آخر الأخبارأخبار محلية

في السجون اللبنانية: تأهيل الأحداث ليصبحوا مجرمين!

كتبت لينا فخرالدين في “الأخبار”:

يتعرض الأحداث في السجون اللبنانية لظروف نفسيّة وجسديّة غير ملائمة في مراكز إيوائهم التي يُفترض أن تعيد تأهيلهم ليكونوا عناصر فاعلة في المجتمع، لتصيح هذه المراكز “ممرات” لتأهيلهم لمزيد من الانخراط في عالم الجريمة.

يقع مركز “مبادرة” في محيط مستشفى ضهر الباشق الحكومي، وقد أسسته وزارة العدل بالتعاون مع وزارة الداخلية ومكتب الأمم المتّحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة (UNODC)، وهو يُعنى بتأهيل الفتيات المُخالفات للقانون واللواتي صدرت بحقهن مذكرات توقيف أو اتخذت محكمة الأحداث بحقهن تدابير تأديبيّة أو عقوبات مخفّضة.

أمضت “نور” أكثر من ثلاث سنوات في مبنى المركز الذي خصّص الموقع الإلكتروني التابع لوزارة العدل، لتُعدّد المرّات التي حاولت فيها الانتحار فتبيّن المأساة التي كانت تعيشها في المركز الذي دخلته قبل أن تتجاوز الـ12 عاماً، بعدما هربت من منزل جدتها لوالدها وضُبطت وهي تتعاطى المخدّرات.

الوقت يمرّ بطيئاً جداً على القاصرات في مركز “مبادرة”: الكتب والدفاتر ممنوعة في مركزٍ يقول عنه موقع وزارة العدل إنّ “البرامج التربويّة أولوية (فيه) للقاصرات اللواتي لم تتسنّ لهن فرصة الحصول على ثقافة مدرسيّة مناسبة لعمرهنّ”، وإن “هذا البرنامج من مسؤولية مدير النشاطات الاجتماعية، وهو يتمحور على مستويين أو أكثر: تعليم الأميّات، رفع المستوى المدرسي، المعلوماتيّة”.

ما تعيشه القاصرات في مركز «مبادرة» يعانيه القُصّر الذكور الموجودون في أحد الأجنحة في مبنى الأحداث في سجن رومية. يتعدّى عدد هؤلاء الـ130، بينهم عدد كبير من السوريين، ويتوزّعون على أكثر من نظارة يضم كل منها نحو 20 سجيناً ينامون في غرفٍ تتضمّن أسرّة ومرحاضاً مشتركاً يتناوبون على تنظيفه. 

 

يتعرّض هؤلاء، بحسب ما يؤكد بعضهم لـ«الأخبار»، للضرب والتعذيب. يتحدّث «سمير» (اسم مستعار) عن عسكريين «بلا رحمة ينتظرون أي خطأ لضربنا». ويوضح ابن الـ15 عاماً أنّ الخطأ «يعني وقوع أي شجار أو صراخ بين السجناء. سريعاً، يخرجنا الحراس من الغرف، ويطلبون منّا خلع ملابسنا ويرمون علينا مياهاً باردة، قبل أن ينهالوا علينا بالضرب بقساطل بلاستيكيّة».

 

أما في ما يتعلق بالمهارات التي اكتسبوها عبر البرامج التأهيليّة التي يُفترض أنهم يتلقّونها، فيؤكد أكثر من حَدَث أن «ما نتعلمه من بعضنا هو فنون السرقة والنشل وأساليب تجارة المخدّرات»! 

يتعامل القضاء اللبناني مع الأحداث وفقاً للقانون 422 الصادر عام 2002، والذي يستند إلى اتفاقيّة حقوق الطفل الصادرة (1989) التي دعت الدول إلى «تطوير قوانينها لتلبية حقوق الأحداث واحتياجاتهم ومنع تعرّضهم للخطر وتطوير قضاء الأحداث».

ورغم أنّ القانون لا يُعد الأحداث الذين يرتكبون الجرائم «مجرمين»، بل «مخالفين للقانون» وتصل العقوبة المشدّدة بحقهم إلى 15 سنة من دون تطبيق عقوبتي الإعدام أو المؤبد، إلا أن هناك ملاحظات كثيرة قدّمها قانونيون وقضاة عملوا في محاكم الأحداث لم تؤخذ في الاعتبار لتعديل القانون الذي سُنّ منذ أكثر من 20 عاماً.

المفارقة الأولى هي أنّ القضاء يُعد القاصرين بين 7 و18 عاماً مسؤولين جزائياً عن أعمالهم، وإن كان لا يتم تنفيذ عقوبة الحبس إلا في حال أتمّ القاصر عامه الـ12، ليكون لبنان من أكثر الدول تشدداً في هذا الموضوع مقارنةً مع دول المنطقة. فيما تتم إحالة القاصرين دون الـ12 الذين يُضبطون متسوّلين أو متشرّدين إلى مؤسسات رعائيّة.  
كما أنّ الوعود منذ أكثر من 5 سنوات بإمكانيّة فصل القاصرين والقاصرات في مبنىً يلائم حاجاتهم النفسية والجسديّة لا تزال حبراً على ورق، بعد إرجاء افتتاح المبنى المخصّص لهم في الوروار لـ«أسباب لوجستيّة». وهذا ينطبق أيضاً على غياب مراكز التوقيف الاحتياطي المُخصّصة للقاصرين والقاصرات الذين يتم احتجازهم داخل النظارات وإن كانت قوى الأمن تؤكد فصلهم داخل غرفٍ.

يُضاف إلى ذلك، عدم وجود نيابة عامّة متخصّصة بالأحداث وعدم إخضاع مساعدي الضابطة العدلية لتدريب في التعامل مع القاصرين، باستثناء وجود قضاة منفردين (واحد في كل محافظة باستثناء بيروت حيث تم تعيين اثنين) للنظر في جنح القاصرين والغرفة الابتدائية المدنيّة الناظرة في قضايا جنايات الأحداث. علماً أنّه حتى هؤلاء القضاة غير مدرّبين على التعامل مع الأحداث ولا يتم اختيارهم بحسب معايير محدّدة، بل إن بعضهم يُعيّن بسبب رفض معظم القضاة تسلّم هذه المسؤولية، خصوصاً أن معهد الدروس القضائية لا يُسلّط الضوء على الأحداث بل يكتفي بمحاضرات قليلة لا تتعدى الـ6 عن هذه القضايا.

حدّد القانون 422 إمكانية اجتهاد القاضي بالحكم على الأحداث عقوبة واحدة للقاصرين المخالفين وهي الحبس، إضافة إلى 6 تدابير مانعة للحريّة: اللوم، الوضع قيد الاختبار (تتبع في قضايا المخدّرات التي يقوم فيها المعنيون بإجراء فحوصات للتأكد من عدم التعاطي خلال فترة يحددها القضاء قد تصل إلى سنة)، الحرية المراقبة (مراقبة دائمة على الحدث في بيئته من قبل مندوبي الأحداث للتأكد من سلوكه الاجتماعي وقد تصل إلى 5 سنوات)، العمل للمنفعة العامة أو العمل تعويضاً للضحية (تحديد مدّة يقوم فيها المُخالف بالتطوّع في الخدمة العامّة كدار عجزة على سبيل المثال)، الإصلاح والتأديب (لا تُطبّق أصلاً لعدم وجود مراكز متخصّصة). ويتابع قضاة الأحداث التقارير الصادرة من الجمعيات المتخصّصة حول أوضاع الأحداث ليقوموا إما بتخفيض التدابير أو التشدّد بها.

في آخر إحصاء صدر هذا الشهر، أشارت وزارة العدل إلى وجود 141 حدثاً (ذكور وإناث) في السجون اللبنانيّة، أكثر من نصفهم سوريون. وهم يتوزّعون بين 132 قاصراً (120 موقوفاً و10 محكومين ومحكومان في قضايا ينتظران أحكامهما في قضايا أُخرى) في جناح الأحداث في سجن رومية، و9 قاصرات (7 موقوفات ومحكومتان) في مركز «مبادرة».


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى