آخر الأخبارأخبار دولية

حملة اعتقالات واعتداءات متكررة ضد مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء تعمّق كره الأجانب

نشرت في: 23/02/2023 – 16:29

من حملات تحقق من الهوية على أساس لون البشرة واعتقالات عشوائية وصولا إلى غياب المساعدة القضائية، يجد مجتمع مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء نفسه مستهدفا في تونس منذ بداية شباط/فبراير ويصل عددهم إلى عشرات الآلاف. وتحول شعور الريبة منهم شيئا فشيئا إلى خطاب معادٍ للأجانب على وسائل التواصل الاجتماعي زادت من حدتها التصريحات الأخيرة لرئيس البلاد قيس سعيّد الذي رأي فيهم تهديدا لـ”التركيبة الديموغرافية لتونس”.

اعتقلت السلطات التونسية أكثر من 300 مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء بينهم طلاب جامعيون وأطفال في عدة مدن بين يومي 14 و16 شباط/فبراير الجاري.

وفي 16 شباط/فبراير، في الضواحي الغربية للعاصمة التونسية، تم اقتياد العاملين في حضانة أطفال يديرها زوجان من ساحل العاج، إضافة إلى آباء جاؤوا لأخذ أطفالهم، ونقلهم جميعا إلى مركز الشرطة للتأكد من امتلاكهم لوثائق إقامة، حسب تأكيد وسيلة الإعلام “راديو فرنكفون ليبر Radio Libre Francophone” والتي يوجد مقرها في تونس. وعلى الرغم تسليم بعض الأطفال إلى أقاربهم أو إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (HCR) فإن كثيرا من القصر نقلوا إلى مركز اجتماعي مخصص للأطفال في الضاحية الغربية بمنوبة.

{{ scope.counterText }}

{{ scope.legend }}

© {{ scope.credits }}

{{ scope.counterText }}

من جانبه، ألقى الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي الثلاثاء 21 شباط/ فبراير، بكلمة أكد فيها أن المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء “يمثلون مصدرا للجريمة والانحراف” ما زاد الطين بلة بشأن وضعهم في البلاد.

«صعب بل صعب جدا أن تحصل على بطاقة إقامة في تونس»

ميلفين (اسم مستعار) هو مسؤول في إحدى الجمعيات في تونس. ويوضح أن الحصول على وثيقة إقامة في تونس بالنسبة إلى الأجانب أمر بالغ التعقيد وذو كلفة باهظة:

معظم مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء كانوا ينتظرون خطابا يهدئ الأجواء ولكن كلام الرئيس كان صادما. كنا ننتظر إعلانا عن تسوية وضعية واسعة لأوضاع المهاجرين ما سيمكنهم من العودة إلى ديارهم.

لا أحد يريد البقاء على هذه الأراضي بطريقة غير قانونية، ولكن من الصعب، بل من الصعب جدا الحصول على بطاقة إقامة في تونس [فريق التحرير: بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة 60 بالمئة من الطلاب والمتدربين الأجانب لا يملكون وثائق إقامة قانونية]. أعرف الكثير من الطلاب الذين لا يملكون وثائق إقامة على الرغم من أنهم يرتادون جامعات خاصة تكلفهم أكثر من 3000 يورو في السنة. عند دخولهم الأراضي التونسية، يسمح لهم الإقامة لمدة 3 أشهر، وبعد هذا التاريخ، يجب عليهم دفع 80 دينارا كل شهر لو تجاوزوا مدة الإقامة المسموح بها. ومع الوضع الهش الذي يعاني منه المهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء، كيف لنا أن ندفع هذه الأموال، دون حسبان التكاليف الشهرية واليومية؟

منذ ذلك الحين، يراكم المهاجرون الغرامات المالية بسبب عدم تمكينهم من وثائق إقامة. وهو ما يجعل المهاجرين يفضلون محاولة فرصة الوصول إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.

@birdmansacko ♬ son original – Birdman Sacko

مقطع فيديو لمهاجر غيني تم تصويره في ميناء صفاقس (شرق). ويعبر مصور الفيديو وصديقه عن أملهما في الوصول سالمين إلى إيطاليا أو إلى فرنسا.

في 20 شباط/ فبراير، تم إيقاف نحو 30 مهاجرا من أفريقيا جنوب الصحراء في منطقة الوطن القبلي (شمال شرق) على وقع حملة أمنية تستهدف التحقق من وثائق إقامة مهاجرين من جنوب القارة، حسب تأكيد إذاعة موازييك أف أم المحلية. وتواصلت الحملة إلى غاية صباح يوم 22 شباط/فبراير في مدينة القصرين حيث تم اعتقال 35 شخصا مشتبها في إقامتهم بطريقة غير قانونية وتم الاحتفاظ بهم تحت التحقيق.

وبالرغم من أن تونس في معظم الأحيان تعد منطقة عبور للمهاجرين الأفارقة في اتجاه أوروبا، إلا أن 21466 مهاجرا من أفريقيا جنوب الصحراء يعيشون في تونس منذ سنة 2021 حسب المعهد الوطني للإحصاء، وهو رقم يعتبره المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وهي منظمة غير حكومية مهتمة بقضايا الهجرة، إضافة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، أقل بكثير من العدد الحقيقي للأفارقة من جنوب الصحراء الذي يعيشون في تونس في الوقت الراهن.

«لم نحصل على أخبار عن الأمهات، ما الذي حصل مع القاضي؟ لأي سبب تم إيقافهن؟»

داوود (اسم مستعار) مواطن من إحدى دول أفريقيا جنوب الصحراء ويعيش في صفاقس العاصمة الاقتصادية للبلاد، منذ بعض سنوات. في 14 شباط/فبراير، لم يحصل عن أي أنباء عن اثنتين من مواطناته، مقيمتين في العاصمة تونس وذلك بعد خروجهن لقضاء شؤونهم. فاتصل بصديق يعيش في نفس الحي لكنه لم يتلق أي رد:

الجو مليء بالكراهية في العاصمة تونس وخصوصا في حيهم، أردت الاطمئنان على سلامتهم. اتصلت بعشرات الأشخاص الذين من المحتمل أنهم يعرفون مصيرهم، وفي النهاية، أعلمني أحدهم في صباح 15 شباط/ فبراير أنه تم اعتقال المرأتين في منطقة رواد إضافة إلى صديقنا الذي تم اعتقاله في مقهى الحي بدوره. وبقيت بنتاهما اللتان لم يتجاوز عمرهما السنتين لوحدهما في البيت طيلة الليل. هذا غير إنساني أن نترك رضعا لمصيرهم بمثل هذه الطريقة.

عائلة من المهاجرين من ساحل العاج، بينهم أمّان (باللون الأحمر) تم اعتقالهم في 14 شباط/فبراير في ضاحية رواد شمال العاصمة تونس. صورة أرسلها مراقبنا داوود

وعن بعد، سعى داوود بكل إمكاناته في المقام الأول لإنقاذ البنتين العالقين. وبمساعدة مؤجر البناية، تمكنت إحدى مواطناته المقيمات في العاصمة التونسية من دخول الشقة من خلال كسر النافذة.

لقد ناشدنا المشرفين على مركز الشرطة إطلاق سراح الأمّين، ولكن محكمة أريانة أبلغتنا أن المرأتين يجب أن تقضيا عقوبة بسبب إقامتهما بطريقة غير قانونية. وفي النهاية، تم تسليم البنتين إلى مكان آمن تحت إدارة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وفي الوقت الراهن، لم نحصل عن أي معلومات جديدة بشأن أميهما: هل تم عرضهما على القضاء؟ ما هو سبب إيقافهما؟ في حالات أخرى، اضطر أولياء لتوكيل محام لاسترجاع أبنائهم الذين تم إيداعهم في مركز احتجاز مؤقت. وحسب المعلومات التي حصلنا عليها، تم وضع أطفال في مركز اجتماعي مخصص للغرض دون منح أهلهم حق النفاذ إليهم.

وانتقدت منظمات تونسية، في بيان مشترك، حملة الاعتقالات العشوائية والمصحوبة بخطاب “خطير يدعو إلى الكراهية تجاه المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء” إضافة إلى التحقق من الهوية على أساس لون البشرة وغياب المرافقة القضائية. ودعت هذه الجمعيات السلطات إلى إطلاق سراح الأشخاص المعتقلين ووضع حد لهذه “الاعتقالات العشوائية الممنهجة”.

في هذا المناخ المشوب بالشك، لا يتوانى بعض التونسيين عن شتم أو حتى الاعتداء على مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء.

امرأة من ساحل العاج، وقد سال الدم من رأسها، في 14 شباط/ فبراير في أحد أحياء صفاقس (وسط شرقي). وتؤكد جمعيات من ساحل العاج في تونس أنها تعرضت لاعتداء من طرف شبان نراهم في مقطع الفيديو.

امرأة من ساحل العاج، وقد سال الدم من رأسها، في 14 شباط/ فبراير في أحد أحياء صفاقس (وسط شرقي). وتؤكد جمعيات من ساحل العاج في تونس أنها تعرضت لاعتداء من طرف شبان نراهم في مقطع الفيديو. صور شاشة/ Maghreb Ivoire TV.

“يكفي أن ترصد الشرطة رعايا من أفريقيا جنوب الصحراء حتى تعتقلهم آليّا في الشوارع وفي وسائل النقل أو حتى في أماكن العمل”

ويردف داوود قائلا:

في الأحياء التي يقيم بها مهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء، توجد باستمرار تجمعات لشباب تونسيين بالضبط تحت البيوت التي يعيش فيها المهاجرون. نصحت شابة من معارفي بأن تغير مقر سكنها حتى أكون مطمئنا على سلامتها. يكفي أن ترصد الشرطة رعايا من أفريقيا جنوب الصحراء حتى تعتقلهم آليّا، في الشوارع وفي وسائل النقل أو حتى في أماكن العمل. وحتى لمغادرة تونس، فإن ذلك مستحيل دون أن يتثبتوا من أوراقك.

“ألاحظ رهابا متصاعدا ضد السود في تونس”

من جهته، يقود الحزب القومي التونسي، الذي تم تأسيسه في 2018، حملة “توعية” في الأحياء في العاصمة وصفاقس حيث يتواجد عدد كبير من المهاجرين من أفريقيا جنوب صحراء والذين يصفهم “بالغزو الأجصي” (“أجص” تجميع للحروف الأولى من كلمات عبارة أفريقيا جنوب الصحراء).

منشورات على فيس بوك تحث التونسيين على عدم تأجير بيوت للأفارقة من جنوب الصحراء وعدم تشغيلهم، ونعثر على هذه الرسائل التي تحمل كراهية للأجانب إضافة إلى محادثات بين متعاطفين يحاولون "مساعدتهم [الحزب]على مستوى محلي".

منشورات على فيس بوك تحث التونسيين على عدم تأجير بيوت للأفارقة من جنوب الصحراء وعدم تشغيلهم، ونعثر على هذه الرسائل التي تحمل كراهية للأجانب إضافة إلى محادثات بين متعاطفين يحاولون “مساعدتهم [الحزب]على مستوى محلي”. مراقبون

وتعتمد دعاية الحزب على مصطلح “الاستبدال الكبير” الذي تم الاستئناس به من نظريات مؤامرة صادرة عن اليمين الفرنسي المتطرف.

عريضة أطلقها الحزب القومي التونسي في شهر كانون الثاني/يناير 2023، وتدعو إلى سن نصوص قانونية متعلقة بالهجرة وأخرى ضد التمييز العنصري في تونس إضافة إلى المطالبة بفرض تأشيرات على رعايا دول أفريقيا جنوب الصحراء. وقد جمعت هذه العريضة أكثر من ألف توقيع إلى حد اليوم.

عريضة أطلقها الحزب القومي التونسي في شهر كانون الثاني/يناير 2023، وتدعو إلى سن نصوص قانونية متعلقة بالهجرة وأخرى ضد التمييز العنصري في تونس إضافة إلى المطالبة بفرض تأشيرات على رعايا دول أفريقيا جنوب الصحراء. وقد جمعت هذه العريضة أكثر من ألف توقيع إلى حد اليوم. الحزب القومي التونسي

يضيف داوود قائلا:

حملة “التوعية” الصادرة عن هذا الحزب تلعب على شعور الكراهية والازدراء تجاه الأفارقة من جنوب الصحراء. يتوجه أعضاؤها إلى المقاهي، وإلى محطات المترو أو محطات “اللواج” [النقل الحضري الجماعي بين المدن] لـ”التحسيس” (التحريض) ضد الأفارقة من جنوب الصحراء. أتفهم أن البلاد تمر بأزمة اقتصادية خانقة ولكن لم يكن وجود الأفارقة من جنوب الصحراء سببا فيها.

إيديولوجية الحزب قائمة على فكر عنصري وهذا خطير جدا حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى أعمال عنف بدفع غير مباشر من شخصيات سياسية مثل الرئيس. ألاحظ رهابا متصاعدا ضد السود في تونس. حتى في العمل، يرفض زملائي الشرب من نفس إناء الماء الذي أشرب منه.

وحاول فريق تحرير مراقبون فرانس24 الاتصال بالناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية للحصول على تعليق دون تلقي أي رد. وسنقوم بنشره حال وروده إلينا.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى