الى صاحب الغبطة: ليكن كلامكم نعم نعم أو لا لا
لافتا جدا كان بيان مجلس المطارنة الموارنة أمس بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء، وعشية الجلسة النيابية الحادية عشرة لانتخاب رئيس الجمهورية.
وإذ اكتفى المجلس بالتعبير عن التخوف “من ترحيل انتخابِ رئيسٍ جديد للبلاد “، وكرر مطالبة المجلس النيابي “بتحمُّل مسؤولياته على هذا الصعيد، والمُسارَعة إلى بت هذا الاستحقاق الدستوري الأساسيّ”، فانه اعتبر” انه لا يحقّ لرئيس الحكومة المستقيلة أن يدعو المجلس للإنعقاد من دون موافقة الوزراء، ولا يحقّ له أن يصدر مراسيم ويوقّعها من دون توقيع جميع الوزراء، عملًا بالمادّة 62 من الدستور”. ودعا الى “العودة إلى الإجتهاد الدستوريّ من أجل تحديد الإطار القانونيّ “لتصريف الأعمال العاديّة و”الأعمال المهمّة” و”حالات الطوارئ”، منعًا لخلافات البلادُ بغنىً عنها“.
مع كل الاحترام لمجلس المطارنة الموارنة ولما تمثله البطريركية المارونية وطنيا وروحيا، الا انه ينبغي وضع النقاط على حروف هذا الموقف في اتجاهين، رئاسي وحكومي، والتوجه مباشرة الى سيد الصرح صاحب الغبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
صاحب الغبطة
إن المشكلة الاساسية في الموضوع الرئاسي مارونية بامتياز، وتتحمل مسؤوليتها القيادات المارونية المتخاصمة كافة والمنقسمة على نفسها، مما يحول دون التوافق على موقف موّحد يدفع بالانتخابات الرئاسية قدما.
واذا كنت، يا صاحب الغبطة، تمتنع حتى اللحظة عن اطلاق مبادرة لجمع القيادات المارونية مجددا تحت سقف بكركي، منعا لتكرار تجربتك المرة والمكررة معهم، فان الاولى ان يكون كلامك الرئاسي محدد الاهداف وفي الاتجاه الدقيق للازمة.
أليس ملفتا يا صاحب الغبطة إن حاملي “لواء الدفاع عن حقوق المسيحيين” هم أنفسهم يتسببون للمرة الثانية على التوالي بالفراغ الرئاسي. ومع ذلك يكتفون بتكرار الشعارات التي لم تعد تنطلي على أحد، وهم انفسهم من سيمتنعون اليوم في مجلس النواب عن تحمّل المسؤولية الفعلية في انتخاب رئيس جديد.
أليسوا هم أنفسهم، يا صاحب الغبطة، من سمعوا مباشرة، يوم عيد الميلاد، عظتك التي طالبت فيها بالكف” عن تعطيل جلسات انتخاب الرئيس”، ثم وقفوا الى جانبك في صالون الصرح، بلا حياء، يستقبلون المهنئين بالعيد ويبتسمون. هل من وقاحة أكثر من ذلك وهل من استخفاف بعقول الشعب أكثر من هذا التصرف؟ وكم تمنى المسيحيون المقهورون في حياتهم وواقعهم في تلك اللحظة ان ترفع في وجههم السوط وتطردهم، على غرار ما فعل السيد المسيح، من الهيكل حتى يرتدعوا.
العموميات يا صاحب الغبطة لم تعد تنفع، فسمِهم بالاسم وضَعهم جميعا امام مسؤولياتهم المباشرة.
صاحب الغبطة
في الملف الحكومي، أطلقتم حمم المطارنة الموارنة بكلام حتما سيكون مثار جدل كبير وسيفتح الباب أمام انقسامات سياسية وطائفية لا تُحمد عقباها، اذا لم تتم معالجتها من قبلكم سريعا. فمن الذي أقنعكم بتحويل المطارنة الموارنة الى فقهاء دستوريين وفق ما يناسب مصالح البعض السياسية؟ وهل دور بكركي أن تطلق شرارة حرب التفسيرات الدستورية التي ستفتح “أبواب جهنم” على الجميع وستستتبع حتما بردات فعل مقابلة وتفسيرات دستورية مضادة، او مطالبات بتعديلات دستورية، في مرحلة يحتاج فيها البلد الى توافق.
واين قرأ مجلس المطارنة أن عقد جلسة يحتاج الى موافقة ٢٤ وزيرا ؟ هل في كتاب “الفقيه الدستوري” على علو ٣٠ الف متر ؟ أوليس قرب مجلس المطارنة احد يفهم فعلا بالدستور لينصح بعدم الدخول في هذه المتاهة؟
والسؤال الاهم يا صاحب الغبطة، لقد زارك دولة رئيس الحكومة فور بدء مرحلة الشغور الرئاسي في الديمان بعيدا من الاضواء وعقد معك خلوة مطولة، ثم زارك مرتين في بكركي. وفي اللقاءات الثلاث كنت متفاهما معه على مجمل النقاط المطروحة وعلى خارطة طريق للمرحلة الصعبة التي يمر بها البلد، وشددت على اولوية معالجة قضايا الناس والمطالب الملحة، فما الذي تغيّر يا صاحب الغبطة حتى” يُرجم” الرجل الذي يحمل كرة النار بين يديه لقيادة البلد في اصعب مرحلة وفي ظل شغور رئاسي، لا هو ولا حكومته مسؤولين عنه؟ وهل، من خلال هذا الموقف، تطالبون بشل العمل الحكومي نهائيا؟ ولماذا تحوّل رئيس الحكومة “الوطني المعتدل والمؤمن” كما كنتم تعبرون دوما، فجأة الى “مخالف للدستور” تحذرونه وتحملونه امرا ليس هو مسؤولا عنه.
يا صاحب الغبطة
لقد قال السيد المسيح” ليكن كلامكم نعم نعم او لا لا وما عدا ذلك فهو من الشرير”، ولم يقل ابدا ” لكل مقام مقال“.
ولذلك نقول إن التباكي على الفراغ في سدة الرئاسة وفي المناصب المارونية خصوصًا والمسيحية عمومًا ورمي المسؤولية على الاخرين، لم يعد يفيد.
مسؤوليتكم يا صاحب الغبطة أن تقودوا عملا صارما لوضع الموارنة اولا امام مسؤولياتهم وان يتخلوا عن أنانياتهم، وهكذا يكون مشوار الحفاظ على هوية لبنان.
وعملا بقول السيد المسيح “مرتا مرتا انت مشغولة بأمور كثيرة والمطلوب واحد”، اطلق يا صاحب الغبطة صوتك عاليا ولتكن كلمة بكركي مدوية بالحق الذي يعلو ولا يُعلى عليه.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook