الوكالة الوطنية للإعلام – الجمهورية: جمهورية الأطلال: “تشبيح” وفوضى وشائعات.. إسترداد الودائع: مسلسل مستمر
وطنية – كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: لا يخطىء من يسأل في زمن الاستحقاق الرئاسي: إنتخاب رئيس الجمهورية واجب دستوري، ولكن لأيّ جمهورية؟
الجمهورية اللبنانية، التي تغنّى بها العالم كلّه يوماً ما، صارت مرثاة ينعاها كل من أحبّها، واستحالت مع الأزمة، او بمعنى أدق، مع الزلزال التي ضربها منذ ثلاث سنوات، مجرّد اسم مكتوب على اوراق المعاملات الرسمية، فيما كل بناها الفوقيّة والتحتية والاقتصادية والمالية والادارية والاجتماعية والمعيشية والأخلاقية، سَوّتها عقليات الهدم التي أمسكت زمامها وتحكمت بها، بالأرض وكوّمتها اطلالاً.
حالة جمهوريتنا البائسة باتت تصعب على الحجر؛ جمهورية مغتصبة، أفقدتها تلك العقليات العدوانية أعز ما تملك؛ كيانها ومقومات بقائها واستمرارها. واللبنانيون البائسون مثلها، باتوا مثيرين للشفقة، وصار القدر اليسير جدا من مشترياتهم واساسيات حياتهم مشتهيات، ولقمة سد جوعهم صارت كماليات صعبة المنال. ولم يعودوا يملكون سوى البكاء على اطلالها، أو بالاحرى على اطلالهم، التي تغتصب بدورها، يوميّاً بتشبيحات دنيئة فاضحة ووقحة جهارا نهارا، تتنكّر لجريمتها، فتتغطى من فوق بلباس الحرص عليها، واما من تحت فتتسلل اليها من خلف سياساتها المتصادمة ورهاناتها المشبوهة، وتنهال عليها بمَطارق الهدم. حتّى تداعت أسس «الجمهورية اللبنانية»، واصبحت بامتياز «جمهورية الهلاك والاطلال المتراكمة»، التي على ما يؤكد العارفون، ينتظرها في المدى القريب توصيف او تصنيف جديد من قبل إحدى مؤسسات المالية الدولية الكبرى، أكثر سوءًا وسلبية من كل التصنيفات السابقة!
إسترداد الحقوق
وفي جمهورية تفتقد الى الراعي الصالح لشؤونها، والى الحد الأدنى من الأمان لشعبها، والحماية لحقوقهم، خصوصا اولئك الذين سرقت ودائعهم ومدّخراتهم جَهراً في النهار، واختفت في مغارات غيلان المال وبيوت لصوص المصارف يتنعمون بها على ملذاتهم، يصبح كلّ شيء مُباحاً، ويدفع المودع المسروق الى استخدام شتى الوسائل لكي ينتزع بيده امواله المسروقة من ايدي «الحراميّة». على ما حصل في اقتحام مودعين لبعض المصارف لتحصيل ما يمكن تحصيله من ودائعهم. وفي وضع كهذا ما من شك ان مثل هذه العمليات ستتكرر.
العملية الاولى، حصلت في بيروت، وبطلتها المودعة سالي حافظ، التي اقتحمت فرع «بلوم بنك» في السوديكو، مسلّحة بمسدس، حيث هدّدت بحرق نفسها بعد سكب البنزين على الموظفين وعلى نفسها، وتمكنت من سحب مبلغ 20 ألف دولار من حسابها قبل أن تغادر. وقد بررت سالي فعلتها عبر فيديو بثّته على صفحتها على «فيس بوك» بأن ما قامت به كان بهدف دفع تكاليف المستشفى لأختها التي تموت داخله بعد أن عصف بها مرض السرطان. وقالت في مقابلة تلفزيونية «انّ المسدس الذي كان بيدها كان لعبة من ابن شقيقتها مشددة على انها ضد حمل السلاح. ولفتت الى انها طمأنت الموظفين بأنها لن تؤذي اياً منهم.
وفيما اعقبت العملية روايات حول مصير المودعة، بين قائل انّ القوى الامنية أوقفتها، وبين قائل العكس، فيما تضامنت جمعية المودعين معها، وحذرت من توقيفها ملوّحة بالتصعيد ازاء اي استهداف للمودعة، قال رئيس جمعية المودعين حسن مغنية: «يوم أمس (الاول)، تشاورت مع أعمدة جمعية المصارف وقد حذّرت من تكرار قصة عبدالله الساعي واذا بقي الوضع كما هو فسنكون أمام مشهد يومي متكرّر لما حصل اليوم».
واصدر البنك بيانا اشار فيه الى «ان العميلة قامت (امس الاول) بزيارة الفرع واجتمعت بمديره وطلبت منه إمكانية مساعدتها في سحب مبلغ من حسابها لعلاج شقيقتها المريضة، وأبدى مدير الفرع التعاون التام وطلب منها تزويده بالمستندات لمساعدتها. الا أن الفرع تفاجأ هذا الصباح بحضور العميلة المذكورة مع شقيقتها المسلحة بمسدس مع مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين احتجزوا الموظفين والزبائن وقاموا برَمي مادة البنزين داخل الفرع على الموظفين والموجودين مهددين بحرقهم، وحطّموا بعض محتويات الفرع، كما هددوا الموجودين في الفرع بالسلاح وأجبروا مدير الفرع وأمين الصندوق على فتح الصندوق واستولوا على المبلغ الموجود فيه. في ضوء هذا التطور الخطير يهمّ بنك لبنان والمهجر التأكيد على ان المصرف أبدى تفهماً تاماً لطلب العميلة، وإن ما حصل صباح اليوم هو عملية مدبّرة ومخطط لها عن سابق تصور وتصميم بقصد الايذاء».
اما العملية الثانية، فحصلت في عاليه، حيث بادر احد المودعين الى اقتحام بنك MED، وافادت بعص المعلومات بأنّ المودع المذكور استردّ مبلغ 30 ألف دولار ومن ثم قام بتسليم نفسه الى القوى الأمنية.
تطيير الجلسة
سياسياً، كان الحدث في ساحة النجمة امس، حيث تم تعطيل جلسة مناقشة مشروع الموازنة العامة للسنة الحالية، بعدم اكتمال نصابها. حيث التقت الكتل النيابية المسيحية، لا سيما تكتل الجمهورية القوية وتكتل لبنان القوي وكتلة حزب الكتائب إضافة الى نواب مسيحيين، على مقاطعة الجلسة لمصادفتها مع ذكرى اغتيال الرئيس بشير الجميل. الامر الذي حمل رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى تأجيل الجلسة الى اليوم، عبر بيان مقتضب تلاه الامين العام للمجلس عدنان ضاهر وفيه: «أُرجئت الجلسة العامة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لدرس واقرار موازنة 2022، الى يوم غد عند العاشرة والنصف، لعدم اكتمال النصاب».
وكانت المنطقة المحاذية لساحة النجمة قد شهدت تحرّكات اعتراضية على الموازنة والاجحاف الذي تلحقه بالفئات الواسعة من الموظفين والمتقاعدين، فيما لفتت الانتباه الاعتراضات النيابية على مشروع الموازنة، والاجماع على اعتبارها غير متوازنة، ومفتقدة الى التقديمات الاجتماعية وطافحة بما يزيد من الاعباء على المواطن، وكذلك مفتقدة الى رؤية اقتصادية ومالية إنقاذية، والى الحد الادنى من مقومات مواجهة الازمة وأعبائها.
وقالت مصادر نيابية لـ«الجمهورية» ان تمرير الموازنة بالشكل المطروح فيه على المجلس النيابي مستحيل، حيث انه يشكل جريمة بحق اللبنانيين بصورة عامة، والموظفين في مختلف القطاعات بصورة خاصة، ولنكن صريحين الدولة مفلسة تحتاج الى ايرادات، والشعب مفلس يحتاج الى تقديمات، والموازنة كما هي مقدمة استسهَلت سلوك طريق وحيد لتحقيق الايرادات، وذلك عبر اللجوء الى جيوب الناس وإرهاقهم بالأعباء.
ورداً على سؤال قالت المصادر: «بالتأكيد وجود موازنة افضل بكثير من عدمه، فعلى الاقل يصبح لدينا انتظام مالي، ويتوقف الصرف العشوائي على القاعدة الاثني عشرية، ولكن هذه الموازنة لا تفي بالغرض ولا تلبّي طموحات اللبنانيين، وبالتالي نحن امام معضلة كبيرة، ولا يمكن ان نبصم على ورقة نعي للبنانيين. والكرة في ملعب الحكومة لتفتش عن مصادر اخرى لتمويل موازنتها وسد عجزها».
وفي سياق متصل، وفيما ثبت قطاع الكهرباء عن نقطة «صفر تغذية»، وعتمة شاملة من دون ان يبرز في الافق مؤشر على احتمال انبعاث ضوء من هذا الهريان الفاضح، يتوالى الانهيار اليومي في سعر الليرة، حيث تجاوز الدولار الاميركي عتبة الـ37 الف ليرة، آخذاً معه صعودا اسعار السلع والمواد الاستهلاكية، فيما حلّقت اسعار المحروقات بشكل كبير جراء رفع الدعم عنها، حيث اقترب سعر صفيحة البنزين من الـ700 الف ليرة، فيما تجاوز سعر صفيحة المازوت من الـ800 الف ليرة، وعلى ما يبدو، في ظل فلتان الدولار، فإن الحبل على جرار الارتفاع في الآتي من الايام.
أزمة أخلاقية
حكومياً، إنّ تعطيل تأليف حكومة يُجمع العالم كلّه على حاجة البلد المنكوب اليها، ومهما غطّاه المعنيون بتأليف الحكومة بأسباب وذرائع مانعة له، هو كما يقول مرجع روحي «اعتداء فاضح على البلد، وإنكار على لبنان حقّه في أن يبدأ السير في طريق الانتعاش في ظل حكومة ترعى شؤون أبنائه حتى ولو كان عمرها قصيرا».
يقول المرجع لـ»الجمهورية»: «ما نعانيه اليوم في لبنان ليس جرّاء ازمة سياسية فحسب، بل جراء ازمة اخلاقية، وقلة وطنيّة، ورهن لبنان لحسابات حزبية. واللبنانيون صبروا وصمدوا حتّى اليوم، ولكن إلى متى؟ فكيف سيتمكنون من الصمود وحال البلد يتدرج يومياً من انهيار الى انهيار اكبر؟ فحذار من الانفجار الاجتماعي الكبير.
ويلفت المرجع الى أننا «نسمع كثيرين يخوّفون من الفوضى، وانا اقول اكثر من ذلك، وضع بلدنا محزن، وخوفي كبير جدا عليه وعلى اللبنانيين. لقد بُحّ صوتنا ونحن نقول لهذا المسؤول او ذاك بأن يتحلى بالمسؤولية التي توجبها أزمة، ولكننا مع الاسف لم نلمس حتى الآن أي شعور بالمسؤولية، بل نسمع مسؤولاً من هنا يقول: لا اريد ان أشكّل لك حكومتك، ومسؤولا من هناك يقول: لا اريد ان اشكّل لك حكومتك. الحكومة ليست ملك هذا او ذاك، هي حكومة لبنان ولا تشكل بالابتزاز وبخلفية النكايات واثارة الحساسيات وتصفية الحسابات».
ويخلص المرجع الى القول: «هذا الوضع غير مقبول، هذا خطر مدمّر، فلبنان بلا حكومة، وبلا رئيس للجمهورية سالِك الى الخطر حتماً. وتبعاً لذلك، فإن اكثر ما اخشاه في حالتنا هذه هو ان يكون ثمّة من يَدفع قصداً إلى الفوضى وتخريب لبنان».
سيناريوهات مشبوهة!
اما رئاسياً، فالمهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية تختم اليوم الربع الاول منها، والباقي منها 45 يوماً، وليس ما يؤشّر الى سلوك الاستحقاق الرئاسي مساره الطبيعي نحو انتخاب رئيس جديد ضمن هذه المهلة. بل انّ مواقف المكونات الداخلية جميعها تؤكد بما لا يقبل ادنى شك أنّ هذا الاستحقاق ماض على الطريق السريع إنما خارج مسار الانتخاب.
امام هذا الانسداد، فإنّ الغرف السياسية على اختلافها، منشغلة في ترجمة مضامين الرسائل التي تعمّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلقاءها على حلبة الاستحقاقين الحكومي والرئاسي، ومحاولة تقدير مراميه منها، خصوصاً ما يتعلق بالخطوات التي لوّح باتخاذها مع نهاية ولايته آخر تشرين الاول المقبل، لقطع الطريق على حكومة تصريف الاعمال ومنعها من تسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية في حال تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ودخول لبنان في فراغ رئاسي اعتباراً من اول تشرين الثاني المقبل.
على انّ اللافت للانتباه في موازاة التكتم الرئاسي على ماهية الخطوات التي سيقدم عليها الرئيس عون، هو تولّي بعض الاشباح ترويج روايات واحتمالات صعبة مُقبل عليها لبنان، مثل انّ الرئيس عون لن يغادر القصر الجمهوري عند انتهاء ولايته في 31 تشرين الاول المقبل، ولن يسلّم الامانة الرئاسية الى حكومة تصريف الاعمال، اي الى حكومة غير موجودة متسلحاً بما يسمّيها المروجون «ظروفاً استثنائية تُحتّم ذلك».
واذا كان اصحاب تلك الترويجات قد أغفلوا الحديث عن تداعيات هذه الخطوة إن اقدم عليها عون، وعن كيفية تحصين بقائه في القصر الجمهوري، فإنّ الاخطر من ذلك، هي الشائعات والسيناريوهات السوداء التي بدأت تروّج عن فوضى سياسية واجتماعية وامنية، واللافت ان بعضها يطلقها ناشطون ينتمون الى الفريق السياسي لرئيس الجمهورية، ويجزمون بأن لبنان مقبل على تطورات دراماتيكية في اواخر مهلة الستين يوما، اي على باب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية آخر تشرين الاول.
وسألت «الجمهورية» مصادر سياسية رأيها بذلك، فاكتفت بالقول: لا شك انّ فريق رئيس الجمهورية يريده ان يبقى رئيساً مدى الحياة، ولكننا في دولة يحدد دستورها آلية انتخاب رئيس الجمهورية ومدة ولايته، وليس رغبات هذا الفريق او ذاك. الرئيس عون قال انه ملتزم بالدستور، وهذا كلام عاقل، والجميع لا يطلبون منه اكثر من ذلك. الا اذا كان العقل الشيطاني قد بدأ يجول في اذهان البعض، ويحرّك رغباتهم في ارتكاب الخطايا والمغامرات!
وصيّة عون لخلفه
وكان الرئيس عون قد جدّد التأكيد أمس على «ان التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان مستمر، ومن المقرر ان تنتهي المرحلة الاولى منه قبل نهاية الشهر الحالي».
واوضح انّ مشاريع عدة لتطوير الادارة وتحقيق الحوكمة اصطدم تحقيقها بالظروف القاسية التي مرت بها البلاد، فضلاً عن التأخير في عمل السلطات الاجرائية والتشريعية والقضائية، وبروز عراقيل مفتعلة ما زاد الامور تعقيداً، اضافة الى اخطاء عدة ارتكبت في ممارسة بعض المسؤولين لعملهم.
كما اكد انّ إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية سيُمَكّن لبنان من إطلاق عملية التنقيب عن النفط والغاز في الحقول المحددة ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة، الامر الذي سيُعطي الاقتصاد اللبناني دفعة ايجابية لبدء الخروج من الازمة التي يرزح تحتها منذ سنوات.
ولفت الرئيس عون الى انّ الاتصالات لإنجاز ملف الترسيم قطعت شوطاً متقدماً حقّق فيها لبنان ما يجعله قادراً على استثمار ثروته في مياهه، وانّ ثمة تفاصيل تقنية يتم درسها حالياً لِما فيه مصلحة لبنان وحقوقه وسيادته. وتمنّى الرئيس عون على من سيخلفه في السدة الرئاسية ان يستكمل تنفيذ المشاريع التي بدأت وتلك التي تعثّر تحقيقها، ويحرص خصوصاً على المضي في عملية مكافحة الفساد ومحاسبة المرتكبين الذين يتحمّلون مسؤولية كبيرة في ما آلت اليه الاوضاع في البلاد.
==========
مصدر الخبر
للمزيد Facebook