الدولار بدّل تفاصيل الحياة في لبنان… العاملات الاجنبيات يغادرن المنازل
هجرة العمال الأجانب
إنخفضت أعداد العمال الأجانب متنوعي الجنسيات (الاثيوبة، الفيليبينية، البنغالية، السودانية،…) جراء تدهور الوضع الاقتصادي . فلقد انخفض في سنة واحدة بعد بدء الأزمة عدد العمال من 400 ألف عامل إلى 250 ألفا في سنة 2020 بحسب الدولية للمعلومات وهو أمر زاد تفاقما في السنتين الأخيرتين ليصل إلى انخفاض يزيد على ستين في المئة. تركز الانخفاض الأكبر في عدد عمال المنازل، وإن كان شمل ولو بنسبة أقل عمال الشركات والمستخدمين في المؤسسات.
يتراوح راتب العامل الأجنبي بين المئة والخمسين والثلاثمىة دولار بحده الأقصى. لم يكن هذا الراتب يشكل عائقا حين كان سعر صرف الدولار (1500)، بحيث كان أمرا مقدورا عليه حتى عند أصحاب الدخل المحدود. أما اليوم قأصبح الحد الأدنى للأجور يعادل الثلاثين دولارا وربما اقل، ما يجعل توظيف عامل براتب أضعاف أربع أو أكثر أمرا مستحيلا.
ما ينشط حاليا هم العمال الذين ياتون على حسابهم الخاص، ويعملون مقابل أجر ساعة مرتفع ويتحكمون بالتسعيرة لكون سوق الطلب أكبر من العرض.
معاناة العائلات
غالبا ما كان اللجوء إلى عاملات المنازل لأسباب يتفاوت بين الحاجة للخدمة المنزلية والاهتمام بالابناء كما الاهتمام بالمسنين…
في غالبية العائلات اللبنامية، يكون كلا الأبوين موظفين، وهذا ما يتطلب وجود عاملة لتساعد ربة المنزل في التدبير المنزلي لكونها امراة عاملة. وتكلف العاملة برعاية الأطفال في المنازل بدلا من الاستعانة بدور الحضانة التي غالبا ما كانت ذات كلفة أعلى من راتب العاملة، مع إضافة ان العاملة موجودة على مدار الساعة وليس لدوام محدد ويتنهي.
وأما في ما خص المسنين أو ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى، وفي بلد تقل فيه هذه الدور الرعائية، وتتطلب مبالغ غير قليلة إن توافرت الاستعانة بها، يلجا غالبية اللبنانيين إلى الاستعانة بالعاملات الأجنبيات لرعاية مرضاهم ومسنيهم.
وعليه فقد أدى الوضع الاقتصادي المزري، الذي فرض تهجيرا قسريا للعمال الأجانب، واستغناء قسريا عنهم من قبل العائلات التي كانت تستعين بهم إلى نتائج كثيرة ترتب عليها الكثير منها:
-العودة إلى تسجيل الأبناء في الحضانات الخاصة عند العائلات التي لا تقدر ان تتحمل الكلفة.
– ترك أحد الأبوين لعمله، بعد التيقن من أن كلفة الحضانة أو العاملة يفوق الراتب.
– معاناة لتامين الرعاية للمسنين وخاصة في غياب دور العناية الكافية وغير المكلفة، في ظل غياب أي ضمان للشيخوخة.
– صعوبات ومشاكل عائلية لتفاقم المتطلبات، وصعوبة التوفيق بيين العمل والمنزل والرعاية.
معاناة البعض
تقول السيدة شيرين نعمة، “وظفت عاملة أجنبية من بداية زواجي وذلك لكوني امراة عاملة، فأنا مديرة مشغل ودوامي في العمل طويل جدا. رزقت بمولودين وكانت العاملتان اللتان رافقتاني خلال السنين العشر ممتازتين، ربتا أولادي واهتمتا بهم، وتمكنت من مزاولة عملي براحة مطلقة. في نهاية 2021 ما عدت قادرة على تحمل اعباء تكاليف العاملات من راتب إلى تجديد. فاضررت مكرهة الى الاستغناء عنهن. أعاني وقتا صعبا جدا بين عملي الذي ما عدت أعمل فيه بشغف بين عاىلتي وبيتي المهمل. الأعمال المنزلية عبء كبير لا ينتهي، ولا يمكنني بأي شكل التوفيق بينهم وبين عملي. أجد نفسي امام خيارين كلاهما مر فتوقيف العمل في هذه الظروف مرهق، وتوظيف عاملة مرهق جدا وغير وارد. يبقى الاحباط سيد الموقف والفوضى والضغط النفسي قوتنا اليومي.”
رنوة محمد موظفة في القطاع الخاص في أحد المصارف، عملت طوال عشر سنوات، أم لولدين أحدهما في العاشرة والآخر في الثانية. وجدت من الأفضل أن تترك عملها وتبقى مع اطفالها لمراعاتهم والقيام بأعمال المنزل، معتبرة أن ترك العمل أوفر من تخصيص عاملة، وإن كان الضغط النفسي أكبر.
