آخر الأخبارأخبار محلية

هذا هو الهمّ المشترك بين جميع المغتربين


من دون موعد مسبق أو محضّر له جمعتني الصدفة مع أحد مسؤولي التيارات الحزبية في مونتريال. لا معرفة سابقة بيننا، وإن كانت تصل إليه ما أكتبه، وما أوجهه من انتقادات إلى التيار الذي يمثّله. سبق هذا اللقاء ما لفتني حين تعانق هذا المسؤول مع مسؤول آخر عن أحد الأحزاب اللبنانية في مونتريال أيضًا، وهو الحزب الذي على خلاف مع هذا التيار. وما زاد من دهشتي أن الأول قام من مكانه المتصدّر وأجلس من هو على خلاف سياسي معه. 

 
الواقعة شهد عليها راعي أبرشية مار مارون في كندا المطران بول – مروان تابت، الذي كان يترأس الذبيحة الإلهية في كنيسة مار يوسف في منطقة بلانفيل في لافال لمناسبة عيد شفيع الرعية. 
بداية حديثنا كانت من دون مقدمات. أبديت إعجابي بهذه اللفتة التي سبقت اللقاء. ولكن من دون أن أغفل ما حصل قبل نحو ثلاثة أشهر عندما عارض هذان المسؤولان الحزبيان، اللذان تعانقا اليوم، أن يجلسا إلى مائدة واحدة في العشاء الذي أقامه المطران تابت تكريمًا لراعي أبرشية الروم الملكيين الكاثوليك في كندا المطران ميلاد جاويش. 
السؤال البديهي الذي وجهته إلى من أجالسه لأول مرّة: ما الذي تغيّر؟ لماذا ما صار اليوم تحت أنظار مار يوسف في كنيسته لم أره في عشاء مار مارون، أي في صالة كنيسة مار مارون؟ 
السؤال محرج، لكن الجواب جاء بديهيًا وطبيعيًا، وكأن المجيب كان يعرف مسبقًا إلى ماذا أرمي.  
التبريرات التي ساقها في ردّه أقنعتني وزادت مما كنت أدعو إليه دائمًا، نظرًا إلى أن ما يعيشه المغتربون، في أي بلد كانوا، يختلف اختلافًا كليًا عن الواقع السياسي في لبنان بما فيه من تناقضات، وربما من تحالفات هجينة تتبدّل وتتغيّر وفق ما تفرضه الظروف الخارجية والداخلية معًا. 
في رأي محدّثي أنه وبناء على تجارب ناجحة سابقة قام بها المطران تابت في مونتريال قبل أحداث 17 تشرين الأول من العام 2019، فإن لا شيء يمنع من معاودة هذه التجربة الاغترابية الرائدة، والتي تقوم على مبدأ الفصل بين واقع الأحزاب في لبنان وظروفها الموضعية، وبين واقع المغتربين، الذين يُفترض بهم طبيعيًا أن يتلاقوا على أهداف واحدة بغض النظر عمّا تباعد بينهم السياسة المحلية الضيقة في لبنان. 
لسياسيي لبنان سياستهم وللاغتراب سياسته. هذا ما يجب أن يُعمل عليه مستقبلًا، وأن تعاود اللقاءات الحزبية، برعاية المطران تابت، حركتها المشتركة القائمة على احترام الاختلاف والتكامل في توحيد الجهود الآيلة إلى توفير المناخات الملائمة لعيش قيم الأجداد والأباء، ونقلها إلى الأبناء، في مجتمع تذويبي. 
فالهمّ الاغترابي مشترك بين جميع المغتربين، إلى أي طائفة انتموا، وإلى أي أحزاب أو تيارات سياسية. هذا الهمّ يقلق الجميع. وهو يزاحم في التراتبية ما يعانيه الأهل في لبنان. فهذا الهمّ المشترك هو واحد ويلازم جميع أباء وأمهات الجيلين الأول والثاني كهجرة حديثة. هو همّ ما ستكون عليه حال الجيل الثالث، من حيث اللغة أولًا، ومن حيث القيم والتقاليد والموروثات ثانيًا. 
فتأقلم أبناء هذا الجيل مع المجتمع الكندي سريع جدّا. هذا ما يقلق بال الجيلين السابقين. وهذا ما يقلق المرجعيات الروحية في كندا، مسيحية ومسلمة. 
حول هذا الهمّ يجب أن نجتمع بهدف إيجاد الطريقة الأفضل لنقل ما حملناه من وطننا الأم من قيم روحية وإيمانية ووطنية ومن تراث وتقاليد إلى جيل يذوب كالملح في مجتمع جديد ولكنه مختلف عن مجتمعنا الشرقي من حيث المفاهيم الثقافية والحضارية. 
بهذه الخلاصة انتهى اللقاء، على أن تليه لقاءات أخرى، وأن يكون هذا الهمّ المشترك محلّ متابعة.   


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى