لهجة هادئة ونَفَس تسووي.. هل عدل حزب الله أولوياته؟!
ومع أنّ الخطاب لم يَخلُ في هذا الجانب من بعض الإشارات التي فُسّرت “تصعيدًا”، خصوصًا مع تأكيده استعداد “حزب الله” للمواجهة إذا ما فُرِضت، وحديثه عن منع الاستخراج من حقل كاريش قبل حصول لبنان على حقوقه كافة، إلا أنّ الجو العام بدا “أكثر ليونة ومرونة” من معظم خطابات الأمين العام للحزب الأخيرة، ومن دون مفاعيل “حربية” شكّلت “سمة بارزة” لمعظم إطلالات الرجل في الفترة الأخيرة.
أما النَفَس “التسووي”، فتجلى في مقاربة الملفات الداخلية، حيث حرص السيد نصر الله على تعميم الأجواء الإيجابية، فهو دعا الجميع إلى “التنازل والعمل بصدق” من أجل تشكيل الحكومة، تفاديًا للدخول في أي نوع من أنواع الفوضى، إلا أنّه تجلى أكثر في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، حيث كان لافتًا إعلانه تأييد “حزب الله” للدعوات إلى “الاتفاق حول الرئيس”، بعيدًا عن “التهديد والوعيد والتحدي”، وهنا بيت القصيد.
“بدنا ناكل عنب”
ينفي العارفون أيّ تغيير في “الأولويات” بالنسبة إلى “حزب الله”، التي لا يزال ملف ترسيم الحدود يتصدّرها، على وقع “الخطوط الحمراء” نفسها التي لم تتعدّل، وعنوانها عدم السماح باستخراج النفط والغاز من حقل كاريش المتنازع عليه قبل أن يحصل لبنان على مطالبه المحقة، وكل ما تغيّر يرتبط بـ”المهلة” التي سبق أن رُبِطت بشهر أيلول، لكنّ ذلك كان عطفًا على إعلان الإسرائيليين بدء الاستخراج خلاله، وهو ما لم يحصل، وهذا المهمّ في الأمر.
يقول هؤلاء إنّ موقف “حزب الله” اختصره أمينه العام بمعادلة واضحة تختصر كل شيء، حين قال: “نحن نريد أن نأكل عنبًا، ونحن لا نبحث عن مشكل”، أي أنّ المطلوب هو حصول لبنان على حقوقه كاملة، وفق ما تقرّره الدولة في مفاوضاتها، علمًا أنّ السيد نصر الله تعمّد القول إنّ مطالب لبنان لم يحدّدها الحزب، “فهذا شأن الدولة اللبنانية”، في إشارة فُسّرت إيجابًا أيضًا، ربطًا بوقوف الحزب خلف الدولة، خلافًا لكلّ ما رُوّج في الآونة الأخيرة.
وبحسب العارفين، فإنّ السيد نصر الله أراد “تهدئة” الأجواء، مع الحفاظ على “قواعد الاشتباك” التي رُسِمت مع العدو، فهو سعى من جهة لنفي وصول الأمور لحدّ الصدام، خصوصًا أنّ البعض يتحسّب للحرب كأنها واقعة حتمًا، من دون أن يغفل التأكيد على “الخطوط الحمراء”، منعًا لأيّ “مغامرات إسرائيلية”، خصوصًا بعدما حقّقت المسيّرات سابقًا الأهداف المنشودة منها، وفق رؤية “حزب الله”، ما يترك الباب مفتوحًا أمام “التصعيد المنضبط”، إن جاز التعبير.
“رسائل” الداخل
على أهمية الرسائل الخارجية، المرتبطة بالترسيم واستخراج الغاز والنفط، والفرصة “الذهبية” المُتاحة للبنان اليوم في هذا الإطار، جاءت “الرسائل الحازمة” الموجّهة للداخل في خطاب الرجل، خلافًا أيضًا لكل الأجواء “التصعيدية” المسيطرة على المشهد في الأيام الأخيرة، بين سيناريوهات وتكهنات معلومة مجهولة، ومغامرات غير محسوبة، وفوضى قد تأخذ البلاد نحو ما لا تحمد عقباه، إذا ما وقع المحظور.
ويشير العارفون إلى أنّ دعوة السيد نصر الله إلى التنازل من أجل تشكيل حكومة في الأيام القليلة المقبلة جاءت متناغمة مع وساطات الأيام الأخيرة، التي لعب “حزب الله” دورًا على خطها وفق ما تقول بعض الأوساط، ويُنتظَر أن تترجم في عملية التأليف، التي باتت الطريق معبّدة أمامها وفق كثيرين، وهو ما ألمح إليه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بحديثه عن أن الاجتماع المقبل في بعبدا لن ينتهي إلا مع ولادة مراسيم الحكومة.
لكن الرسالة “الأهمّ” تبقى في الموضوع الرئاسي، فرغم أنّ السيد نصر الله “ساير” حليفه رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، بتأييده ضرورة أن يحظى الرئيس بأوسع قاعدة ممكنة سياسية ونيابية وشعبية ليتمكن من القيام بدوره القانوني والدستوري، إلا أنّه أرسل إشارة أكثر من مهمّة، بتأكيده على ضرورة “الاتفاق حول الرئيس”، ما يلمح إلى جهوزيته للانخراط في “تسوية رئاسية” قد يكون العمل على إنضاجها بدأ فعليًا.
خارج السياق بالنسبة إلى كثيرين، جاء “هدوء” خطاب السيد نصر الله الأخير، لكنّه هدوء ينسجم برأي هؤلاء مع “مقاربة” الحزب للواقع الحالي، فالأولوية بالنسبة إليه هي للحفاظ على الاستقرار بحدّه الأدنى، ربما ربطًا بالأجواء في المنطقة، التي لا تزال “متأرجحة” على وقع المفاوضات النووية التي لم تبلغ خواتيمها لكنها لم تسقط أيضًا، لكن قبل ذلك، ربطًا بإدراك الحزب أنّ “الفوضى” اليوم لن تكون في صالح أحد، وبالتأكيد ليست في صالحه!
مصدر الخبر
للمزيد Facebook