قبل أن يصبح لبنان “عصفورية” كبيرة… هذا ما يجب أن نفعله
ما يجري على الهامش من تطورات جانبية ليس سوى فصل من مسرحية إلهاء الشعب عمّا هو مهم.
المسرحية الدراماتيكية – الهزلية من بطولة القاضية غادة عون، وما فيها من مشاهد مبكية، تدخل في حلقة المسلسلات الإلهائية. كذلك مهزلة توقيف المطران موسى الحاج، وما فيها من رسائل إلى المسيحيين أولًا قبل أن تكون موجّهة إلى رأس الكنيسة.
هذان الحدثان في الحياة السياسية اللبنانية، وإن كانا يندرجان في سلسلة مسرحيات إلهاء الشعب عن قضاياه الكبرى، يُعتبران سابقة خطرة لم تشهد البلاد حتى في أحلك ظروفها مثيلًا لهما. وإن دلّ ما تقوم به القاضية عون على “حركات” صبيانية ومسرحيات هزلية، فإن توقيف المطران الحاج يخفي نوايا غير بريئة قد يكون لها تداعيات غير محمودة النتائج، في ظل إستمرار تعطيل البلاد من خلال منع قيام حكومة أصيلة، وما يُحكى عن إستحالة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وبالتزامن مع السيناريوهات المحتملة لتسلّم حكومة تصريف الأعمال مهام رئاسة الجمهورية، في حال خلو سدّة الرئاسة الأولى، تبرز تساؤلات عن مصير تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة، وهل يبقى هذا التكليف قائمًا أو لا بعد انتخاب الرئيس، عقب فراغ رئاسي قد يطول أو يقصر بحسب المعطيات الداخلية والخارجية.
حقيقة الأمر أن الدستور لم يلحظ إطلاقًا حالات مماثلة “شاذة” سياسيًا لجهة الوصول إلى إستحقاق انتخاب رئيس للجمهورية في ظل حكومة تصّرف الأعمال ورئيسها نفسه مكلف تشكيل حكومة، ولم يُعطَ فرصة التشكيل بالطريقة الدستورية السليمة فق ما ينصّ عليه الدستور، بعيدًا عن الإجتهادات التي تُطرح من حين إلى آخر للتعمية ولذرّ الرماد في العيون. وقد يكون من وراء هذه العرقلة غايات غير معلنة بعد، ولكنها تبدو أقرب إلى الواقع من أي شيء آخر، وذلك مع تنامي الحديث عن سيناريوهات إستهدافية لمرحلة ما قبل إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وفي حال إستحالة إنتخاب خلف له.
لا نخترع البارود عندما نقول أن تسمية رئيس الحكومة تتم بناء على إستشارات نيابية ملزمة يقوم بها رئيس الجمهورية ويتشاور في شأنها مع رئيس مجلس النواب، وهي تعكس رأي الغالبيّة النيابية، وبالتالي لا سلطة تقريرية لأي رئيس فيها، إذ أن دوره محصور فقط في توقيع مرسوم التكليف، وهو المرسوم الوحيد الذي يوقعّه منفردًا.
في حال انتخاب رئيس جديد للجمهورية ثمة من يرى أن التكليف يبقى قائمًا ما دام مستمدًّا من مجلس نيابي قائم، وهو رئيس لم تكن له أي علاقة بتسميته، فيما يرى آخرون أن هذا التكليف يسقط مع ذهاب من وقعّ مرسوم التكليف.
هو نزاع دستوري لم يتحّسب له أهل التشريع لأنهم لم يتوقعوا على الأرجح وقوع البلد فريسة طبقة سياسية مجبولة اغلبيتها بهذا القدر من قلة المسؤولية.
أما في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية فلن يكون من ّ إمكانية أصلًا لـ”الإستثمار” في تكليف لم يعد له أي مفعول عملي، إذ لا وجود لرئيس جمهورية يتشاور معه الرئيس المكلف في الصيغ الوزارية المحتملة.
أمّا بالنسبة إلى وضعية الرئيس ميقاتي بالذات، وهو في الوقت نفسه رئيسًا مكّلفًا ورئيس حكومة تصرّف الأعمال بالمفهوم الضيّق الذي أجازه الدستور، فإن ثمة من يؤكد أن مبدأ la raison d’État تحتّم تسّلم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، وإلإنتقال الطوعي والطبيعي من المفهوم الضيق لتصريف الأعمال إلى مفهوم آخر، وهو توسيع الأعمال، وذلك منعًا لوقوع البلاد في فراغ شامل بعد أن تكون قد دخلت مرحلة الفراغ الرئاسي، الذي قد يطول هذه المرّة لأكثر من سنتين ونصف السنة كما حصل في المرّة السابقة.
لهذا كله، وقبل أن يصبح لبنان “عصفورية” كبيرة، لنسرع في تشكيل حكومة ولنترك “حرتقاتنا” الصغيرة إلى حين خروجنا من “جهنم”. فالوقت ليس وقت مسرحيات هزلية.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook