شعار أهل الطائف… لولا عون ما كنا هون
كان لنقيب الصحافة السابق محمد البعلبكي، رحمه الله، قول غالبًا ما كان يردّده عندما كان يتحدّث عن إتفاق الطائف والظروف التي أدّت إلى ولادته. كان يقول: “لولا عون ما كنا هون“.
وهذا يعني في ما يعنيه بالسياسة أنه لولا إقدام العماد ميشال عون على وضع يده على قصر بعبدا، بعدما عينّه الرئيس أمين الجميل رئيسًا لحكومة عسكرية إنتقالية، من خلال شعبوية إستغّلها لشنّ حربين في آن واحد: “حرب التحرير” و”حرب الإلغاء”، لما كانت وتيرة التوصّل إلى هكذا إتفاق بتوافق دولي وعربي قد تسارعت بهذه الطريقة.
وعلى رغم سقوط صفة “الميثاقية” عن الحكومة العسكرية بقي عون متمترسًا في ما أسماه “قصر الشعب”، الذي حوّله إلى قصر للتظاهرات الشعبية.
ومن لا يتذكّر نعيد إلى الأذهان ما فعله عون عندما دعي النواب للذهاب إلى الطائف. فقد حلّ مجلس النواب وأعتبره غير موجود ومن دون صفة شعبية تمثيلية، ثم منع النواب الذين كانوا يسكنون في “المنطقة الشرقية” لبيروت من السفر، وقد تسّلل البعض منهم تحت جناح الليل، ومتخفّين، إلى “المنطقة الغربية، ومنها سافروا إلى الطائف.
كان العماد ميشال عون يعتقد أن ثمة مؤامرة تُحاك ضده من قِبَل السوريين والسعوديين والمجتمع الدولي، مع نواب الأمة، الذين كان يصفهم بـ”الخونة”، وكان يظّن أن إتفاق الطائف لم يبرم إلاّ نكاية به، لأنه كان يحلم بأن يملك سعيدًا في قصر بعبدا إلى ما قدّر الله، مع الصلاحيات الرئاسية، التي إنتزعها منه إتفاق الطائف.
يُقال إنه قبل الطائف كان رئيس الجمهورية في لبنان الحاكم المطلق، وصاحب السلطة المطلقة في لبنان، فهو من كان يمتلك صلاحية تشكيل الحكومات، بدءاً من تعيين الوزراء وتسمية رئيسهم وإقالة الحكومة عند الاقتضاء، والمقرر في المراسيم التي تصدرها الحكومة.
ولكن بعد الطائف أُخضع تشكيل الحكومات لمعايير مختلفة، تبدأ بدعوة رئيس الجمهورية النواب إلى استشارات نيابية مُلزِمة لتكليف رئيس لتشكيل الحكومة، وبعد التكليف يجري الرئيس المكلّف استشارات غير مُلزِمة مع النواب، ويشكّل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، ويوقعان معاً مرسوم تأليف الحكومة.
أيضاً لم يكن يقتصر نفوذ الرئيس على السلطة التنفيذية، بل كان صاحب قوّة مقرّرة في عمل السلطة التشريعية، وله الحقّ في دعوة مجلس النواب إلى عقد جلسات استثنائية واقتراح القوانين التي يراها مناسبة لإدراجها على جدول أعماله، ويمكنه أيضاً حلّ البرلمان ولكن بموجب قرارٍ معللٍ وبموافقة الحكومة التي يعينها بنفسه. لكن بعد “الطائف” فقد الرئيس هذه الميزة، إنما أجاز له الدستور توجيه كتاب إلى المجلس يطلب فيه تحديد موقفه من مسألة معينة.
“دستور ما قبل الطائف” أعطى رئيس الجمهورية السلطة الأوسع، فهو بحكم الدستور يعدّ القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولديه سلطة مطلقة في إعطاء التوجيهات للجيش والقوى الأمنية لتنفيذ المهام، وظل ممتلكاً هذه الصفة بعد الطائف، لكنّ سلطة الأمر تخضع لمجلس الوزراء مجتمعاً كونه السلطة الإجرائية في البلاد، كما أن ترؤس رئيس الجمهورية جلسات مجلس الوزراء أثناء حضوره، حرمته من حقّ التصويت، بل أخذ دور المراقب والموجّه وليس المقرّر.
في مقالة الغد سوف نتطرق إلى أهمية دور رئيس الجمهورية في ظل إتفاق الطائف، وما هي أهداف الذين يطالبون بإلغاء هذا الإتفاق الذي وضع حدّا لتقاتل اللبنانيين بين بعضهم البعض، مع مطالبة الذين يعتبرونه خطًّا أحمر بتطويره وإدخال بعض التعديلات عليه.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook