آخر الأخبارأخبار دولية

حمى الفوضى السياسية تضرب إقليم كردستان المعروف باستقراره


نشرت في: 12/08/2022 – 16:52

بعد أن كان معروفا باستقراره في بلد يعاني من فوضى شاملة، يبدو أن سياق الاحتقان السياسي الذي يسود العراق ألقى بظلاله على إقليم كردستان. ويكشف استخدام القوة لتفريق مظاهرة مناوئة لسلطة الإقليم واعتقال برلمانيين من حركة معارضة عن التوتر السائد داخل السلطات المحلية.

ما الذي يحدث في إقليم كردستان الذي كان الغرب يعتبره إحدى واحات الاستقرار والانفتاح النادرة في العراق؟ فخلال الأيام الأخيرة، يبدو أن حمى الفوضى والتجاذب السياسي في العراق، منذ الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/أكتوبر 2021، أصابت الإقليم المتمتع بحكم ذاتي، إذ تم تنظيم مظاهرات مناهضة للسلطة السبت 6 آب/أغسطس في أهم مدن الإقليم، لكنها تعرضت للتفريق بالقوة باستخدام الرصاص المطاطي وعبوات الغاز المسيل للدموع التي أطلقتها قوات الأمن، خصوصا في مدينة السليمانية.

وتم اعتقال ستة نواب عن الإقليم ونائب منتخب محليا قبل أن يتم إطلاق سراحهم بعد بضع ساعات. وينتمي كل هؤلاء المعتقلين إلى حركة “الجيل الجديد”، وهو حزب معارض يترأسه رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد الذي دعا للتظاهر للمطالبة بتحسين ظروف العيش وإجراء انتخابات محلية في موعدها المقرر. وحسب هذه الحركة، تم اعتقال أربعين من أعضائها من مجمل 600 شخص تعرضوا للإيقاف.

إلى ذلك، تم “استهداف ما لا يقل عن 60 صحافيا من قبل قوات الأمن” خلال هذه المظاهرات، وفق أرقام منظمة “مراسلون بلا حدود” غير الحكومية. ومن مجمل 26 صحافيا تم اعتقالهم ينتمي عشرة لقناة “إن آر تي” التي يملكها شاسوان عبد الواحد، كما يشير بيان لنفس المنظمة نشر في 9 آب/أغسطس.

توتر وسط السلطات المحلية

وأدت هذه الأحداث، التي تكشف عن توتر وسط السلطات الكردية التي يتقاسمها التشكيلان السياسيان التاريخيان: الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، إلى ردود فعل منددة وسط الشركاء الغربيين للإقليم المتمتع بالحكم الذاتي.

إذ عبرت السفارة الأمريكية في بغداد في 8 آب/أغسطس عن “قلقها” إزاء لجوء قوات الأمن إلى العنف، وحثت “سلطات إقليم كردستان العراق على مراجعة هذه الإجراءات وإعادة التأكيد على الأدوار الحيوية التي تلعبها الصحافة الحرة والتجمع السلمي وسيادة القانون في العملية الديمقراطية”.

وتشارك عدة دول أوروبية القلق الأمريكي بما فيها فرنسا التي دعت في بيان بتاريخ 7 آب/أغسطس لقنصليتها العامة في إربيل، حكومة إقليم كردستان العراق إلى “احترام الحريات العامة”.

وخلال السنوات الأخيرة، وجهت منظمات غير حكومية بينها “هيومن رايتش ووتش” اتهامات للسلطات المحلية بشأن انتهاكات لحقوق الإنسان.

ويقول عادل باخوان، مدير المركز الفرنسي للبحوث حول العراق: “الشركاء الغربيون الرئيسيون سارعوا بالتنديد بأحداث نهاية الأسبوع الماضي، وذلك لأن سلطات إقليم كردستان تمثل -منذ 2003- بأعينهم نموذج الاستقرار مقارنة بالسلطات الموجودة في المنطقة، فقوتها الرئيسية  -إن لم تكن الوحيدة- هي هذه الصورة التي روجت لها منذ عدة عقود على أنها أرض للتنوع الثقافي والسياسي والتي أخذت أبعادا رمزية أكبر من خلال زيارة البابا لأربيل في مارس/آذار 2021”.

ولكن عادل باخوان الذي ألف كتابا بعنوان “العراق، قرن من الفشل من 1921 إلى يومنا هذا” يرى “أن هذه السمعة الجيدة التي يحظى بها إقليم كردستان لم تعد كما كانت في السابق”.

ويضيف باخوان “يجب الإقرار بأن هناك نوعا من العصبية داخل إقليم كردستان العراق، التي يمكن تفسيرها بعدة عوامل، مثل السياق الدولي المضطرب بعد الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية والجيوساسية بالإضافة إلى مناخ الفوضى السياسية في العراق، الذي يمكن أن يتحول في أي لحظة إلى حرب أهلية تهدد مباشرة أمن واستقرار إقليم كردستان”.

