الوكالة الوطنية للإعلام – الراعي من أدما: الأجواء توحي بأن أطرافا تدأب على تعطيل الاستحقاقات وسرقة الإرادة الشعبية ومنع إنقاذ لبنان
وطنية – ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مساء اليوم قداس تكريس كاتدرائية سيدة العطايا ومذبحها التابعة لكرسي نيابة جونية البطريركية في ادما، عاونه فيه المطرانان انطوان نبيل العنداري وانطوان شبير، بمشاركة السفير البابوي المونسينيور جوزيف سبيتاري ولفيف من المطارنة والكهنة والراهبات في حضور حشد من الفاعليات السياسية والعسكرية والنقابية والدينية والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة بعنوان: “انت الصخرة وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي” قال فيها:
“1. على صخرة إيمان بطرس بنى يسوع كنيسته لتكون بيت الله، حيث تلتئم الجماعة وتلتقي الله، فتصبح الجماعة “كنيسة”، بحسب مفهومها اللفظي، والمؤمنون والمؤمنات حجارتها الروحية التي قدت من صخرة إيمان بطرس.
إن الجمال الهندسي لهذه الكاتدرائية على إسم سيدة العطايا، يعكس قبسا من جمال الله الحال فيها، كما رآه آشعيا في النبوءة التي سمعناها: “قومي استنيري! فإن نورك قد وافى، ومجد الرب أشرق عليك … فتسير الأمم في نورك، والملوك في ضياء إشراقك. إرفعي طرفك إلى ما حولك وانظري: كلهم قد اجتمعوا وأتوا إليك، بنوك من بعيد يأتون، وتحملين بناتك في حضنك. حينئذ تنظرين وتتهللين، ويخفق قلبك ويرحب” (أشعيا 6: 1-5). هذا هو مفهوم الكاتدرائية، كنيسة الأسقف التي هي مثال كل كنائس الأبرشية.
ويسعدنا أن نكرسها ومذبحها مع سيادة السفير البابوي ومع سيادة أخينا المطران أنطوان نبيل، نائبنا البطريركي العام على منطقة جونيه السامي الإحترام، وسيادة المطران أنطوان شبير إبن الأبرشية ورئيس أساقفة اللاذقية السامي الإحترام، واخواني اصحاب السادة المطارنة، والآباء، وبمشاركتكم.
2. إن الكنيسة التي بناها الرب يسوع على صخرة الإيمان أرادها كنيسة مجاهدة على الأرض، تدوم حتى نهاية العالم، وتكتمل في كنيسة السماء الممجدة. يشبهها الرب ببيت مبني على الصخرة هو بالحقيقة “بيت الله” و “سكناه معكم” يا سكان أدما الأعزاء، كما نقرأ في سفر الرؤيا (21: 3). وهكذا كل كنيسة في أي قرية وبلدة ومدينة، هي “سكنى الله” مع شعبها الذي هو شعبه.
إنها “كنيسة مقدسة” لأن الله حال فيها، ويملأها بحضوره الإيماني غير المنظور. هو هنا يكلمنا بكلام الحياة الذي يغذي عقولنا، ويجعل قلبنا متقدا فينا” (لو 24: 32)؛ وهو هنا يقدس نفوسنا بذبيحة الفداء المستمرة في كل قداس، وبوليمة جسد الرب ودمه للحياة الإلهية فينا؛ يواصل منحنا أسرار الخلاص بشخص الكاهن، ويضمنا إلى مسيرة الجماعة المصلية ويوحدنا؛ يفتح قلوبنا وأيدينا لخدمة المحبة تجاه إخوتنا وأخواتنا في حاجاتهم.
3. إننا في كل أحد، وهو يوم الرب، على موعد اللقاء مع الله. الكنيسة هي مدرستنا. فيها نتثقف وننمو في الإيمان، والقيم الروحية والأخلاقية والإنسانية والإجتماعية. فلنقلها بصراحة عندما هجر مسيحيون ولا سيما سياسيون ومسؤولون في الشأن العام الكنيسة، وأهملوا يوم الرب، وتخلفوا عن اللقاء بالله، فقدوا ثقافة وحضارة مسيحية عمرها ألفا سنة، ومعها افتقروا من كل قيمهم الروحية والأخلاقية. فلا نهوض من الحالة التي نتخبط فيها إلا بالعودة إلى الله والى الكنيسة، على ما كان يردده الآباء القديسون: “لا خلاص خارج الكنيسة”.
4. يتساءل قداسة البابا فرنسيس باسم الكثيرين: ما معنى أن الكنيسة مقدسة، وفيها خطأة؟ ويجيب: الكنيسة مقدسة، لأن المسيح أحبها وقدم ذاته من أجلها على الصليب ليقدسها (أفسس 5: 25-26)؛ ولأنها صنع الله الذي هو قدوس، وبأمانته يحفظها ولا يتركها لسلطان الموت والشر، لكي لا يقوى عليها (راجع متى 16: 18)؛ ولأن المسيح متحد بها بشكل لا ينفصم، وقد أصبحت جسده، وهو قدوس الله (مر 1: 24)؛ ولأن الروح القدس يهديها وينقيها ويبدلها ويجددها. ليست مقدسة باستحقاقاتنا، بل لأن الله يقدسها، وقداستها من ثمار الروح القدس وعطاياه.
ويضيف قداسته: ولأنها مقدسة فهي لا ترفض الخطأة، بل تدعو الجميع، وتستقبل الجميع، وتفتح بابها للأبعدين، وتدعو كل واحد لينعم برحمة الآب وحنانه وغفرانه، هو الذي يقدم للجميع إمكانية اللقاء به والسير معه على طريق القداسة.
5. بقوة العودة إلى الكنيسة “بيت الله”، تمكن الآباء والأجداد من بناء هذا وطننا اللبناني الحضاري المميز، وقاومنا نحن وهم بوجه الساعين إلى هدمه، لكي نبنيه شاهدا على القيم والحرية والشراكة والمحبة، ونجعله صاحب نهضة في هذا الشرق. إن كلام الله ونعمته الخلاصية لا يأتلفان مع المصالح والمنافع الشخصية والفئوية، التي تعطل النضال الوطني الحقيقي الضامن لوجودنا المميز في ربوعنا. إننا نحمل مسؤولية الإنهيار المرعب والمريب لجميع المسؤولين أكانوا حاكمين أم معارضين ولقوى الأمر الواقع. فالحكام أخطأوا في الخيارات والتحالفات، واقترفوا الـمعصيات، وتواطأوا وانحرفوا. وقوى الأمر الواقع انقلبت على هوية لبنان ودستوره وميثاقه ورهنت الأرض والشعب والدولة لدول خارجية تحمل مشاريع غريبة عن بيئة لبنان ورسالته. أما قوى المعارضة فاسترسلت في خلافاتها اليومية والانتخابية على حساب القضايا المصيرية، ولم تبادر بعد إلى الاتفاق. وكان ينقصنا أن تربط دول أجنبية مصير صراعاتها مع محاور الـمنطقة على حساب لبنان، وهي تدرك جيدا وسلفا أن لبنان لا يحتمل نتائج هذا الصراع، وأن أجنداتها تختلف عن أجندة لبنان.
6. جميع اللبنانيين يعيشون نتائج هذا الإنهيار على كل صعيد، ولا حاجة لتعدادها، بل ينبغي إيجاد حل لها والنهوض منها. فلا بد من أن نبدأ من رفع الصوت، ومن انتفاضة شعبية مصححة، ومن التغيير الوطني، ومن خطة تعاف لمصلحة اللبنانيين أولا، ومن انبثاق سلطة شرعية جديدة ووحيدة، ومن التوجه إلى الأمم المتحدة لضمان وجود لبنان حر حيادي وقوي ولتنفيذ القرارات الدولية. من دون ضغط شعبي وأممي قد تتعرض الاستحقاقات الآتية: من تأليف حكومة وإجراء الإصلاحات وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري، إلى خطر التعطيل. فالأجواء توحي بكل اسف بأن أطرافا تدأب على تعطيل هذه الاستحقاقات وسرقة الإرادة الشعبية ومنع إنقاذ لبنان.
7. ومن المؤسف حقا أن ممارسة القضاء في لبنان لا تطاق تماما مثلما لا يطاق الوضع المعيشي، ذلك أن بعض القضاة جعلوا من نفوسهم أدوات في أيدي النافذين السياسيين والطائفيين. وبات معلوما أنهم يجمدون ملفات صحيحة، ويركبون ملفات وهمية، ويوقفون أبرياء ويتغاضون عن مذنبين، ويتخطون مهلة التوقيف الاحتياطي، ولا يميزون بين الجنحة والجناية. لا يحق بأي حال أن يترك هؤلاء القضاة يخالفون أصول المحاكمات وقواعد الإستدعاء والتوقيف ويصدرون قرارات مفعمة بالكيدية والبغضاء والعقد والأحقاد الحزبية والشخصية، ويسيئون إلى حرية الانسان، وكرامته وإلى هيبة القضاء. كيف يمكن القبول بهؤلاء القضاة الذين لا يزالون يعتقلون شبابا لأنهم كتبوا شعارات على ملصقات، ويتركون طلقين أشخاصا ارتكبوا الجرائم والـمعصيات. وكان ينقص القضاء أن يمتنع وزير المالية، من دون وجه حق وخلافا لصلاحياته، عن توقيع مرسوم تشكيل هيئة التمييز ليبقى التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت معلقا، فيظل المتهمون والموقوفون من دون محاكمة، لا يعرفون ماذا ينتظرهم ومنهم أبرياء قيد التوقيف منذ الرابع من آب 2020. فإن كان لا بد من إصلاح فعلى صعيد القضاء لأن الكيل طفح!
8. إن البطريركية الأنطاكية المارونية بما تمثل روحيا ومعنويا وشعبيا ووطنيا، وبما يملي عليها دورها التاريخي في لبنان وسائر بلدان المشرق، ستدافع بكل قواها لإنقاذ لبنان، وستكون في طليعة شعبها الذي لم يعد يقبل أن يكون ضحية سواه تحت أي حجة وذريعة. نريد أن نعيش هنا، وهنا بالذات، أحرارا، رافعي الرأس، في الازدهار والحضارة، كما كنا، حاملين رسالة الآباء والأجداد، وأوفياء للشهداء. ثقوا بأنفسكم، ثقوا بالمستقبل، ثقوا بأن النصر للحق، ونحن أصحاب حق وقضية وإيمان.
9. إننا نلتمس ذلك من أمنا وسيدتنا مريم العذراء، سيدة العطايا، التي نكرمها في هذه الكاتدرائية. ونقدم هذه الذبيحة الإلهية على نية كل الذين واللواتي لهم تعب وإحسان فيها وفي هذا الكرسي الأسقفي، من الأحياء والموتى. ومع أمنا مريم العذراء نمجد الثالوث القدوس الذي إختارها وكللها، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.”
===============
مصدر الخبر
للمزيد Facebook