“المسؤول الأول عما يحدث هو الرئيس سعيّد”
نشرت في: 03/03/2023 – 18:53
انتقد مراقبون للشأن المغاربي والأفريقي حاورتهم فرانس24، تراخي السلطات التونسية في مواجهة تنامي الاعتداءات بحق المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، خصوصا بعد خطاب الرئيس قيس سعيّد في 22 فبراير/شباط. وأفادوا بأن التجاوزات التي يجرّمها قانون البلاد ليست واسعة النطاق وتراوحت بين العنف والتحرش الجنسي ومسّت حتى التونسيين من ذوي البشرة السوداء، إلا أنهم حذروا من خطورتها خصوصا الترويج لفكرة “المؤامرة الدولية”، ومن انعكاساتها السلبية على صورة تونس وعلاقاتها الدبلوماسية وسلامة جاليتها بأفريقيا.
تفاقمت معاناة المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس بعد خطاب الرئيس قيس سعيّد في 22 فبراير/شباط، الذي شدّد فيه على وجوب اتخاذ “إجراءات عاجلة” لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى بلاده، معتبرا أن هذه الظاهرة التي وصفها بأنها مؤامرة “لتغيير التركيبة الديمغرافية” لبلاده تؤدي إلى “عنف وجرائم”.
وكانت أكثر من 20 منظمة حقوقية تونسية استنكرت خطاب الرئيس قيس سعيّد الذي اعتبرته “خطاب كراهية” تجاه المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء. كما دعت منظمات غير حكومية السلطات إلى التصدي للتمييز والعنصرية على منصات التواصل وبعض وسائل الإعلام والأحزاب.
- اعتداءات وحملة توقيفات
كما أفادت تلك المنظمات حسب وكالة الأنباء الفرنسية بأن القوات الأمنية في تونس شنت حملة ضد المهاجرين، مشيرة إلى “توقيف أكثر من 300 مهاجر ومهاجرة في مراكز الإيقاف بمن فيهم من النساء والأطفال”، مشددة على أن هؤلاء أوقفوا “من دون احترام للإجراءات”.
للمزيد: المؤرخ عبد الحميد لرقش: مهاجرو أفريقيا جنوب الصحراء يمثلون “حلا اقتصاديا” لتونس ومشروع سعيّد “هلامي وشمولي”
هذا، وساءت أوضاع الكثير من المهاجرين الأفارقة من سيراليون وغينيا كوناكري والكاميرون وتشاد والسودان، والذين وصلوا بشكل غير قانوني إلى تونس خلال الأشهر الأخيرة، حيث وجد كثير منهم أنفسهم بين عشية وضحاها محرومين من العمل الذي كان بالكاد يكفيهم لتحصيل قوتهم.
وتصاعدت الاعتداءات على المهاجرين الأفارقة خصوصا منذ خطاب سعيّد المثير للجدل، ما دفع حكومة غينيا الأربعاء إلى إجلاء حوالي خمسين من مواطنيها من تونس. وأوضحت الرئاسة الغينية بأن وزير خارجيتها موريساندا كوياتي، توجه إلى تونس “بشكل عاجل لمساعدة الغينيين”.
بالموازاة مع ذلك، لجأ ما يقرب من مئة من المهاجرين من ساحل العاج ومالي إلى مقري سفارتيهما في تونس أين تم التكفل بهم بشكل عاجل تمهيدا لترحيلهم خلال أيام. ومن المقرر أن تبرمج باماكو رحلة تقل 150 مهاجرا السبت وفقا لدبلوماسي مالي.
- دول أفريقية تجلي رعاياها من تونس
واعتبرت مالي بأن “العنف الجسدي وإخلاء المباني ومصادرة الممتلكات، مشاهد غير مقبولة” يتعرض لها المهاجرون الماليون في تونس، خلال جلسة في باماكو ضمت دبلوماسيين من البلدين.
وأعلنت ساحل العاج الأربعاء أنها بدأت إجراءات لإجلاء نحو 500 شخص. وقال المتحدث باسم الحكومة العاجية أمادو كوليبالي إن “الأمر الأكثر إلحاحا هو إنقاذ الأرواح ومنع وقوع إصابات”.
من جهة أخرى، علّق مهاجرون أمام مقر المنظمة الدولية للهجرة حبالا نشروا عليها ملابسهم، بينما شرع البعض الآخر في إعداد الطعام أمام الخيام الصغيرة التي نصبوها. وبين الفينة والأخرى يخرج موظفون من المنظمة لإحصاء المهاجرين وتسجيل أسمائهم.
وتمثل تونس نقطة عبور لآلاف المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء والذين يشاركون في محاولات هجرة غير نظامية بحرية باتجاه السواحل الأوروبية خصوصا إيطاليا. ويعيش في تونس 21466 مهاجرا من دول جنوب الصحراء بينهم طلبة، وفقا لإحصاءات رسمية في 2021.
- تونسيون يتضامنون مع الأفارقة
ويقدّر “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” وهي منظمة تهتم بملف المهاجرين أن عددهم لا يتجاوز 21 ألفا بمن فيهم الطلاب. وكان المنتدى دعا لمسيرة في 25 فيفري/شباط “للدفاع عن ضحايا “الهجمة” العنصرية التي تستهدف المهاجرين وللمطالبة باستجابة إنسانية تضمن تسوية إدارية لوضعية المهاجرين والكف عن الانتهاكات العنصرية” حسبما أعلن في منشور على فيس بوك. وجاب المتظاهرون شارع الحبيب بورقيبة حاملين لافتات مناهضة للعنصرية ضد المهاجرين.
في خضم هذه الموجة التضامنية، نشرت نجمة التنس التونسية أنس جابر الأربعاء تغريدة في تويتر، عبّرت فيها عن تضامنها مع المهاجرين في بلادها وكتبت: “اليوم هو يوم الانعدام التام للتمييز. بصفتي امرأة تونسية وعربية وأفريقية فخورة، أحتفل بحق كل فرد في العيش بكرامة”.
بدوره أعرب لاعب كرة القدم التونسي السابق راضي الجعايدي وهو من الأقلية السوداء، عن تضامنه مع المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء بتغريدة قال فيها: “أنا أفريقي، ليس لأنني ولدت في أفريقيا، بل لأن أفريقيا ولدت فيَّ”.
- “عنف وتحرش جنسي وتهجم على ذوي البشرة السوداء”
أوضح رياض بن خليفة عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بأن الاعتداءات الأخيرة ضد المهاجرين من أفارقة جنوب الصحراء في تونس: “شملت اعتداءات بالعنف اللفظي والعنف الشديد وحتى التحرش الجنسي وإن لم تتجاوز هذه الاعتداءات بعض العشرات، فإن ما هو صادم هو تغاضي السلطة عن صد المعتدين وعن معاقبة الخطاب العنصري الذي ينشر أكاذيب ويعتبر المهاجرين كجزء من مؤامرة هدفها تغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد. رغم أن الخطاب الرسمي بعث برسائل طمأنة إلا أنه في الواقع لم يعتذر ولم يشدد ملاحقة المعتدين. لدينا في تونس قانون 50/2018 الذي يجرّم العنصرية ويمكن أن يطبّق لملاحقة الخطاب العنصري أو الأشخاص الذين يتبنونه، إلا أن هناك نوعا من التراخي في تطبيق هذا القانون”.
كما قال بن خليفة: “من المهم الإشارة إلى أن عددا كبيرا أو غالبية مواطني أفريقيا جنوب الصحراء يوجدون في وضعية غير قانونية أو وضعية هشاشة، وبالتالي فإنه لا يمكن حصر الاعتداءات باعتبار أن المعتدى عليهم لا يتوجهون مباشرة إلى الشرطة أو الحرس لكي يشتكوا بالمعتدين وهذه مسألة يجب أخذها بعين الاعتبار. على أي حال، دعت بعض السفارات وكذلك جمعيات أفارقة جنوب الصحراء المواطنين من هذه المنطقة إلى البقاء في منازلهم، حتى إننا لاحظنا بأن هناك العديد من الطلبة حسب بعض البيانات لم يتوجهوا إلى الكليات خوفا من التعرض للاعتداء. لا ننسى أن هذا الخلط جعل بعض المواطنين التونسيين من ذوي البشرة السوداء يتعرضون إلى بعض التهجمات”.
للمزيد: ريبورتاج: تونس تشهد تفاقما في التمييز العنصري ضد السود وأفارقة جنوب الصحراء
ويضيف عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بأن “عدد الأفارقة من جنوب الصحراء قد تزايد في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ وهؤلاء استقروا بالأساس في بعض الأحياء في ضواحي تونس العاصمة وبعض المدن الساحلية وصفاقس. خلق وجودهم بعض المشاكل على اعتبار أن التونسيين غير متعودين على وجود أفارقة بهذا العدد في أحيائهم. كذلك هناك بعض الاستفزازات من بعض المهاجرين الذين هم منخرطون في شبكات إجرامية، ما ساهم في انتشار الخطاب التحريضي ضد المهاجرين بشكل عام حتى ولو كانوا في الواقع أقلية. ساهم تراخي الدولة عن مراقبة الخطاب الإعلامي المحرّض على الأفارقة وكذلك الخطاب الرسمي الذي أعطى غطاء للعنصريين في تنامي الاعتداءات. من الخطير جدا انتشار فيديوهات للعنصريين ركّبها دعاة الخطاب التحريضي لشرعنة وترويج فكرة المؤامرة”.
