افتعل المعركة فخسرها.. هل يأخذ باسيل العبرة من جلسة الحكومة؟!
بغياب 6 وزراء فقط، عقدت جلسة الحكومة الثانية في زمن الفراغ الرئاسي، تحت عنوان “تسيير شؤون الناس”، بعيدًا عن كلّ المناكفات والمشاكسات والاصطفافات التي حاول البعض جرّها إليها، وبعيدًا أيضًا عن تلك “المعركة” التي “افتعلها” رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، والتي بات واضحًا أنّها “سياسية بامتياز”، ولو تستّرت بـ”الدستور”، فحوّل نفسه بموجبها إلى “الخاسر الأكبر”.
صحيح أنّ انعقاد جلسة الحكومة لم يكن “انتصارًا” لأحد على باسيل، تمامًا كما أنه لم يكن “تحديًا” لباسيل أو لغيره، وهي الرسالة التي حرص الرئيس نجيب ميقاتي على توجيهها للجميع قبل وأثناء وبعد التئام الحكومة، باعتبار أنّ الهدف يبقى دائمًا تحقيق مصالح المواطنين، وهي الرسالة نفسها التي وجّهها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله عشية الجلسة، حين شرح “الحيثيات” التي دفعت الحزب للمشاركة أيضًا.
لكنّ الصحيح أيضًا أنّ باسيل هو الذي “افتعل” المعركة، فحاول كسر نصابها في المرّة الأولى، ولمّا لم ينجح، سعى إلى الضرب على وتر علاقته بـ”حزب الله”، وصولاً لحد “ابتزاز” الأخير بورقة التفاهم المعقودة معه، والتلويح بـ”الطلاق” بعد “القطيعة”، إلا أنّ النتيجة كانت أنّ مروحة المقاطعين تراجعت، وجلسات الحكومة ستستمرّ، طالما أنّ “أجندتها” محصورة بملفات لا خلاف على كونها “ملحّة وطارئة”.
لا “استفزاز” لأحد
صحيح أنّ جلسة الحكومة انعقدت “رغمًا عن” رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، إن جاز التعبير، بعدما سعى بكل الوسائل لمنع التئامها بذريعة “عدم دستوريتها”، وهي الذريعة التي ينكرها معظم الخبراء القانونيين، طالما أنّ المواضيع المطروحة على جدول أعمالها “ملحّة وضروريّة”، إلا أنّ أحدًا ممّن شاركوا فيه أراد “تحدّي أو استفزاز” باسيل أو غيره، وفق ما يؤكد العارفون.
وإذا كان رئيس الحكومة أكّد على فكرة “عدم التحدّي” هذه في مداخلته خلال الجلسة وفي كلمته للصحافيين بعدها، فإنّ المتابعين يشيرون إلى أنّ “المكتوب يُقرَأ من عنوانه”، فعنوان الجلسة كان ملف الكهرباء الضاغط على جميع المواطنين، وبالتالي فإنّ الجلسة بحدّ ذاتها لم يكن يفترض أن تستفزّ أحدًا، من حيث المبدأ، خصوصًا أنّ جميع اللبنانيين يعانون من أزمة الكهرباء، بمعزل عن انتماءاتهم السياسية المتنوّعة.
ولعلّ فكرة “عدم التحدّي” نفسها حرص عليها “حزب الله”، الذي تعمّد أمينه العام السيد حسن نصر الله أن يشرح بالتفصيل موقفه عشيّة الجلسة، تفاديًا لأيّ “سوء تفاهم” يمكن أن يحصل كما في الجلسة الأولى، حين شكّك باسيل بـ”وفاء الصادقين”، وحاول “تحييد” السيد نصر الله عن هجومه، علمًا أنّ ما قاله الأخير في خطابه يندرج في إطار “حسن النوايا”، خصوصًا حين تحدّث عن “تبعات” عدم مشاركته في الجلسة بشكل كامل.
هل يتلقّف “التيار” الرسالة؟
بالنسبة إلى موقف “التيار الوطني الحر”، وردّه على الجلسة، تتفاوت وجهات النظر، ولو أنّ أوساط “التيار” استبقت الجلسة لتجزم أنّه “غير متفهّم” لكلّ الأسباب الموجبة لعقدها، ولتجدّد الحديث عن أنّها تشكّل “ضربًا للشراكة وخرقًا للميثاقية”، بل إنّ باسيل ذهب لحدّ القول إنّ تداعياتها ستتجاوز منطق “ضرب التفاهمات”، وهو ما اعتُبِر رسالة مباشرة إلى “حزب الله”، وتهديدًا مبطنًا بفكّ التحالف بالمطلق معه.
ورغم أنّ أوساط “التيار” ذهبت لحدّ رفع شعار “ما بعد الجلسة لن يكون كما قبلها”، يرى كثيرون أنّ تعامله معها سيكون “أكثر مرونة” من أدائه بعد الجلسة الأولى التي عقدت قبل أسابيع، خصوصًا في ظلّ أصوات داخله تدعو إلى “تليين الموقف”، وإعادة العلاقة مع “حزب الله” خصوصًا إلى الصراط المستقيم، خصوصًا بعدما أدرك أنّ الكرة ما عادت في ملعبه، وأنّ “نصاب” الجلسة بات مؤمّنًا بسهولة، ما يعني أنّه يغرّد وحيدًا في فكرة “المقاطعة”.
وبانتظار نضوج موقف “التيار” العملي بصورة واضحة في القادم من الأيام، يرى العارفون أنّ المطلوب من باسيل أن يأخذ “العبرة” هذه المرّة، كما لم يفعل في السابق، لأنّ مصلحة “التيار” بالدرجة الأولى تقتضي الانفتاح على الآخرين، لا “القطيعة” مع الجميع، خصوصًا في ضوء الاستحقاقات الداهمة، وعلى رأسها انتخابات الرئاسة، التي يعرف القاصي والداني أنّها تشكّل أصلاً “بيت قصيد” مشكلة باسيل مع “حزب الله”، رغم كلّ ما يحكى بخلاف ذلك.
يُلام باسيل لأنه أعطى جلسة الحكومة أكثر من حجمها، ليصبح مجرد انعقادها برأي كثيرين بمثابة “هزيمة” له، في حين أنّ المطلوب أن تُعطى هذه الأهمية للملفات “الملحّة” التي تبحثها الحكومة، وبالتالي أن تتضافر الجهود لتمرير المرحلة بالتي هي حسن، ومن دون تداعيات سلبية على المواطنين، خصوصًا أنّهم ليسوا من يتحمّل مسؤولية استمرار الفراغ إلى ما شاء الله، وبموافقة ضمنية من باسيل قبل غيره!
مصدر الخبر
للمزيد Facebook