المسيحيون يسألون نوابهم…فهل من يجيب؟
مَن استمع أمس الأول، ومن على منبر مجلس النواب، إلى كل من رئيس “التيار الوطني الحر” السيد جبران باسيل ورئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميل ونائب رئيس حزب “القوات اللبنانية” النائب جورج عدوان، اعتقد للوهلة الأولى أن “الشباب” اتفقوا على وضع حدّ لحال الفراغ، التي تعيشها البلاد منذ شهر تشرين الثاني الماضي، وأنهم توافقوا على اسم رئيس الجمهورية، بعدما توافقوا على أن يحمل مواصفات محدّدة يمكن أن تؤهله في مرحلة لاحقة لأن يضع، وبالتعاون مع جميع مكونات الوطن، قطار الحلول الممكنة على سكته الصحيحة.
واعتقد السامعون، عن حسن نية وقلب طيّب”، أن مسعى البطريرك الماروني قد فعل فعله وأثمر ما لم يكن متوقعًا، وأن زمن الاعاجيب لا تزال مفاعيله ممكنة.
ولكن تبيّن للسامعين أن “الشباب” لم يتفقوا سوى على أمر واحد وحيد، وهو مجاراة “ملك التعطيل” في ما يسعى إليه، فكانت الآراء الثلاثية الأبعاد متقاربة إلى حدّ لم يكن في مقدور السامعين التمييز بين هذا وذاك.
لو أردنا أن نجري عملية حسابية دقيقة لأمكننا التوصل إلى نتيجة أكيدة، وهي أن الانتخابات النيابية الأخيرة قد أفرزت ما نسبته 80 في المئة من أصوات المسيحيين لكل من “القوات اللبنانية” (19 نائبًا) و”التيار الوطني الحر” (18 نائبًا) وحزب “الكتائب اللبنانية” (4 نواب)، أي ما مجموعه 41 نائبًا من أصل 64 نائبًا مسيحيًا. وهذا يعني أن في مقدور هؤلاء النواب الـ 41، الذين يمثّلون ثلثي المسيحيين، متى اتفقوا، مع نواب “اللقاء الديمقراطي وعدد من نواب “التغيير” ونواب مستقلين من مختلف الطوائف، وبالأخصّ من الطائفة السنّية، أن يشكلوا أكثرية قادرة على فرض رئيس جديد للبلاد بمواصفات جامعة وموحدّة، ولا تكون مستفزة لأي مكوّن من مكونات المجتمع اللبناني.
إنه حلم من أحلام ليالي ألف ليلة وليلة لن يتحقّق. وقد تكون عملية مزج الماء بالزيت أسهل من جمع ما لا يُجمع في السياسة، وإن كان البعض يعتقد أن لا عدوات دائمة في السياسة، وأن المصالح يمكن أن تفعل فعلها أكثر من أي شيء آخر، حتى وإن ظنّ البعض أن الزمن لم يعد زمن الاعاجيب.
ما يباعد بين “القوات” و”الكتائب” وآخرين من محور “السيادة والاستقلال” وما بين “التيار الوطني الحر” أكثر بكثير مما يخطر على البال. الفرق شاسع كذاك الفرق بين النور والعتمة، من دون أن نقصد الإضاءة على من يمشي في النور ومن يمشي في الظلمة.
ولأن انتخاب رئيس للجمهورية هو من مسؤولية المسيحيين أولًا، وإن كان يُفترض أن يكون لجميع اللبنانيين، فإن تحميل قياداتهم مسؤولية تعطيل المسار الانتخابي بما يتوافق مع مبادئ المنطق العام السليم ليس تجنّيًا أو تحاملًا أو افتراء، بل واقع يجب البوح به جهارة ومن دون مواربة، ومن دون قفازات مخملية.
المسؤولية المسيحية في عدم انتخاب رئيس للجمهورية هي مسؤولية مضاعفة، وهذا لا يعني إعفاء الآخرين من هذه المسؤولية، لأن لغة التعطيل باتت سمة من سمات المرحلة الراهنة، التي تختلط فيها المصالح الداخلية مع بعض المصالح الخارجية، وما ينتج عنها من تسويات ومساومات وأنصاف الحلول، فيما المطلوب من النواب المسيحيين قبل غيرهم شيء واحد، وهو انتخاب رئيس نرى أن صفة “المنقذ” تنطبق عليه في هذه المرحلة أكثر من أي صفات أخرى.
فلهؤلاء، أي النواب المسيحيين ومن خلفهم قياداتهم، يقول الناس: كفى تعطيلًا. وكفاكم أن تقفوا مكتوفي الأيدي تتفرجون علينا نجوع ونُذًّل. كفاكم الاكتفاء بعدّ العصي، التي تنهال على الرؤوس من كل حدب وصوب.
الناس انتخبتكم لكي تقوموا بواجباتكم الدستورية، وعلى رأسها انتخاب رئيس للجمهورية. الا يعني لكم شيئًا ما كان يُقال في السرّ وبدأ يُقال في العلن، وهو أن ميشال عون كان آخر رئيس ماروني للجمهورية اللبنانية؟
مصدر الخبر
للمزيد Facebook