نفوق هذه الأبقار لم يكن بسبب “اللقاح” ولا بسبب ارتفاع درجات الحرارة
نشرت في: 18/08/2022 – 14:54
في 6 آب/ أغسطس 2022، تم العثور على نحو خمسين بقرة نافقة في حقل بمنطقة تورينو. ومنذ ذلك التاريخ، تنشر حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي صورا لهذا الحدث وتؤكد أن الأبقار نفقت بعد تلقيها للقاح. ولكن التحاليل التي أجراها الأطباء البياطرة توضح أن سبب نفوقها هو تعرضها لتسمم غذائي بسبب تناولها من نبتة الذرة البيضاء التي أصبحت سامة بسبب الجفاف الذي يضرب إيطاليا في الوقت الحاضر.
عملية التحقق في سطور
منذ يوم 10 آب/ أغسطس 2022، تتداول عدة حسابات ناطقة بالفرنسية والإيطالية على تويتر مقطع فيديو يظهر نحو خمسين بقرة عثر عليها نافقة في أحد الحقول. ويؤكد أصحاب هذه الحسابات أن هذه الأبقار قضت بسبب تلقيها لقاحا أو خضوعها لتدخل طبي.
في الحقيقة، تم العثور على هذا الأبقار نافقة في 6 آب/ أغسطس 2022 قرب مدينة سوماريفا ديل بوسكو في جنوب تورينو. وحسب التحاليل التي قام بها أطباء بياطرة، فقد تعرض هذا القطيع من الأبقار إلى تسمم غذائي بنبتة الذرة البيضاء، وهي نبتة يتم استخدامها عادة في إطعام القطيع. ولكن، بسبب الجفاف أصبحت تحتوي على معدلات عالية من مواد سامة فتاكة بالأبقار.
عملية التحقق بالتفصيل
كانت نحو خمسين بقرة هامدة بلا حراك قرب أحد الحقول.. هذا ما يظهره مقطع فيديو مذهل يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي منذ يوم 10 آب/ أغسطس 2022 وحصد إلى حد اليوم (الأربعاء) أكثر من 25 ألف مشاهدة. وحسب بعض الحسابات الناطقة بالفرنسية المتعودة على نشر أخبار مليئة بنظرية المؤامرة، فقد تم قتل هذه الأبقار عمدا من قبل أحد البياطرة أو أنها توفيت “بطريقة غير مقصودة” بعد تلقيها لقاحا ما.
ونشرت عدة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي هذه الصورة موضحة أن هذه الصور تم التقاطها في منطقة بيمونت في إيطاليا. ولفهم ما يظهر بالفعل داخل هذا المقطع المصور، يجب علينا القيام ببحث عن كلمات باللغة الإيطالية. ويحيل بحث على العبارات Piemonte mucche morte” باللغة الإيطالية والتي تعني “منطقة بيومنت أبقار ميتة” على سبيل المثال إلى عدة مقالات نشرت في وسائل إعلام إيطاليا على غرار صحيفتي لا ريبوبليكا وكوريري تورينو، التي نعثر فيها على صور تظهر نفس المكان ونفس الأبقار الظاهرة في مقطع الفيديو.
وتوضح هذه المقالات أنه تم العثور على هذه الأبقار نافقة في يوم 6 آب/ أغسطس 2022 غير بعيد عن بلدة سوماريفا ديل بوسكو، على بعد نحو 40 كيلو مترا جنوب مدينة تورينو. ولكن عكس ما يؤكده أصحاب هذه الحسابات التي تؤمن بنظرية المؤامرة، فإن سبب نفوق هذه الأبقار لم يكن مرتبطا لا بلقاح أو بتدخل بيطري. وفي تقرير مصور نشرته قناة “راي” الإيطالية في 7 آب/ أغسطس، يتحدث جياكومينو أوليفيرو الراعي الذي يملك هذا القطيع أنه عند وصوله إلى هذا الحقل، سقطت معظم الأبقار على الأرض في غضون بضع دقائق. ولم يأت التقرير المصور على أي معلومة بشأن تلقي هذه الأبقار للقاح ما.
“مع موجة الجفاف الحالية، عرفت نباتات الذرة البيضاء نموا بطيئا وهو ما أدى إلى إفرازها لمعدلات مرتفعة جدا من الدورين وهي مادة سامة فتاكة بالنسبة إلى الأبقار”
وتحدث فريق تحرير مراقبون فرانس24 مع ستيفانو جيانتين وهو طبيب بيطري في معهد الثروة الحيوانية بمنطقة بيمونت. وفي 6 آب/ أغسطس الماضي، تنقل ستيفانوا جيناتين على عجل إلى مكان العثور على هذا القطيع النافق، حيث يقول: “كان القطيع يضم في البداية 80 بقرة. وعندما وصلنا إلى عين المكان، كانت كثير من الأبقار قد نفقت فيما كانت أخرى تتلوى على الأرض. وفي الأخير، نجحنا في إنقاذ ثلاثين منها.”
ويوضح ستيفانو جيانتين أنه – لفهم سبب هذه النفوق الواسع للقطيع – تم إجراء تحاليل من قبل جامعتي تورينو وبولونيا، انطلاقا بالخصوص من النباتات الموجودة في المنطقة. وسمحت هذه التحاليل بالعثور على تسمم تتسبب فيه نبتة الذرة البيضاء، وهي نبتة عادة ما تستخدم في تغذية الأبقار. ويوضح ستيفانو جيانتين قائلا:
المزارعون متعودون على غرس نباتات الذرة البيضاء بهدف تغذية قطعان الماشية بها، خصوصا في فترة الجفاف عندما يبدأ العشب الأخضر بالتناقص في مناطق الرعي. ولكن مع موجة الجفاف الحالية، عرفت نباتات الذرة البيضاء نموا أقل سرعة من الطبيعي. وهو ما جعلها تفرز معدلات عالية من مادة الدورين، وهي مادة تحمي النباتات. ولا تشكل هذه المادة أي خطر عندما يكون معدلها قليلا -وهو ما يتعلق بالوضع العادي بالنسبة للنباتات التي يتم قطعها قبل أن تتفتح ورودها- وعندما يكون وجودها بكميات أكبر، تكون سامة للأبقار، بما أنها تتحول إلى حمض سيانوري في معدة هذه الحيوانات.
وحسب هذه الطبيب البيطري، فإن معدل مادة الدورين الموجودة في نباتات الذرة البيضاء التي أكلت منها الحيوانات كان بـ 10,717 مليغرام للكيلو غرام الواحد، وهو ما يعادل كمية من حامض السيانوريك تصل إلى 919 مليغرام في الكيلوغرام الواحد. وهو معدل أعلى بكثير من الجرعة القاتلة من الدورين بالنسبة للأبقار، والتي تبدأ من 700 مليغرام في الكيلو غرام الواحد. وهو ما يعني أن هذه الأبقار ماتت مختنقة بعد تعرضها لتسمم بسبب موجة الجفاف الحالية في إيطاليا.
كما أوضح ستيفانو جيانتين، أنه لم يشهد أبدا في مسيرته تسمما بهذا الحجم. ومع الأسف، تكررت هذه الحوادث عدة مرات. وفي يوم 11 آب/ أغسطس، تدخل نفس الطبيب البيطري في ضيعات أخرى في منطقة كوني حيث تعرضت أبقار أخرى أيضا للتسمم بسبب تناولها نبتة الذرة البيضاء.
ولكن بفضل التحاليل التي تم إجراءها بعد اكتشاف نفوق الأبقار في 6 آب/ أغسطس، تمكن الأطباء البيطريون من حقن الأبقار التي تعرضت للتسمم في منطقة كوني بنيترات السوديوم، وهو ما ساهم في إنقاذ نحو عشرين منها. وفي ظل تزايد عدد حالات التسمم في الآونة الأخيرة، التي وثقتها عدة وسائل إعلام إيطالية، وجّه معهد بيومونت للثروة الحيوانية دعوة للمزارعين للتوقف بشكل مؤقت عن تقديم نبتة الذرة البيضاء كعلف لقطعان الماشية.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook