة. وهكذا وقبل أن يقفل محضر الجلسة كان النصاب القانوني قد فُقد داخل القاعة بعدما انسحب نواب “الممانعة”.
سابعًا، سُجل عند انتهاء الجلسة الأولى وجود 81 نائبًا، أي أنه كان ينقص خمسة نواب ليصبح النصاب قانونيًا، وهو أمر يحصل للمرّة الأولى، خصوصًا أن عددًا من النواب المستقلين، الذين لم يصوتوا لأي من المرشحين المتنافسين، أصرّوا على البقاء داخل القاعة، وهذا أمر اعتبره البعض مؤشرًا لما يمكن أن تكون عليه الجلسات المقبلة في حال تمت الدعوة إليها.
ثامنًا وأخيرًا، يمكن اعتبار الجلسة الثانية عشرة جلسة هي جلسة تحديد الأحجام والتباينات والفروقات الرقمية، ولكن هذا الواقع يقود إلى استنتاج يحتاج إلى المزيد من التفصيل، وهو أن أيًّا من الجهتين المتقابلتين غير قادرتين على الحسم الإيجابي إن لم يطرأ ما ليس في الحسبان.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook