مخاوف تُحيط بأبعاد ونتائج وتداعيات زيارة وفود قضائية أوروبية الى لبنان
هذا التخوّف مُبرّر من باب أنه لا يأتي في إطار تعاون قضائي بحت كما نصّت عليه مُعاهدة مكافحة الفساد والتي وقّع عليها لبنان في الثاني والعشرين من نيسان 2009، حيث هناك إلزامية على القضاء اللبناني بتأمين وتنفيذ المطالب القضائية للدول الموقّعة على المُعاهدة بمجرّد إبراز مستندات قضائية من الدولة أو الدول صاحبة المطالب.
وبحسب المعلومات المتوافرة، فقد أخطر الوفد الأوروبي السلطات القضائية عبر القنوات الرسمية اللبنانية عن قدومه إلى لبنان لإجراء تحقيقات مع لائحة من الشخصيات المالية والمصرفية من دون تفاصيل عن تواريخ التحقيقات أو أين ستجّري أو إذا كان مسموحًا لقضاة لبنانيين بحضورها. وهو أمر إعتبره البعض خرقًا للسيادة اللبنانية بكل أبعادها.
وبفرضية أن هذا يعتبر خرقًا للسيادة الوطنية، هل يُمكن للبنان رفض إستقبال هذا الوفد؟ الجواب بالطبع نعم، لكن لهذا الرفض تداعيات سلبية هائلة لا يُمكن للبنان تحمّلها ولعل أهمّها العقوبات الأوروبية وإستطرادًا الدولية على لبنان من خلال مثلًا إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين لبنانيين سواء كانوا شخصيات سياسية أو قضائية، بالإضافة إلى عقوبات تطال منع الإستيراد من الدول الأوروبية أو دول أخرى وهو ما يجعل من لبنان الدولة الأكثر فقرًا في العالم.
الجدير ذكره أن لبنان وقّع على معاهدة مكافحة الفساد للأمم المتحدة بالإضافة إلى عشرات المعاهدات المبرمة بينه وبين الإتحاد الأوروبي والتي تفوق قوّة القانون اللبناني، وبالتالي هو مُلزم قانونًا عدم رفض التعاون.
قانونيًا، ينطلق الأوروبيون من حجّة أن جرائم مالية أُرتكبت على أراضيها من قبل مواطنيين لبنانيين، وبالتالي لها الحق في التحقيق في هذا الأمر، وبالتالي لا يُمكن للبنان رفض قدوم هذا الوفد خصوصًا أنه وبحسب المعلومات هناك رضى أميركي ضمّني، وإلا لما تجرأ الأوروبيون على أخذ هكذا خطوة.
لكن في العمق المخاوف تأتي من مكان أخر وإليكم الأسباب:
يتخوّف أيضًا البعض من أن تنسحب التحقيقات في الملف المالي لتطال التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت حيث ذهب مئات الضحايا وآلاف الجرحى ومنهم يحملون الجنسية الأوروبية على مثال زوجة السفير الهولندي في بيروت. وبالتالي فإن السماح للوفد الأوروبي بالتحقيق المالي يفتح الطريق أمام تحقيق أوروبي أخر في ملف تفجير المرفأ وهو أمر ترفضه العديد من القوى السياسية بحجّة المخاوف من تسييس التحقيق وهو ما قد يؤدّي إلى تطورات لا تُحمد عقباها!
وكتبت “نداء الوطن”: نُقلت معلومات عن مصدر قضائي تفيد بـ:”أن محققين أوروبيين سيزورون بيروت الشهر المقبل، لمتابعة التحقيق في مصادر ثروة رياض سلامة”. القرار الذي أثار حفيظة جهات قضائية باعتباره تعدّياً على السيادة اللبنانية، مشروعٌ بنسبة 100 في المئة، ولا أحد قادر على إيقافه قانونياً. فـ”لبنان انضمّ إلى معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. ويتوجّب على قضائه تبعاً لبنود المعاهدة التعاون مع الطلبات الأجنبية للمساعدة القضائية”، يقول المحامي كريم ضاهر. و”المعاهدة كما هو معلوم تسمو على القوانين الداخلية اللبنانية، بحكم المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية. وعليه لا يمكن للقضاء اللبناني التذرّع بالإستقلالية والسيادة لعرقلة التحقيق”.
