لماذا يدفع البعض الملايين لشراء حفريات الديناصورات؟ | علوم وتكنولوجيا | آخر الاكتشافات والدراسات من DW عربية | DW

لا يوجد إنسان سيرفض امتلاك “تيرانوصوروس ركس” الذي يعرف اختصارا باسم “تي. ركس” فقد يمكن استخدامه لتخويف الجيران أو وضع رسوم لمن يريد رؤيته فيما سيزداد سعره بمرور الوقت نظرا لأنه يعد بالشيء النادر. فهل يشير ذلك إلى أن شراء الهياكل العظمية القديمة تعد مجالا استثماريا رائعا؟

بيد أن الاستثمار في هذه العظام القديمة ليس متاحا للجميع إذ أن الأمر مقتصر على فئة بعينها نظرا لأنه يتطلب الكثير من الشروط، لاسيما أموال طائلة والحاجة إلى مساحة كبيرة، لكن هناك شيئا جيدا في ذلك وهو أن مثل هذه الهياكل من الصعب سرقتها في ضوء أنها كبيرة الحجم.

وقد أخذ متحف التاريخ الطبيعي في أبو ظبي في الاعتبار كل هذه الأمور عندما اشترى حفرية أغلى ديناصور  في العالم بقيمة 32 مليون دولار في مزاد كريستي عام 2020 فيما تعود الحفرية لديناصور “ستان” من نوع “تيرانوصور” يبلغ من العمر 67 مليون عام.

ويمتلك المتحف الذي من المقرر افتتاحه عام 2025 الكثير من الموارد لاستيعاب الحفرية التي يبلغ طولها حوالي 12 مترا وارتفاعها نحو 4 أمتار فضلا عن أنها تتألف من 188 عظمة فيما عُثر عليها بولاية داكوتا الجنوبية عام 1987.وتتواجد معظم الهياكل العظمية البالغة عددها 50 والتي تعود لـ “تي. ركس” وجرى العثور عليها منذ عام 1902، في متاحف التاريخ الطبيعي.

وللمرة الأولى في أوروبا والمرة الثالثة على مستوى العالم باعت دار كولر للمزادات في سويسرا هيكلا عظميا كاملا لتي ريكس بجودة استثنائية في مزاد يوم الثلاثاء (18 نيسان/ أبريل 2023)، كما قالت في بيان لها. وبُيع الهيكل العظمي مقابل 5.5 مليون فرنك سويسري (6.13 مليون دولار) لكن السعر كان أقل من المتوقع.

ويصل ارتفاع الهيكل العظمي تي.آر.إكس-293 ترينتي إلى 3.9 متر وطوله 11.6 مترا، وهو مؤلف من 293 عظمة من ثلاثة تيرانوصورات ركس عُثر عليها بين عامي 2008 و2023 في ولايتي مونتانا ووايومنج الأمريكيتين.

وعرض مشتر لم يُكشف عن اسمه السعر الفائز في المزاد وهو 4.8 مليون فرنك سويسري أي أقل من التقدير الذي تراوح بين خمسة وثمانية ملايين فرنك سويسري لكن السعر الإجمالي ارتفع بعد إضافة علاوة المشتري ورسوم دار مزادات كولر ووصل إلى 5.5 مليون فرنك سويسري.

يشار إلى أن الباحثين قد أعلنوا عام 2021 عن أول إحصاء لعدد  ديناصورات “تي. ركس” ، حيث قالوا إن 2.5 مليار ديناصور سكنت غرب أمريكا الشمالية على مدى 2.4 مليون عام.

هوس الديناصورات

ولا يعد مزاد كريستي الوحيد الذي يمكن من خلاله شراء عظام  الديناصورات باهظة الثمن بل تضم القائمة دار “سوذبي” للمزادات ودار مزادات “دروت” في باريس. ومع ذلك، فقد تسبب مزادان أواخر العام الماضي في إثارة القلق إذ أعلن دار كريستيز للمزادات إلغاء عملية البيع المثيرة للجدل لهيكل عظمي يعود إلى “تيرانوصور ريكس” في هونغ كونغ وسط شكوك حيال مدى أصالة الحفرية.

وبعد ذلك، أُصيب القائمون على هذا المجال بخيبة أمل بعد بيع هيكل عظمي كامل لغورغوصور، وهو نوع من الديناصورات من عائلة “تي. ريكس” بنحو 6,1 ملايين دولار في سعر أقل بكثير من السعر الخاص بالتيرانوصور ريكس الذي بيع بـ 31,8 مليون دولار عام 2020 في مزاد بنيويورك.

التوثيق من الحفريات

وإلى جانب بيع هذه العظام النادرة التي تعود الديناصورات من عائلة “تي. ريكس”، تحاول دور المزادات إقناع هواة جمع العملات ورجال الأعمال شراء البيض المتحجر والأسنان الضخمة والنيازك والمعادن و حتى خيوط من شعر الماموث الصوفي ذو الشعر الكثيف.

ورغم أن هذه القطع ليست جذابة مثل  عظام الديناصورات، إلا أنها ما زالت جزءا من التاريخ الماضي وتعد نادرة في الكثير من الأحيان.

وفي مقابلة مع DW، قالت كلوديا فلوريان، المسؤولة عن قسم التاريخ الطبيعي في دار “بونهامز” للمزادات بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية، إن الحفريات تعد “نادرة نظرا لأنها في حاجة إلى ظروف معينة حتى تصل إلينا رغم طول الفترة. يجب أن يكون الكائن الحي قد دُفن بطريقة سريعة حتى يتم حفظه وتحويله إلى أحجار”.

وقد قدم دار مزادات بونهامز بعض النصائح للمشترين والمغامرين الذين يرغبون في شراء هذه العظام النادرة فيما تعد الجودة والأصالة هذه العظام من العوامل الرئيسية التي يجب مراعاتها فضلا عن وجود أوراق تثبت أن عمليات التنقيب جرت وفق القانون. وأضافت فلوريان ذات خبرة تفوق 39 عاما في هذا المجال أن “ندرة العظام ومدى اكتمالها وحالتها توثر على سعر بيعها في المزاد”.

الجدير بالذكر أنه خلال السنوات الأولى من جائحة كورونا، شرع كثيرون في ضخ استثمارات في شراء أصول غير تقليدية مثل العملات المشفرة والنبيذ والأحذية الرياضية و ما يُعرف بـ “الرموز غير القابلة للإستبدال” وحتى المقتنيات الثمينة، لكن بعد زوال الوباء هل يستمر هذا الأمر؟

جمال الماضي البعيد

تحاول دار مزادات بونهامز التي تمتلك الآن 14 صالة عرض في جميع أنحاء العالم، شق طريقها في سوق التاريخ الطبيعي حيث حصدت مزاداتها أكثر من مليار دولار لأول مرة العام الماضي بزيادة قدرها 27 ٪ عن العام السابق فيما جاء حوالي 4 ملايين دولار من 11 مزادات خاصة  بالتاريخ الطبيعي  حيث تضمنت ثلاثة منها حفريات.

وفي ضوء ذلك، تبدو كلوديا فلوريان متفائلة لكنها حذرة أيضا حاليا تجاه مصير هذا السوق، مضيفة “شهد سوق الحفريات زخما كبيرا وارتفاعا كبيرا في الأسعار خلال السنوات الثلاث إلى الخمس الماضية بسبب زيادة اهتمام الجمهور وبالتالي زيادة الطلب، لكن قد يشهد العام أو العامين المقبلين استقرارا على مستوى البيع خاصة في حالة وجود تباطؤ أو ركود اقتصادي”.

ومن أجل إثبات كيف ارتفعت أسعار الحفريات، قالت فلوريان إنه جرى بيع جمجمة دب كهف بيعت في نيويورك مقابل 4،750 دولارًا في عام 2012 فيما تم بيع جمجمة مماثلة في عام 2022 بأكثر من 26 ألفا في باريس.

وأضافت أنه جرى بيع سن واحد يعود لديناصور من أسرة “تي. ريكس” بأكثر من 11 ألف دولار عام 2013، لكن بعد تسع سنوات  تم بيع سن مماثل بقرابة ضعف هذا المبلغ.

إرشادات هامة عند شراء الحفريات

ويرى الخبراء أن هناك إرشادات يتعين وضعها في عين الاعتبار عند الاستثمار في شراء الحفريات سواء أكانت كبيرة أو صغيرة الحجم.

ويقول الخبراء إنه يجب البحث في أصول هذه الحفريات لأن ليس كل الحفريات تعد نادرة كما أن هناك الكثير من  الحفريات مزيفة  فيما ينصح الخبراء بالتنوع في شراء الحفريات مع أفضلية شراء الأشياء التي لها سجل حافل وتوثيق حيال الجهة المالكة.

ويشير الخبراء إلى أنه رغم ذلك، فإن هذا الأمر لا يعد ضمانا على النجاح في المستقبل لكن ذلك يحمل في طياته بعض الإرشادات.

وبالنسبة للحفريات الهامة يتعين الحصول على حق الاستنساخ لأن امتلاك الحفريات لا يعني امتلاك حق إعادة الإنتاج فرغم أن متحف التاريخ الطبيعي في أبو ظبي قد اشترى حفرية أغلى  ديناصور  في العالم، إلا أن إجراء أي عمليات استنساخ تعود إلى معهد بلاك هيلز للبحوث الجيولوجية.

 

تيموثي روكس / م. ع