ويضيف مدير المركز الفرنسي للبحوث حول العراق أن عودة مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” القوية إلى الساحة العراقية تلقي بظلالها أيضا على الإقليم الكردي المتمتع بالحكم الذاتي. زد على ذلك الغارات التركية المتكررة ضد المتمردين الأتراك المنضوين تحت حزب العمال الكردستاني شمال العراق والتي أوقعت عددا كبير من الضحايا المدنيين.

ويضيف باخوان: “يبدو أن سلطات إقليم كردستان، التي تواجه ضغوطا من بغداد حول إدارة الثروة النفطية في الإقليم، اختارت اللجوء للحل الأمني لمواجهة عدة مسائل ملحة والإبقاء على أمن واستقرار الإقليم على رأس أولوياتها. لكن ذلك كان على حساب الحوار والتفاعل مع المطالب”.

احتجاج على تغول الحزبين التاريخيين

إضافة إلى السياق الدولي والمحلي المليء بالاحتقان، فإن موازين القوى السياسية الداخلية في الإقليم تلعب دورا في التوتر. فيوضح باخوان: “يجب أن نأخذ في الحسبان الطابع السياسي الكبير لأحداث 6 آب/أغسطس والتي يحاول الطرفان المتخاصمان، أي سلطات الإقليم وحركة ’الجيل الجديد‘، توظيفها سياسيا”.

وتوضح هذه الحركة المعارضة أن الدعوة للتظاهر التي أطلقها زعيمه شاسوار عبد الواحد جاءت في وقت يواصل فيه أنصار الزعيم الشيعي النافذ مقتدى الصدر اعتصامهم في بهو البرلمان العراقي ببغداد احتجاجا على ترشيح شخصية سياسية لترأس الوزراء من قبل خصومهم في “الإطار التنسيقي”.

للمزيد – مقتدى الصدر… الرقم الصعب في المشهد السياسي العراقي

وهنا يقول باخوان: “الدعوة لمظاهرات بغداد لم يستجب لها الشعب الكردي بما أن هذه التجمعات متشكلة أساسا من أنصار التيار الصدري، على الرغم من أنها تحتج على الفساد وظروف العيش وهي مطالب جد شرعية. جزء من الشعب الكردي الذي لفظ كامل الطبقة السياسية والذي لم تعد تغويه الخطابات الجميلة يرى في أسلوب حركة “الجيل الجديد”  مجرد ديماغوجية وتحقيقا لأغراض سياسوية”.

ويقر باخوان أن هذا الحزب الذي يقدم نفسه على أنه بديل للطبقة الحاكمة يثير مفارقة فيقول: “ذلك بسبب أن رجل أعمال شديد الثراء هو من يتزعمه ويعتبر نفسه جزءا من النخبة الحاكمة، كما أن الحزب لم يضع خطا سياسيا واضحا: هل هو حزب قومي عراقي أم حركة كردية؟ هل هو حزب ليبرالي؟ كل ذلك ليس واضحا. على سبيل المثال، يدعم شاسوار عبد الواحد بقوة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، ولكنه يعارض بشدة حليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني”.

ويحاول حزب “الجيل الجديد” الذي حصل على تسعة مقاعد من أصل 64 مخصصة للأكراد في البرلمان العراقي، الاحتجاج عبر صناديق الاقتراع وفي الشارع على زعماء العائلات الكبيرة المتخاصمة وهي عائلة البرزاني (شمال) التي ينحدر منها رئيس إقليم كردستان الحالي (المنتخب في أيار/مايو 2019) نتشيرفان برزاني وعائلة طالباني (جنوب الإقليم). وهما عائلتان يسيطران تواليا على زعامة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني.

ويردف باخوان: “حصلت حركة جيل جديد على معظم مقاعدها التسعة في جنوب الإقليم الذي يعتبر معقل عائلة الطالباني، وهو رقم كبير باعتبار أن الاتحاد الوطني الكردستاني لم يحصل سوى على 18 مقعدا، هذا التجاذب السياسي الذي أخذ منحى عنيفا بين الاتحاد الوطني الكردستاني، صاحب  العمق التاريخي والمالي والعسكري والإداري، و حركة جيل جديد التي لا تملك نفس الإمكانات، لكن الأمر تحول إلى احتقان في الشارع”.

من وجهة نظر سياسية صرفة، يترك قمع مظاهرات 6 آب/أغسطس انطباعا بأن السلطة تنظر بعين الريبة لحركة “جيل جديد” والنتائج المرتقبة خلال الانتخابات التشريعية المحلية المقررة في تشرين الأول/أكتوبر والتي تقرر تأجيلها إلى موعد لاحق. لكن حكومة الإقليم تشير إلى أنها ستنظم قبل نهاية العام في كل الأحوال.

ويخلص باخوان إلى أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني هما خصمان، يريان أنهما من شيدا كردستان ويعتبران أنهما ضامنان للاستقرار، ويخشيان بكل تأكيد خسارة جزء من ناخبيهم لفائدة قوى سياسية أخرى على الرغم من أن هذا السيناريو يبقى مستبعدا في ظل انقسام المعارضة بين عدة تيارات علمانية وإسلامية وليبيرالية ومن الصعب تجميعها في كتلة واحدة”.

 

مارك ضو


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى