حقائق عن ذهب لبنان: بيعه ممنوع فهل الحجز عليه متاح؟
مسألةُ رهن أو بيع احتياط لبنان من الذهب، للمساعدة في حلّ الأزمة الماليّة، طُرحت أكثر من مرة، منذ بدء الأزمة الماليّة والإقتصاديّة في تشرين عام 2019، خصوصًا أنّ لبنان يحتل المرتبة العشرين عالميًّا في احتياطي الذهب، وفق تصنيف مجلس الذهب العالمي، ويتصدّر المرتبة الثانية عربيًا بعد المملكة العربيّة السعوديّة (323.1 طنًا)، إذ يملك 286.8 طنًّا، أي نحو 10 ملايين أونصة.
آخر الأصوات المطالبة بالتصرّف بالذهب للخروج من الأزمة وتسديد الودائع، وردت في رسالة وجّهتها جمعيةُ المصارف إلى صندوق النقد الدولي، للاعتراض على خطّة التعافي الاقتصادي للحكومة، ضمّنتها اقتراح وضع أصول الدولة وعقاراتها ومرافقها وذهبها في معادلة إطفاء الخسائر البالغة 75 مليار دولار، علمًا أنّ الرسالة فجّرت خلافًا بين المصارف، على اعتبار أنّها لم تُناقش في الجمعية، وأنّ أعضاء الجمعيّة لم يطلعوا عليها قبل إرسالها، ولجأ عدد من المصارف إلى التنصّل منها، فيما حاولت الجمعية لملمة انقساماتها ببيان أكّد على وحدتها واستمرارها تحقيقاً لأهدافها. بأيّ حال، وبصرف النظر عن أداء المصارف ومحاولة التنصّل من مسؤوليتهم، يعود اقتراح استعمال الذهب إلى التدوال في كلّ مرّة تستفحل فيها الأزمة الماليّة، ويسود جدلٌ حيال التصرّف به، فتنقسم الآراء بين مطالب بضرورة بيعه أو رهنه للمساهمة في التخفيف من ثقل الأزمة، وبين محذّر من المسّ به، باعتباره آخر ذخيرة يملكها لبنان.
القانون اللبناني يمنع المسّ بالذهب
عمليًّا التصرّف بالذهب ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض، فهناك معوقات عديدة تحول دون ذلك، منها قانوني يتعلّق بلبنان، وفق ما أشار النائب السابق لحاكم مصرف لبنان الدكتور غسان العياش في حديث لـ “لبنان 24″، في العام 1986 في عهد الرئيس أمين الجميل صدر قانون حمل الرقم 42، ومنع استعمال الذهب، بحيث نصّ على الآتي “بصورة استثنائية وخلافا لأيّ نص، يمنع منعًا مطلقًا التصرّف بالموجودات الذهبيّة لدى مصرف لبنان أو لحسابه مهما كانت طبيعة هذا التصرف وماهيته سواء أكان بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلا بنص تشريعي يصدر عن مجلس النواب”. إضافة إلى الحماية القانونية يلفت د. العياش إلى موانع أخرى تحول دون التصرّف بالمعدن الأصفر، خصوصًا أنّ مخزون لبنان من الذهب، بعضه محفوظ في خزائن المصرف المركزي، وهو عبارة عن سبائك بأوزان مختلفة وأونصات وعملات ذهبية، والبعض الآخر يقدّر بثلث الإحتياطي، محفوظ في الولايات المتحدة الأميركية في قلعة “فورت نوكس”.
استخدام الذهب لا يحلّ الأزمة
استرجاع المخزون الموجود في المصرف الفدرالي الاحتياطي في نيويورك ليس بالأمر اليسير، حتّى ولو طلب لبنان ذلك، إذ أنّ عددًا من الدول واجهت مصاعب في استرجاع مخزونها من المعدن الأصفر من الولايات المتحدة، منها ألمانيا على سبيل المثال. من ناحية ثانية يشير العياش إلى مصاعب أخرى “تتعلق بإيجاد دول راغبة بشراء الذهب وتحمّل عمليّة نقله”. ويعتبر أنّ استخدام الذهب لمعالجة الأزمة ليس مجديًا، ولن يؤدي إلى انتشال لبنان من أزمته، فهناك مخاوف من ضياع وتبديد المليارات التي يمكن تحصيلها من احتياطي الذهب، خصوصًا أنّ السلطات ومنذ تشرين 2019 بدّدت أموالًا في خدمة سياسات الدعم تفوق بكثير قيمة الذهب، بحيث تمّ إهدار احتياطات نقديّة لدى مصرف لبنان بين 20 و25 مليار دولار “فقد نبيع الذهب ونستمر بالهدر والفساد، وعندها تضيع الثروة دون أن تُحل الأزمة كما ضاعت مليارات الدعم”. من هنا يرى العياش أنّ الحل يبدأ بتطبيق خطّة إصلاحيّة تؤدّي إلى إصلاح الوضع المالي، وخفض عجز الموازنة والعمل على زيادة ايرادات الدولة والتخفيف من نفقاتها غير المجدية، وخلق مشاريع منتجة.
هل يحجز الدائنون على ذهب لبنان في نيويورك؟
في المنحى القانوني، لفتت مصادر قانونيّة إلى موانع أخرى تحول دون استخدام الذهب، خارجة عن إرادة لبنان، ومتعلقة بالدائنين، إذ أنّ الدولة اللبنانيّة قبلت في عقود الاقتراض البت بالنزاعات في حال حصولها، أمام محاكم نيويورك. ويعود ذلك إلى العام 1996، بحيث أقرّت الحكومة اللبنانية اتفاقيّة عقود إصدار سندات الدين بالعملات الأجنبية، وتنصّ على أنّ على الدولة اللبنانية الخضوع لقوانين محاكم نيويورك لحلّ النزاع بينها وبين الدائنين، ويقتضي تخلّي الدولة عن سيادتها على موجوداتها الخارجية، إذا تخلّفت عن سداد ديونها بالعملات الأجنبية. في الحالة الراهنة لبنان دولة تخلّفت عن سداد مستحقات اليوروبوندز منذ آذار عام 2020، وقد يعترض الدائنون على رهن الذهب أو بيعه، وقد يؤدي ذلك إلى الحجز على المخزون. بالمقابل هناك مقاربة قانونيّة مختلفة تنطلق من أنّ الذهب محمي من الملاحقات الدوليّة التي قد تصدر بحق الدولة اللبنانية، كونه ملك مصرف لبنان وليس الدولة، وبذلك لا يمكن للدائنين الحجز عليه.
مخزون الذهب هو محل تعداد في مصرف لبنان، وكان حاكم البنك المركزي رياض سلامة قد كشف أن احتياطي الذهب بلغت قيمته 17.547 مليار دولار أمريكي حتّى نهاية شهر شباط 2022، وأنّ لبنان يملك ثاني أكبر احتياطي ذهب في المنطقة. هذا المعدن النفيس هو ثروة لبنان الإستراتيجيّة، والتصرّف به لجهة رهنه أو بيعه قرارٌ يعود لمجلس النواب وحده، فهل يفعلها ؟
مصدر الخبر
للمزيد Facebook