ضربات إيرانية بكردستان العراق… هل تريد طهران صرف الأنظار عن الاحتجاجات؟
نشرت في: 03/10/2022 – 20:51
أعلنت طهران مسؤوليتها عن الضربات التي استهدفت الأربعاء 28 سبتمبر/أيلول 2022 قواعد للمعارضة الكردية الإيرانية في العراق، وخلفت 13 قتيلا على الأقل. وبحسب هذه الأخيرة، تسعى طهران إلى مواجهة عسكرية في المنطقة، لإلهاء الرأي العام عن الأحداث التي تشهدها البلاد بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني إثر اعتقالها من قبل “شرطة الأخلاق”. فهل تحاول إيران فعلا صرف الأنظار عن هذه الاحتجاجات؟
في الوقت الذي كانت فيه الأنظار متجهة إلى الاحتجاجات التي تسود إيران إثر وفاة الشابة الكردية مهسا أميني، شنت طهران الأربعاء ضربات في إقليم كردستان شمال العراق، ما أدى إلى مقتل 13 شخصا على الأقل وإصابة 58 آخرين بجروح، بينهم نساء وأطفال.
واستهدفت الضربات مواقع لأحزاب كردية إيرانية معارضة تنتقد قمع المظاهرات في إيران، بحسب بيان لجهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان، مشيرا إلى “إطلاق أكثر من 70 صاروخا باليستيا وقاذفة طائرات بدون طيار من الأراضي الإيرانية على أربع مراحل”.
ولم تتأخر طهران كثيرا في إعلان مسؤوليتها عن الضربات لتفكيك ما أسمته بـ”الجماعات الإرهابية”، علما أن كردستان العراق تأوي مجموعات معارضة كردية إيرانية، تعارض تاريخيا النظام السياسي في طهران، إلا أن أنشطتها تراجعت في السنوات الأخيرة.
ودانت الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان على السواء القصف الإيراني، الذي نفذته “عشرون طائرة مسيرة تحملُ مواد متفجرة”، وطال “أربع مناطق في إقليم كردستان العراق”، وفق بغداد. من جهتها، أصدرت حكومة إقليم كردستان بيانا نددت فيه بالضربات، قالت فيه: ” نستنكر هذه الأشكال من الاعتداءات المستمرة على أراضينا، والتي يقع بسببها ضحايا مدنيون، ويجب وقف هذه الاعتداءات”.
وكانت الشرطة الدينية الإيرانية اعتقلت الشابة مهسا أميني (22 عاما)، من بلدة سقز الكردية بإيران، شهر سبتمبر الماضي في العاصمة طهران بسبب “ملابس غير مناسبة” حسب توصيفها. وتفرض “شرطة الأخلاق” قواعد لباس صارمة على النساء في الجمهورية الإسلامية. وأدت الاحتجاجات المتواصلة منذ نحو أسبوعين التي تندد بوفاة الشابة إلى مقتل العشرات حسب منظمة حقوق الإنسان الإيرانية التي تنشط من النرويج.
طهران “تحاول صرف الأنظار عن الاحتجاجات المتواصلة”
لكن هذا التحول في الأحداث من مظاهرات تهز مناطق مختلفة في البلاد إلى تنفيذ ضربات في كردستان العراق له ما يفسره حسب الباحث في الشأن الكردي أسو حسن زاده، فطهران “تحاول صرف الأنظار عن الاحتجاجات المتواصلة على وفاة مهسا أميني”. وبحسب مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق، فقد تضرر أيضا جراء القصف مخيما للاجئين الإيرانيين و”مدرسة ابتدائية كان يتواجد بها طلاب”.
وما يثير مخاوف النظام الإيراني، وفق أسو حسن زاده، أن “هذه الاحتجاجات تتجاوز كل الانقسامات”، وتحاول السلطات “تقسيم الرأي العام”، مشيرا إلى أن “الأكراد-الإيرانيون- حاضرون بقوة” في هذه الاحتجاجات “وشدوا انتباه الرأي العام وتضامن الشعب الإيراني”.
وينفي الأكراد في كردستان أي علاقة لهم بما يحدث من مظاهرات في إيران اليوم. “طهران تنشر أخبارا كاذبة، ليس لدينا بشمركة في إيران نظرا للقيود والمراقبة الإيرانية. لقد انتفض منذ عشرة أيام جزء كبير من الإيرانيين لإنهاء قمع النظام، وتحاول السلطات كسر هذه الوحدة. بحجة أن الأكراد يريدون تقطيع أوصال إيران”، حسب تفسير الباحث والناشط الكردي أسو سحن زاده.
ويعتبر الصحافي الكردي حميد كارزان أن “إيران تحاول تصدير أزمتها الداخلية، تحاول تصدير أزمتها السياسية، لا سيما وأن هناك معلومات تتحدث عن وضع صحي حرج للمرشد الأعلى علي خامنئي، ما يزلزل الوضع السياسي في إيران. لأنه لا توجد دولة واحدة فيها بل دويلات. الحرس الثوري هو دولة بحد ذاتها مع مرشد الجمهورية، الإصلاحيون، المحافظون…”.
ليست المرة الأولى…
لم تكن هذه الضربات مفاجئة. فطهران ألمحت في خضم الاحتجاجات التي تهز البلاد، على لسان المسؤول في الحرس الثوري الإيراني عباس نلفروشان، إلى ذلك. واعتبر نلفروشان أن هناك عناصر “مندسة” في إيران هدفها “تأجيج عدم الاستقرار وتوسيع الاضطرابات”. وأضاف “أوقفنا بعضا من هذه العناصر المناهضة للثورة خلال أعمال شغب في الشمال الغربي، ولذا علينا أن ندافع عن أنفسنا، وأن نرد ونقصف محيط الشريط الحدودي”.
واستهدفت ضربات إيرانية أكثر من مرة مواقع حدودية في كردستان العراق، شمال أربيل، بدون أن تسفر عن أضرار ملحوظة. وكان الحرس الثوري استهدف في مارس/ آذار ما أسماه “مركزا إستراتيجيا إسرائيليا” في أربيل، وهو ما نفته سلطات كردستان العراق، معتبرة أنه ليس سوى موقع مدني بالقرب من مبنى القنصلية الأمريكية.
وتؤكد السياسية والعضو في الحزب الشيوعي الكردستاني بأربيل العراقية بخشان زنكنة أن “الضربات ليست جديدة لكنها كانت غير مسبوقة. وبعنف غير مسبوق. وهذه الضربات لها أسبابها بسبب الوضع المتأزم في إيران، نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي أخذت امتدادا واسعا وكبيرا ومطالب الناس أخذت أبعادا سياسية أكثر… إقليم كردستان لم يكن يوما عامل توتر لإيران بل أنه حاول دائما أن يكون لها أحسن العلاقات مع كل دول الجوار”.
“القمع هنا دائما أقوى”
ويرتفع مستوى التعبئة كثيرا في منطقة كردستان إيران مقارنة مع المناطق الأخرى، وأدت الثمن غاليا حتى الآن نتيجة ذلك حيث بلغ عدد القتلى بها في الاحتجاجات الحالية 25، كما أصيب ألف شخص، وبلغ عدد المعتقلين الثلاثاء أكثر من 1500.
وتنظر طهران إلى هذه المنطقة بعين حذرة، “فالقمع هنا دائما أقوى. الشرطة تطلق النار بسهولة أكبر، لأنه يسود مناخا عسكريا. إنهم يعلمون أن الأكراد أكثر تعبئة وتسييسا”. كما أن تغطية الاحداث بالمنطقة تظل محدودة، لعدم سماح السلطات للصحافيين بالوصول إلى المنطقة، حسب تفسير الباحث والناشط الكردي أسو سحن زاده.
ويضيف أن “القمع المسلط على هذه المنطقة السنية من غرب البلاد ليس بجديد. فأكثر من 50 بالمئة من المعتقلين السياسيين في السجون الإيرانية هم أكراد. وتنفيذ الإعدامات فيها يتم بشكل منهجي مقارنة مع المناطق الأخرى”.
وهذا الوضع تحدث عنه المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إيران جاويد رحمن. ففي تقرير له، نشر في مارس/ آذار، أكد أنه “منزعج من العدد المبالغ فيه من عمليات إعدام أفراد من الأقليات، لا سيما الأقلية البلوشية والكردية”.
بوعلام غبشي
مصدر الخبر
للمزيد Facebook