يحتّم الفصل الرابع من معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وجوب تعاون القضاء اللبناني إلى أقصى حد مع القضاء الدولي، نظراً لوجود أدلة جدية تستوجب التحقيق والمتابعة. أكثر من ذلك فإن “الفقرة 8 من المادة 46 من “المعاهدة” لا تتيح للقضاء التذرّع بقانون السرّيّة المصرفية”، بحسب ضاهر. و”لا تحول هذه السرّيّة دون تمكين القضاء الأجنبي من التحقيق والاستحصال على المعلومات. لا سيما أنه بإمكان القضاء الأجنبي المولج التحقيق الطلب من القضاء اللبناني الاستحصال على المعلومات. والأخير ليس مجبراً على المرور بهيئة التحقيق الخاصة بموجب القانون الجديد 306/2022 المتعلق بالسرّيّة المصرفية. فالقضاء المختص أصبح مخوّلاً بشكل مباشر الحصول على كل المعلومات المصرفية من دون طلب الإذن من هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها الحاكم بنفسه”.
في حال لم يتعاون القضاء اللبناني، أو عمد إلى عرقلة التحقيق الدولي، فإن الدول الأجنبية تملك أكثر من طريقة للتضييق على لبنان. حيث يمكن لمجموعة الدول العشرين G20 وضع لبنان على اللائحة السوداء للدول المتّهمة بتبييض الأموال. عندها تتوقف التحاويل المصرفية، وتنعدم إمكانية فتح الاعتمادات مع المصارف المراسلة، وتتوقف عمليات استيراد أبسط السلع والخدمات من الخارج. وينعزل لبنان عن النظام المصرفي العالمي كلياً. خصوصاً أن المدّعى عليه هو رأس السلطة النقدية، وليس أي شخصية عامة ثانوية. أما في حالة اتهام النظام وشخصياته الأساسية بالفساد، فتستطيع الدول أخذ قرار على صعيد الأمم المتحدة لإدانة لبنان رسمياً وملاحقة مسؤوليه الأساسيين والمطالبة بمحاكمتهم. وهذا ما حصل في الكثير من الدول مثل ليبيربا ورواندا ويوغسلافيا… وغيرها من الدول. وعليه إن كان المسؤولون يظنون أنفسهم أذكياء بما يكفي للتحايل على النظام العالمي، فهم “يهدّدون بتحويل لبنان إلى دولة مارقة”، برأي ضاهر. و”هذا ممنوع لأنه يشكل خطراً على الدول المحيطة”.
وكتب صادق علوية في “الاخبار”: تتداول وسائل الإعلام المحلية والأجنبية تهديدات مختلفة تتراوح بين التهديد بالحجز على أموال الدولة أو ممتلكات المصرف المركزي، وذلك خلافاً للقانون الدولي. فالاتفاقيات الدولية تمنح الدول حصانات على أملاكها، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها. والفارق كبير بين الاستسلام المطلق من جهة، وبين التعاون القضائي بين الدول أو مع المنظمات الدولية. فممتلكات الدولة المنقولة وغير المنقولة، لا سيّما تلك الضرورية لتسيير شؤونها كدولة مستقلة ذات سيادة، مستثناة من أي ولاية قضائية لمحاكم الدول الأخرى.
لا يجوز لدولة أن تحتج بالحصانة من الولاية القضائية في دعوى مقامة أمام محكمة دولة أخرى في ما يتعلق بأي مسألة أو قضية، إذا كانت قد وافقت صراحة على أن تمارس المحكمة ولايتها في ما يتعلق بتلك المسألة أو القضية. كما لا يجوز لدولة أن تحتجّ بالحصانة من الولاية القضائية في دعوى مقامة أمام محكمة دولة أخرى، إذا كانت هي من أقامت تلك الدعوى أمام المحكمة الأجنبية أو تدخلت فيها أو اتخذت أي إجراء أمام ذلك القضاء الأجنبي. كما لا يحق للدولة أن تحتج بالحصانة القضائية إذا دخلت في معاملة تجارية مع شخص أجنبي طبيعي أو اعتباري، وكانت المنازعات المتعلقة بالمعاملة التجارية تقع، بمقتضى قواعد القانون الدولي الخاص الواجبة التطبيق، ضمن ولاية محكمة دولة أخرى
مصدر الخبر
للمزيد Facebook