آخر الأخبارأخبار دولية

في دارفور.. النزاع السوداني يفاقم العنف القبلي المنسوب لمليشيات الجنجويد


نشرت في: 05/05/2023 – 15:23

قصف للمستشفيات وأحياء محترقة وعمليات نهب تحت التهديد: هذا ما تعيش على وقعه مدن في إقليم دارفور من هجمات متكررة لمليشيا الجنجويد منذ بداية النزاع المسلح الذي اندلع في السودان في 15 نيسان/ أبريل الماضي. وتعاني هذه المنطقة، التي تعيش منذ وقت طويل احتقانا قبليا وتستقبل الآلاف من النازحين الداخليين، من مداهمات وهجمات تنفذها هذه المليشيات التي تم إدماجها في قوات الدعم السريع، والتي تستفيد من حالة الفوضى التي عمت البلاد.

 

منذ منتصف نيسان/ أبريل الماضي واندلاع النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يعيش سكان مدينة الجنينة عاصمة إقليم دارفور الغربية على وقع الهجمات وأعمال النهب التي يقوم بها مقاتلي مليشيا الجنحويد التي تم إدماجها ضمن قوات الدعم السريع التي تمارس أعمال سلب ونهب وتحرق المؤسسات العامة والبيوت والمحال التجارية في المدينة. وتم إخطار فريق تحرير مراقبون فرانس بموجتين من الهجمات في الجنينية بين يومي 24 و27 نيسان/ أبريل في الجنينة، ما أدى إلى سقوط نحو خمسين قتيلا وإصابة نحو 100 آخرين حسب نقابة أطباء دارفور الغربية.


“انظروا كيف استيقظ إقليم دارفور الغربية هذا الصباح” هذا كان تعليق صاحب هذا الفيديو الذي تم تصويره في صباح 27 نيسان/ أبريل 2023 في مدينة الجنينة. ونسمع في الخلفية صوت إطلاق النار طيلة تصوير المشاهد.

وكانت منطقة دارفور مسرحا لنزاع دام اندلاع في سنة 2003 بعد انتفضت القبائل غير العربية بين قبيلة المساليت ضد السلطة المركزية في الخرطوم. وأرسل النظام السوداني في تلك الفترة مليشيا شبه عسكرية لممارسة قمع عنيف ضد السكان المتمردين. واليوم، ينشط جزء من هذه المليشيات تحت يافطة قوات الدعم السريع التي تعرف أكثر في إقليم دارفور باسم قوات الجنجويد. وفاقم النزاع الجديد في السودان الاحتقان في المنطقة وأدى إلى أعمال عنف بين مقاتلي الجنجويد ومختلف المليشيات المسلحة المناوئة لها.


“مستشفيات المدينة مازالت خارج الخدمة بالكامل. يحاول أطباء متطوعون تقديم خدمات الطوارئ لكن شبكة الكهرباء مقطوعة وتمت سرقة المولدات الكهربائية” هذا ما وضحه أحد المتطوعين في منشور بتاريخ 3 أيار/ مايو الجاري والذي يظهر حجم الخسائر في المستشفى وفي بنك الدم.

ورغم الانقطاع الواسع لشبكة الإنترنت عبر أنحاء البلاد، تشهد بعض الصور التي كانت في بعض الأحيان مروعة وذات عنف شديد والتقطها سكان أو مقاتلون على حجم العنف في مدينة الجنينة.

“سقط أشخاص موتى تحت ناظري”

سعيد (اسم مستعار)، هو أحد سكان حي الجبل حيث جدت هجمات دامية، روى لفريق تحرير مراقبون ما حدث. ولحماية سلامته الجسدية، خيرنا عدم ذكر هويته الحقيقية، حيث يقول:

في 24 نيسان/ أبريل الماضي، في حدود الساعة السابعة والنصف صباحا، تنقلت القوات المسلحة السودانية من قواعدها العسكرية في غرب المدينة، غير بعيد عن الحدود مع تشاد، إلى المناطق المتاخمة للجنينة.

في ذلك الصباح، قامت عربات عسكرية مسلحة مناوئة لمليشيا الجنجويد، التي أمضت اتفاق سلام في جوبا عاصمة جنوب السودان [فريق التحرير: تم توقيعه في سنة 2020 من قبل الحكومة السودانية، التي كانت مؤلفة حينها من مدنيين وعسكريين، مع خمس مجموعات متمردة مسلحة خصوصا في إقليم دارفور] بالتحرك في المدينة لحماية المدنيين من مقاتلي الجنجويد.

عندما اقتربت هذه العربات من مقر الجيش في غرب الجنينة، مروا بمنطقة  لمليشيات الجنجويد واندلعت المعارك قرب جامعة الجنينة.


تم نشر هذا المقطع المصور مباشرة في البداية في 24 نيسان/ أبريل الفائت من أحد السكان ومن ثم تناقلته صفحة محلية على فيس بوك فيما كانت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في أوجها وسط مدينة الجنينة. “بالكاد نجوت من رصاصة طائشة” يقول صاحب مقطع الفيديو الذي كان موجودا قرب سوق المدينة في ذلك اليوم.

تحولت المعارك في وقت لاحق إلى جنوب المدينة، في حي الجبل بالتحديد، وهو أحد الأحياء الأكثر كثافة سكانية بالمدينة، والذي عرف عدة خلافات إثنية بين القبائل العربية والأفريقية. ومعظم سكان الحي أنفسهم هم من النازحين الداخليين منذ مجازر سنة 2003.

في عائلتي، قمنا بإجلاء نساء وأطفال من حي الجبل إلى شمال المدينة، وبقي الرجال لحراسة بيت العائلة من عمليات النهب.

اليوم كان داميا، رأيت أشخاص يسقطون موتى أمام ناظري.


هذا المقطع المصور، الذي التقط في 28 نيسان/ أبريل الماضي، يظهر حجم الخسائر التي تسبب بها الهجمات التي استهدف المحال التجارية في سوق الجنينة. في الثانية 58 منه، نرى جثة مغطاة لغلاف أبيض ملقاة في الشارع. “لم يأت أحد لأخذ الجثة” يقول صاحب الفيديو. في الدقيقة السادسة من الفيديو، نرى بقايا الرصاص والذخائر حول محطة تزود بالبنزين تم تخريبها.

في نهاية اليوم – دائما في 24 نيسان/ أبريل- انسحبت الجماعات المسلحة من المنطقة تاركة المدنيين في مواجهة مقاتلي الجنجويد في حي الجبل جنوب المدينة.

هدأت المعارك نسبيا خلال اليومين الموالي قبل أن تتفاقم من جديد في صباح 27 نيسان/ أبريل. في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا، حمل مدنيون السلاح وقرروا مواجهة مقاتلي الجنجويد بأنفسهم، بعد عدة هجمات متكررة ضدهم منذ 15 نيسان/ أبريل. واستمرت المواجهات حتى بداية المساء.

أصبحت كل المؤسسات الطبية في مدينة الجنينة خارج الخدمة، حيث تم تدمير التجهيزات وإيقاف الخدمات، كمال قتل طبيب في المستشفى الوحيد بالمدينة خلال تبادل لإطلاق النار في يوم 27 نيسان/ أبريل 2023.


مشهد من الأقمار الاصطناعية من تطبيق بلانيت يظهر حجم الخسائر تسببت بها الحرائق المتعمدة في مختلف أحياء مدينة الجنينة.

بعد ذلك – في حدود الساعة الخامسة والنصف مساء- انتشرت الجماعات المتمردة التي أمضت اتفاق جوبا في أنحاء المدينة.

صورة الرجال المدنيين الذين نراهم يطلقون النيران الثقيلة تظهر في الحقيقة صورا مقاتلي المجموعات المتمردة وذلك لأن المدنيين لا يملكون سوى أسلحة خفيفة وقديمة. خمسون من سكان الحي على أقصى تقدير يملكون أسلحة وذلك لأنها مكلفة جدا وتأتي في معظم الأحيان من الحدود مع ليبيا أو تشاد. في كل الأحوال، لا يمكن مقارنة هذه الأسلحة وع تلك التي يستخدمها مقاتلو مليشيات الجنجويد.


مقطع مصور التقط في 26 نيسان/ أبريل الماضي، ونرى من خلاله مقاتلين من مليشيات الجنجويد بالزي المدني ويحملون بين أيديهم سلاحا رشاشا من طراز دي أس أتش كي DShK السفياتي. وحسب مراقبنا، فقد تم تصوير المشاهد في حي الجبل جنوب مدينة الجنينة.

“استمرت أعمال النهب 5 أيام”

قام مقاتلو الجنجويد بنهب كل المحال التجارية حول السوق. ولم تتوقف أعمال النهب طيلة خمسة أيام. تم سلب كل ممتلكات أشخاص تحت تهديد المقاتلين، حيث تم سرقة سيارت وحرق بيوت خصوصا تلك الموجود قرب محاور التنقل الأساسية. حتى أن مقر الهلال الأحمر الذي يوجد في جنوب المدينة تعرض للحرق بالكامل، ما زاد في صعوبة الوضع الصحي.

 


في هذا المقطع المصور الذي نشر على فيس بوك في 21 نيسان/ أبريل، نرى مقاتلي مسلحين من قوات الدعم السريع يدخلون بين أحد السكان ويطلبون منه مغادرة المكان.

منذ يوم 27 نيسان/ أبريل، أنشأت القوات المتمردة التي وقعت على اتفاق جوبا طوقا أمنيا حول المؤسسات العامة وحول الأحياء التي مستها أعمال العنف على غرار أحياء التضامن والثورة والمدارس. يقومون أيضا بحماية الحي الذي توجه به إقامة حاكم ولاية دارفور [فريق التحرير: الذي كان نفسه عضوا في جماعة متمردة أمضت اتفاق جوبا]؟

في يوم 4 أيار/ مايو الجاري، لا يوجد أي عسكري أو شرطي إلى حد الآن في منطقة سوق الجنينة، رغم أنه يعد أكثر منطقة عانت من خسائر.


هذا المقطع المصور التقطه أحد مقاتلي الجنجويد في 26 نيسان/ أبريل الماضي ويظهر مقاتلا آخر من المليشيا بصدد التقاط صور أمام عربة عسكرية مشتعلة.

وحدد بنجامين ستريك الذي يعمل في منطقة “ريزليانس سنتر Resilience Centre” موقع التصوير الجغرافي هنا، أمام مقر الشرطة في مدينة الجنينة.

“الناس ينامون على الرصيف”

لجأ عدد كبير من اللاجئين إلى شمال المدينة. الشوارع ملآنة بالناس، وهناك من ينام على الرصيف. يقوم متطوعون بتوزيع المياه والطعام ولكن الوضع حرجا للغاية والفرق الطبية تعمل بأقل الوسائل المتاحة.

اضطررنا إلى إفراغ بعض البيوت من سكان حتى نحولها إلى مستشفيات ميدانية، وإلى مراكز إيواء طارئة أيضا، وذلك لأن جزءا كبيرا من مراكز الإيواء والمدارس ومخيمات النازحين في مدينة الجنينة قد التهمت النيران جزءا منها. كما تم استخدام مبنى المحكمة لإيواء النازحين في ظل عدم توفر أماكن لإيوائهم.


منذ يوم 2 أيار/ مايو الجاري، تشهد المدينة عودة شيء من الهدوء فيما بدأت المحال التجارية في استئناف نشاطها بشكل حذر في جنوب المدينة. وتجوب فرق من القوات المسلحة السودانية المدينة مرة أو إثنتين في اليوم.

منظمة الصحة العالمية ومنظمة أطباء بلا حدود تحذر من “كارثة صحية” بصدد الحدوث

بات أكثر من 61 مستشفى في السودان خارج الخدمة منذ اندلاع المعارك، وفق نقابة الأطباء السودانيين حيث تم قصف 16 منها فيما تم إخلاء 19 مستشفى بسبب التهديدات على طاقمه فيما قامت قوات الدعم السريع – أحد طرفي النزاع في البلاد- بنهب مخازن الصيدلية المركزية وأيضا مستودعات الهلال الأحمر السوداني حسب نفس النقابة.

إلى حدود 2 أيار/ مايو، تقدر المنظمة الدولية للهجرة أن النزاع أجبر نحو 115 ألف شخص على الفرار من البلاد فيما اضطر أكثر من 334 ألف آخرين إلى النزوح داخل البلاد.

من جهتها، حذرت كل من منظمة الصحة العالمية (أو أم إس) ومنظمة مراسلون بلا حدود (أم إس أف) من أن ملايين السودانيين مهددون بالموت على وقع نقص المؤسسات الصحية فيما تعاني البلاد أصلا من نقص الإمكانيات الصحية حتى قبل اندلاع النزاع.

وتم التوصل إلى إمضاء عدة هدنات إنسانية لكن دون الالتزام بها منذ 15 نيسان/ أبريل، تاريخ اندلاع المعارك. وقد تم التوصل إلى هدنة سادسة تستمر أسبوعا انطلاقا من منتصف ليل 4 أيار/ مايو إلى غاية 11 من نفس الشهر ولكن تم خرقها في صباح اليوم الموالي مع تقارير تتحدث عن إطلاق نار في العاصمة الخرطوم وفي إقليم دارفور الغربية.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى