آبار نفط في الجنوب والبقاع… قصص من الخمسينيات والستينيات تعود الى الواجهة من جديد
منذ 66 عاماً، يتمنى أهالي يحمر استعادة مشهد التنقيب. لكن في المرة المقبلة، لن يكونوا على غشاوة كما كانوا سابقاً عندما لم يفهموا ما تفعله البعثة، التي تألفت يومها من ثمانية مهندسين هنغاريين يعاونهم ثلاثة مهندسين لبنانيين على رأسهم جورج صباغ، الذي كان حلقة الوصل بين الشركة الهنغارية والعمال اللبنانيين. نزل الهنغاريون في فنادق زحلة، بينما سكن اللبنانيون في يحمر، في أحد نواحي منزل عائلة عبد الرسول. استفادت البلدة من سكنهم بعدما نسجوا صداقات مع أهاليها، فاستخدموا منهم عمالاً يوميين. لكن الإفادة الأعمّ كانت جرّ المياه إليها من بلدة سحمر المجاورة للمساعدة في عملية الحفر.
شُرّطت منطقة الحفر بالكامل ومُنع أيّ أحد من الدخول. محمد عبد الرسول (87 عاماً) عمل في موقع الحفر مقابل ليرتين ونصف يومياً. «كنا كعمال موزعون ضمن ثلاثة طواقم طوال ساعات اليوم. كلّ طاقم يتألّف من ثمانية أشخاص، اثنان منهم من البلدة يعملان تحت إمرة فريق الحفر ومهمّتهما تنفيذ الأعمال اليدوية». ظلّ البئر جزءاً من حياة عبد الرسول. لاحقاً أصبح جار أطلاله برغم أن معالمه لم تتبدّل. شقيقه الأكبر نجيب (100 عام) عايش مهمة التنقيب لفترة أطول «بحزم، كان المسؤولون يمنعوننا من التدخين. وكانوا يخططون للتنقيب في موقع آخر في البلدة، لكنهم أغلقوا البئر بالإسمنت وغادروا».
في وادي علي زين في جرد سحمر المجاورة على ارتفاع 110 أمتار، يقع البئر الاستكشافي الذي ما يزال على حاله. حفرة ملبّسة بـ«قميص حديدي»، محاطة بجدار من الحجارة تخبر حكاية رُدمت سريعاً. سحمر لزّمت إلى شركة إيطالية للتنقيب عام 1963، بعدما استحصلت الدولة على موافقة مالكي العقار (طرابلسي ورزق وفارس). في فنادق زحلة، نزل أفراد البعثة، واعتمدوا في تواصلهم مع المحيط على اللغة الفرنسية.
حسين منعم (95 عاماً) كان كبير التقنيين والعمال اللبنانيين في موقع الحفر، مستفيداً من شهادته في الميكانيك. بيديه، حرّك منعم آلة الحفر مقابل 300 ليرة شهرياً. في المقابل، كان هناك 16 مهندساً وفنياً إيطالياً و20 عاملاً يومياً يتوزعون ضمن برنامج على مدار الساعة من الحفر المتواصل. بحسب منعم «لم يتوقّف الحفر طوال أشهر إلا مرتين، الأولى عندما نفث أحدهم سيجارة والثانية عندما تسرّبت المياه إلى البئر من الجدران الجانبية وبقينا خمسة عشر يوماً وليلة ندكّ التبن والتبغ وراء القميص الحديدي لسدّ مصادر التسرّب».
مطالب بإعادة فحص الآبار التي أُغلقت من دون أسباب علمية موجبة
عمال من البلدة كانوا شهود عيان على الحفر الذي وصل إلى عمق 1522 متراً في باطن الأرض. ثم توقفت الآلة الإيطالية «لأن لا قدرة لها على الحفر أعمق» كما قالت الشركة. تبرير لم يقنع الأهالي، بسبب الأهمية التي حظي بها بئر بلدتهم في وسائل الإعلام التي تهافت مراسلوها إليهم. لم يمزّق أهالي سحمر صفحة الذهب الأسود. بحسب إبراهيم طرابلسي أحد مالكي العقار “لا يوجد لدينا شكّ بأن منطقتنا تحوي في باطنها النفط والغاز”.
في حديثه إلى «الأخبار»، يستعرض نائب المنطقة الأسبق عاصم قانصوه مراحل العمر القصير لبئر القاع الذي جعله موضوع رسالته لنيل الدكتوراه كمهندس متخصص في الآبار والمناجم. في شهر تموز من عام 1960، حضرت بعثة من شركة «شلمبرجير» فرنسية التأسيس وأميركية المقرّ، إلى القاع. وبعد خمسة أشهر تقريباً، رُدمت البئر كأن شيئاً لم يكن ما أثار حفيظة أهالي المنطقة. يذكر مختار القاع الحالي إبراهيم ضاهر أن «الأشغال توقفت فجأة بعدما كانت تسير بوتيرة سريعة. استغرب الأهالي القرار وتلقوا تبريرات بأن السبب ارتفاع كلفة الاستخراج!». فما الذي تم استكشافه؟
لم يملك أهالي القاع، كما سائر البلدات «النفطية»، وسائل كافية حينذاك للمطالبة بحقوقهم النفطية أو التقصّي عن خفايا مهمة «شلمبرجير» وأخواتها. طال أمد الحرمان قبل أن يطول أمد الحرب الأهلية. في عام 1997، أعاد قانصوه فتح الملف عندما كان نائباً عن بعلبك – الهرمل. فاتح رئيس الحكومة الأسبق حينها رفيق الحريري الذي «لمّح إلى أن الأمر قد يتعارض مع مصالح دمشق» كما نقل عنه. “الاخبار”
مصدر الخبر
للمزيد Facebook