- “مؤامرة دولية ضد تونس في مخيّلة المعتدين”
يذكّر رياض بن خليفة: “المهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء يلقون نفس المصير في تونس كما في بعض الدول المغاربية مثل ليبيا حيث عادت العبودية فيما يشمل الاتجار بالبشر في كل دول المنطقة من خلال شبكات دولية عابرة للقارات. نعرف أن السياسة الأمنية الخاصة بالهجرة غير النظامية والتي تتبناها المغرب والجزائر وتونس وليبيا هي في اتساق مع سياسة الاتحاد الأوروبي، هذه الوضعية يمكن أن تعود بالوبال على المهاجرين، ولا ننسى أن التشريعات المتعلقة بالهجرة واللجوء لدول المنطقة لا تزال متأخرة ولا تراعي حقوق الإنسان حتى وإن لاحظنا مجهودات في المغرب لكن يجب العمل على مستوى التشريعات على منظومة حقوق الإنسان والتعاطي الإنساني مع هؤلاء”.
كما يرى بن خليفة: “لا يبدو أن التونسيين واعون بأن هناك تواجدا لمواطنين تونسيين في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، باعتبار أن في مخيلة التونسي، تتم الهجرة نحو أوروبا ونحو بلدان الخليج وبنسبة أقل نحو بلدان أمريكا الشمالية، لذلك فإن من قاموا بالتهجم على المهاجرين لا تهمهم ردّات الفعل وليسوا واعين حتى بالانعكاسات السلبية على التعاون الدولي والدبلوماسي وصورة تونس في الخارج. بالنسبة لهم المسألة الجوهرية هي أنه يجب الوقوف بوجه المؤامرة الدولية الموجودة في خيالهم”.
- “حكومة بودن ونظام سعيّد يتحملان المسؤولية”
من جانبه، يرى علي عبد اللطيف اللافي الخبير المختص بالشؤون المغاربية والأفريقية بأن “التجاوزات موجودة ولكنها لا تعبّر عن رؤية التونسيين كشعب وأيضا عن تسامحهم التاريخي مع كل من تعايش معهم. حجم التجاوزات ضعيف جدا مقارنة مع عدد الأفارقة الموجودين ولا يمكن إخراجها من سياقها الذي تمت فيه بناء على ما حدث في الأيام الأخيرة. كثير من التونسيين حموا الأفارقة من بعض المتجاوزين كما أن المجتمع المدني والدولة دعوا إلى متابعة من ارتكب التجاوزات. الجمعة الماضي تحرك المجتمع المدني في مظاهرة رفعت فيها اللافتات والشعارات” الداعمة للأفارقة.
للمزيد: تونس: تنديد حقوقي بـ”خطاب الكراهية” ضد المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء
وقال اللافي إن السلطة القائمة في تونس تتحمل مسؤولية ما يحدث اليوم من تجاوزات بحق الأفارقة، مضيفا: “حكومة بودن ونظام الرئيس سعيّد هما من يتحملها ويجب عليهما معالجتها. كان بإمكان المؤسسة الأمنية أن تحمي الأمن القومي وتحمي الأفارقة وبالتالي كان يجب معالجة الموضوع بتأنٍّ وروية ومرحلية. الأكيد أن رئيس الجمهورية لم يقصد الإساءة إلى الأفارقة”. وأوضح محدثنا: “نرجو ألا تقع أية ردود أفعال وعلى وزير الخارجية أن يسارع لوضع استراتيجية لإفهام الدول الأفريقية ما تمّ وطبيعة الوقائع وبأن تونس لا يمكن أن تكون مثل أوروبا بما يعني أن ليس لها سياسات أو قدرات للتعامل مع الوضع بحيث يكون مثاليا” بالنسبة للمهاجرين الأفارقة.
- “جرحى في المستشفيات ومخاوف من الخروج”
من جانبه، يرى إبراهيم كانتي الأستاذ بكلية العلوم الإدارية والسياسية في جامعة باماكو: “كثيرة هي التجاوزات التي ارتكبت في حق المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء في تونس لأن هناك أشخاص أصيبوا بجروح بينهم من هم في المستشفيات حاليا. لدي تواصل مع عدة أشخاص بلغوني بكل ما يحصل مثل الطلبة الذين لديهم إقامة قانونية وهم خائفون من الخروج لشراء الحاجيات من المحلات أو الذهاب إلى الجامعة، لديهم مخاوف من مجموعات ضد المهاجرين هناك. لهذه الأسباب، نرى أن غينيا حاولت إرجاع مواطنيها من تونس. على منصات التواصل الاجتماعي يقال إن هناك مليون ونصف مهاجر غير شرعي في تونس وهذا غير صحيح، حيث إن المعلومات الرسمية للمنظمات ترجح وجود ما بين 18 ألف إلى 25 ألف مهاجر في تونس”.
كما قال كانتي: “المسؤول الأول عما يحدث في تونس هو الرئيس التونسي لأنه هو من قال إن المهاجرين جاؤوا لتغيير النسيج الديمغرافي والإقامة الأبدية هناك، رغم أن تونس هي مجرد دولة عبور نحو أوروبا ولا أحد من المهاجرين يريد أن يبقى فيها للأسباب الاقتصادية نفسها التي تدفع التونسيين إلى الهجرة بدورهم. قيس سعيّد إذن هو مسؤول بالدرجة الأولى. أما المسؤول الثاني فهو الجانب الأوروبي الذي يتفاوض مع هذه الدول ودفع مبالغ لمنع المهاجرين من العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط، فهم سبب إبقاء هؤلاء المهاجرين في تونس. المسؤولية الأخيرة تقع على عائق الدول الأصلية للمهاجرين مثل مالي، غينيا، السنغال، النيجر، نيجيريا والكاميرون، لأنها لم تتحمل مسؤوليتها لتوفير فرص العمل لشبابها”.
كما قال الأستاذ بكلية العلوم الإدارية والسياسية في جامعة باماكو: “لا أعتقد أن المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء سيلقون نفس المصير في باقي دول المنطقة، لأن السياسات هي مختلفة داخل هذه الدول. لو أخذنا مصر والمغرب مثلا نرى أن سياستهم تجاه الهجرة مختلفة تماما عن ليبيا وتونس، الجزائر لها أيضا سياسة خاصة. تونس تشهد أول مرة مثل هذه الحوادث في ظل حكم قيس سعيّد وهو وضع سيستمر لأنه أظهر أنه ضد المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء وضد كل ما يتعلق بالتطور والتقدم والتكامل الأفريقي نفسه”.
- “الوضع في تونس أسوأ من في ليبيا لأن الكلام صدر عن الرئيس”
وأضاف إبراهيم كانتي: “في بعض الدول الأفريقية مثل مالي هناك تونسيون، في النيجر أيضا، هل أدلى الرئيس المالي بتصريحات تقول إن التونسيين في بلاده هم هناك لتغيير النسيج الديمغرافي؟ لا أبدا، لأنه يعرف أن تونس هي من الدول الأفريقية ويحق لكل مواطن منها أن يتواجد في بلاده حتى لو دخل بطريقة غير شرعية. نتفهم حالة ليبيا بسبب الأزمة الموجودة هناك وعدم الاستقرار الأمني والسياسي رغم أن هناك أمور غير مقبولة إنسانيا مثل العبودية، أما الوضع في تونس فهو أسوأ منه في ليبيا لأن هذا الكلام صادر عن رئيس الدولة فماذا عن بقية أفراد الشعب ونخص الفئة العنصرية وليس كافة التونسيين حتى إننا رأينا خروج مظاهرات مناهضة لكلام الرئيس والاعتداء على المهاجرين الأفارقة”.
هذا، واعتبر الناشط الحقوقي منير الأمين عباس بأن “الاعتداءات ضد المهاجرين في تونس غير مقبولة بتاتا وهي انتهاك لحقوق الإنسان والمهاجرين، الذين هم في الأصل ضحايا بلدانهم بسبب فشل حكوماتهم في توفير الأساسيات لهم. كما أنهم يتواجدون في تونس فقط لأنها من بلدان العبور للوصول على متن قوارب الموت إلى أوروبا. الاعتداء عليهم غير مسموح. أعطت تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد حافزا لبعض المواطنين لعدم قبول المهاجرين ما أثار موجة رعب إثر اعتداءات ضد المهاجرين وهذا شي خطير جدا وممكن أن يتطور الوضع إلى ما هو أسوء”.
فرانس24
مصدر الخبر
للمزيد Facebook