وأما المربية جيهان نون فتروي معاناتها مع مرض والدتها التي تعاني شللا نصفيا منذ اكثر من ثماني سنوات ، وهي المعيل الوحيد لوالدتها بعد موت والدها وشقيقها. استعانت جيهان لأكثر من ست سنوات بعاملة اجنبية، اهتمت بوالدتها في حين انصرفت جيهان للتعليم العادي والإضافي لتأمين احتياجات والدتها الصحية والمعيشية. راتب جيهان اليومي اقل من راتب عاملة أجنبية، فلا إمكانات لإبقائها. فمن يهتم بوالدتها؟ لم تترك دار رعاية إلا وقصدته وإن كان هذا الأمر موجعا لها، ولم توفق. فما الحل تقول جيهان، أأترك والدتي دون رعاية لحين عودتي من العمل “وهذا امر مستحيل”، أو اترك عملي لرعايتها ولكن” من أين نأكل”؟
هذه الشواهد الحية هي عينة من معاناة مجتمع عريض، خسر كل وساىل الحياة، ويكافح باللحم الحي، دون وجود بدائل يعتمدها لإكمال حياته بكرامة.
آراء مرحبة
يخلص السيد جميل مصري وهو صاحب متجر ليقول، “لم أحبذ منذ البداية فكرة العاملة المنزلية، لكثير من الأسباب، أولها أنه وخلال وجود زوجتي في العمل تهمتم العاملة بمتطلبات أولادي جميعها من أكلهم ولباسهم وتنظيم غرفهم وحتى دروسهم واحتوائهم. بالطبع هي غير قادرة على تدريسهم بشكل جيد ولكنها تحاول تامين جو مناسب ليدرسوا. وتقوم بفض المشاكل بينهم وإغراقهم بالحنان والاهتمام. شكل هذا الموضوع نقصا كبيرا خسره الاولاد من أمهم، وحنانا كان الاجدى ان ينالوه منها، بما يتناسب مع بيئتنا ومجنمعنا”. يضيف المصري “عندما تفاقمت الامور ، تركت زوجتي عملها وصرفنا العاملة. أعلم بأنهم قد اعتادوا والامر صعب عل الكل إلا أنني أخيرا قد اخترت الطريق الأسلم لعائلتي، فلا احتواء ولا حنان كالذي تقدمه الأم.”
رأي علم النفس
بحوث عديدة أجريت في السنوات الماضية في جامعات عديدة. كان لدى هذه البحوث خلاصات متشابهة ، وقد أجريت على عينات غير قليلة في المجتمع العربي واللبناني، وابرز ما توصلات إليه:
– تغييب كامل أو جزئي لدور الأم الرعائي لدى الأطفال.
– غياب المعايير المجتمعية والثقافية في المتابعة والتربية المقدمة
-غياب القوانين بشكل لافت، وغياب الكثير من القيم المجتمعية في عملية التربية.
– اعتياد الأطفال على المربية العاملة، بشكل عانى معه ما يزيد على تسعين في المئة من الاطفال أوضاعا نفسية تراوحت بين البسيطة والشديدة عند مغادرتها.
– الاستعانة بالعاملة من قبل المراهقين لتمرير ما يرفضه أهلهم في السلوك أو في الخروج والمذاكرة. وغير ذلك.
– الإتكالية التامة لدى الاطفال، بحيث يعتمدون بشكل مفرط في كل ما يحتاجون على العاملة.
– غياب الرابط الأسري الصحيح عن طريق التفاعل اليومي في أدق التفاصيل.
– بعض العاملات شكلن نموذجا معنفا ترك آثارا تراوحت بين الأذى النفسي والجسدي إلى الاعتداء في كثير من الاحيان.
– بعض العاملات كن أشخاصا معنفين من قبل الأولاد الذين يربونهم، او الأهل نتيجة ادعاء الأولاد، وهذا إن عبر عن شيء فهو يعبر عن مفهوم وسلوك سيء مكتسب لدى الاولاد.
– في حالات المتابعة المرضية لمسنين، مرت حالات كان يعنف فيها المسن دون علم عائلته بطرق شتى.
– غياب عائلة واولاد الكثير من المسنين، في اتكال كامل على العاملة، ما ترك المسنين في وضع نفسي صعب.
ومن ناحية أخرى، وجدت الأبحاث إيجابات عدة، مكنت المراة من تحقيق نفسها ، ومكنتها من أخذ خيارها بالعمل.
وتطرق البحث في هذا الإطار إلى النموذج الذكوري في مجتمعاتنا الذي يعتبر التربية والمتابعة للبيت والأولاد من اختصاص الأم حصرا.فيغيب الأب ليلقي الحمل بالكامل على المرأة التي تعنى بالتدبير المنزلي ورعاية الأبناء وتدريسهم وتربيتهم فيما يقدم بدوره المال لتامين حواىج عائلته. ولذلك يلجأ بعض الازواج إلى اللوم عند قرار المرأة بأن تعمل، عند ظهور اي تقصير في منزلها. وهذا ما حدا الكثيرات على الإصرار على توظيف عاملة منزلية،.
خلاصة بحثية
وتشير الأبحاث في خلاصاتها ونتائجها إلى ضرورة أخذ كل فرد من العائلة دوره التربوي العملي والعاطفي بالكامل، وحصته من التواجد والاحتواء. ما يجعل الرجل مسؤولا في متابعته النفسية والحياتية لأولاده كما المرأة.
وعليه ، يصبح وجود العاملة المنزلية أمرا مساعدا ضمن معايير تطبق تجاه الاولاد من جهة وتحترم وجود العاملة من جهة اخرى. في بلد يشتد فيه الخناق كل يوم أكثر، أصبح توظيف عانلة اجنبية في المنازل أمرا شديد الصعوبة بل مستحيلا، ويقتصر استقدام العاملات على العائلات ذات المدخول العالي، ما يترك مشاكل عدة تصعب معالجتها وتدبيرها، ترزح تحت وطأتها العائلات اللبنانية، التي لم تترك لها الدولة متنفسا للجوء إليه. “الديار”
مصدر الخبر
للمزيد Facebook