بعد زيارة لافروف ودعوته تبون للقاء بوتين في موسكو… ماذا تريد روسيا من الجزائر؟
نشرت في: 11/05/2022 – 19:29
أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء زيارة إلى الجزائر حيث التقى الرئيس عبد المجيد تبون ودعاه للقاء بوتين في موسكو. كما أثار لافروف ملف الغاز وأيضا التعاون العسكري والاستراتيجي معلنا عن إعداد الطرفين “وثيقة استراتيجية”، فيما تواجه بلاده عقوبات غربية وباتت حسب مراقبين غارقة بشكل خطير في “المستنقع الأوكراني”. فماذا يريد الروس من الجزائريين؟ وكيف تحقق الجزائر التوازن بين علاقاتها مع روسيا وبين مصالحها مع أوروبا؟ وما رمزية قمة تبون-بوتين المرتقبة؟
التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء، في الجزائر الرئيس عبد المجيد تبون، في أول زيارة له منذ 2019 للبلد المنتج للغاز والحليف الاستراتيجي والتاريخي، في ظل أزمة طاقة عالمية بسبب الحرب في أوكرانيا.
وتأتي الزيارة فيما تواجه القوات الروسية مقاومة شرسة من الأوكرانيين، خالفت توقعات موسكو وعدد من المحللين الذين توقعوا سقوطا سريعا لنظام الرئيس فولوديمير زيلينسكي والعاصمة كييف، ما دفع الدول الغربية التي تفادت في بادئ الأمر الاصطدام المباشر بالدب الروسي الذي لوح منذ بداية الغزو في 24 فبراير/شباط بالسلاح النووي، إلى تغيير موقفها وتقديم الدعم العسكري والمالي اللامشروط واللامحدود لكييف.
وشكر مسؤول الدبلوماسية الروسية، الذي زار مسقط الأربعاء، الجزائر على موقفها من الأزمة الأوكرانية و”تفهمها”، واصفا الموقف العربي بـ”المتزن والموضوعي”. وتؤكد الجزائر باستمرار تمسكها بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وعدم الانحياز إلى أي طرف في النزاعات المسلحة، وحرصها الدائم على تغليب لغة الحوار على لغة السلاح.
فما هو الموقف الجزائري الرسمي من الحرب في أوكرانيا؟ وهل حاول لافروف أن يذكّر الجزائر التي شهدت “إنزالا” دبلوماسيا غربيا مؤخرا لمطالبتها بزيادة إمدادات الغاز، بالتزاماتها في هذا المجال وبالعقود المبرمة؟ وهل يمكن للجزائر أن تحقق التوازن بين علاقاتها العريقة مع روسيا وبين مصالحها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي؟ وماذا عن التعاون العسكري بين الحليفين وما هي “الوثيقة الاستراتيجية” التي تحدث عنها لافروف؟ وما رمزية زيارة الرئيس الجزائري المرتقبة إلى روسيا ولقائه بوتين في الوضع الراهن؟
ما هو الموقف الجزائري الرسمي من الحرب في أوكرانيا؟
يعرف عن الجزائر التزامها بمبدأ مقدس في سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية، هو النأي بالنفس عن التدخل في أي نزاع وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. هذا الموقف راسخ في دستور البلاد من خلال المادة 31 التي تنص حسب ما هو وارد في الجريدة الرسمية على: “تعمل الجزائر من أجل دعم التعاون الدولي، وتنمية العلاقات الودية بين الدول، على أساس المساواة، والمصلحة المتبادلة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وتتبنى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه”. ضمن هذا السياق، كان موقف الجزائر واضحا من الحرب في أوكرانيا، حيث قال مدير الاتصال والإعلام بوزارة الخارجية عبد الحميد عبداوي، في تصريح للصحافة المحلية نشر في 6 مارس/آذار، إن “سياسة الدولة الجزائرية تكمن في النأي عن المشاركة في أي نزاع يريدون إقحامها فيه”.
وفي السياق، قال المحلل السياسي د. إسماعيل معراف إن “العلاقات الجزائرية الروسية تاريخية والجزائر حليف استراتيجي لروسيا في المنطقة منذ أيام الحرب الباردة. والنظام الجزائري متمسك بالطروحات الروسية”.
في المقابل، قال أستاذ الإعلام والاتصال د. العيد زغلامي إن: “الجزائر تعتمد الحياد الإيجابي وهي تسعى لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة وهو ما تجسد مؤخرا في زيارة وفد الجامعة العربية الذي تنقل إلى كييف وموسكو”.
هل سعى لافروف لتذكير الجزائر بالعقود المبرمة في مجال الطاقة ولماذا؟
قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تصريح صحفي عقب لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن “روسيا والجزائر وكل الدول المصدرة للغاز متفقة على الالتزام بالعقود التي سبق توقيعها”.
وتعليقا على تصريحات لافروف حول عقود الطاقة الموقعة مع الجزائر والدول المصدرة للغاز، قال د. إسماعيل معراف: “الروس يريدون أن تلعب الجزائر دور الوسيط في الحرب الدائرة في أوكرانيا، لأن الجزائر لها علاقات استراتيجية مع أوكرانيا ومبنية على أسس ومصالح مشتركة حيث تستورد الجزائر القمح من أوكرانيا، وللأوكرانيين مصالح مع الجزائر. تريد روسيا أن تترك المجال مفتوحا أمام الجزائر التي هي في حاجة لواردات الطاقة. تصريحات بوتين الأخيرة في ذكرى يوم النصر تدل على أن الرجل لم يعد قويا بل يعاني من تراجعات وروسيا تبحث عن مخرج” من المستنقع الأوكراني.
للمزيد: هل يمكن للوساطة العربية أن تنجح في إنهاء الحرب بأوكرانيا؟
وأضاف معراف: “الجزائر لم تخل بالاتفاقيات السابقة مع روسيا في مجال الغاز. لكن في ظل حاجتها إلى الموارد المالية التي توفرها صادرات الغاز فالروس لا يريدون التصرف بطريقة راديكالية مع الجزائر بل العكس منحها المجال لتتقوى”.
بدوره قال د. العيد زغلامي إن: “هناك تنسيقا بين الجزائر وروسيا من خلال أوبك بلاس وهناك عقود طويلة المدى والجزائر مطالبة بالالتزام بها”، وشدد محدثنا على أن “الجزائر لن تعوض الغاز الروسي للاتحاد الأوروبي. ولن يستعمل الغاز الجزائري لضرب المصالح الروسية”.
في نفس الشأن، أوضح الخبير الاقتصادي أحمد ياسين بأن لافروف “يدرك أن الجزائر تحت ضغوطات كبيرة جدا من قبل الشركاء الأوروبيين لكي تزيد من صادرات الغاز إلى الأسواق الأوروبية. ومن قبل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بعد زيارة بلينكن التي جاءت لهذا الغرض. انطلاقا من هذا الواقع هو يذكّر الجزائر والدول الأخرى بأن هناك حصصا يجب على الدول أن تتقيد بها وأنا أرى بأن الجزائر لن تسيء لعلاقاتها التاريخية الجيدة مع روسيا”.
هل يمكن للجزائر أن تحقق التوازن بين علاقتها مع روسيا ومصالحها مع أوروبا؟
كما قال أحمد ياسين إن “الجزائر لا يمكن لها أن تعوض الغاز الروسي الذي يغطي حوالي 40 بالمئة من حاجيات أوروبا. هناك خط أنابيب مستقر يربط بين الجزائر وإيطاليا بسعة إجمالية حوالي 31 مليار متر مكعب، لكن لا يفي بالحاجات الأوروبية. وبالنسبة للأنبوبين الآخرين أحدهما عن طريق المغرب وهو متأثر بسبب العلاقات السيئة بين الجانبين. هناك عقبة أخرى تتعلق بالسوق المحلية حيث إن الجزائر تستهلك كمية كبيرة من الغاز الطبيعي وإذا استمرت في هذا المستوى فقد تصبح في المستقبل غير البعيد دولة غير قادرة على التصدير. قطاع الطاقة الجزائري يحتاج إلى استثمار كبير جدا لكي تتمكن البلاد من رفع قدراتها التصديرية ومثل هذه الخطوات تفتقر لها الحكومة الجزائرية”.
وأضاف الخبير الاقتصادي أحمد ياسين: “يمكن للجزائر تلبية الطلب الأوروبي بمستوى معين ومحدد لكن لا يمكن أن يكون البديل للغاز الروسي. كمثال: العام الماضي، أنتجت شركة غازبروم الروسية ما يزيد عن 350 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، 150 مليار متر مكعب ذهب إلى الأسواق الأوروبية، مثل هذه القدرة الإنتاجية الهائلة أكبر بكثير من كبرى عمالقة الطاقة في العالم، لذلك فإن مستوى الإنتاج الروسي لا يمكن أن يقارن مع إمكانيات الجزائر للإنتاج والتصدير. يمكن للجزائر أن تفي بحاجيات بلد مثل إيطاليا لكن يستحيل أن تغطي حاجيات القارة الأوروبية”.
ماذا عن التعاون العسكري بين الجزائر وروسيا و”الوثيقة الاستراتيجية” الذي تحدث عنها لافروف؟
أجرى وزيرا الخارجية الجزائري والروسي محادثات مطولة الثلاثاء تناولت “التعاون الاقتصادي والعسكري والتقني والعلاقات الإنسانية والثقافية”، وفق ما نشرت وزارة الخارجية الروسية. وقال لافروف “نظرا للتطور السريع للعلاقات الودية الوثيقة في جميع المجالات، فقد دعمنا مبادرة أصدقائنا الجزائريين التي تهدف إلى صياغة وثيقة استراتيجية جديدة بين الدولتين والتي ستعكس جودة الشراكة الثنائية”.
وعن فحوى هذه الوثيقة، قال المحلل السياسي د. إسماعيل معراف: “تصريحات لافروف كانت فقط إعلامية والجزائر لن تصبح قاعدة خلفية للروس مثلما كانت في فترة الحرب الباردة والاتحاد السوفياتي”. وقال معراف: “هي مجرد وثيقة سياسية ولن تتبلور في شكل معاهدة. لا ننسى زيارة بلينكن إلى الجزائر وتذكيره بأهمية وتاريخ العلاقات الجزائرية الأمريكية. النظام الروسي معزول والمخابرات في الغرب وخاصة أمريكا تعمل بشكل جيد وتخطط للبعيد. بوتين انتهى بعد أن تم جره إلى المستنقع” الأوكراني.
Fruitful meeting today with my colleague Minister Sergey Lavrov, within the framework of the regular political consultations, focused on our joint efforts to further bilateral & multilateral cooperation as 🇩🇿 and 🇷🇺 mark the 60th anniversary of their diplomatic relations. pic.twitter.com/BsZ6FT0eId
— Ramtane Lamamra | رمطان لعمامرة (@Lamamra_dz) May 10, 2022
في المقابل، ذكّر د. العيد زغلامي بآخر اتفاقية بين الجزائر وروسيا والتي ترجع إلى 2001، وهي عبارة عن اتفاقية شراكة استراتيجية للتعاون في عدة مجالات أبرزها الدفاع والطاقة والتجارة. وقال في هذا السياق: “لقد حان الأوان لتحيين هذه المعاهدة التي ترجع إلى 20 سنة في ظل التغييرات السياسية الحالية بما في ذلك ما يقع بين روسيا وأوكرانيا، ولبناء نظام دولي جديد يعتمد على تعدد القطبية وليس الأحادية والهيمنة الأمريكية والغربية. لا بد من توسيع التعاون الجزائري-الروسي إلى مجالات تتخطى التعاون العسكري”.
ما رمزية زيارة الرئيس الجزائري إلى روسيا في الوضع الراهن؟
خلال لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دعوته لإجراء زيارة رسمية إلى موسكو ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان تبون قد تحدث هاتفيا مع بوتين قبل شهر و”اتفق الرئيسان على أهمية تبادل الزيارات رفيعة المستوى بين مسؤولي البلدين، والاجتماع القادم للجنة المشتركة، للتعاون الاقتصادي”، التي تأجلت بسبب جائحة فيروس كورونا، حسب ما أفادت الرئاسة الجزائرية.
وفي السياق، قال المحلل السياسي د. إسماعيل معراف: “أظن أن بوتين سيطلب من تبون التحرك مع الفرنسيين، وأيضا مع الأمريكان الذين يحنون إلى العلاقة مع الجزائر. يريد الرئيس الروسي إيصال رسالة للغرب مفادها أننا مستعدون دائما للمفاوضات لوقف الحرب لكن في ظل ضمانات بعدم تكرار سيناريو الاتحاد السوفياتي. يسعى الروس إلى مهادنة الغرب بشكل غير مباشر عبر وساطة الجزائر”.
في المقابل، قال أستاذ الإعلام والاتصال د. العيد زغلامي: “لا أظن أن للزيارة صلة مباشرة بما يحدث بين كييف وموسكو. بل هي تهدف أكثر إلى بعث روح جديدة في العلاقات المشتركة والعريقة بين الجزائر وروسيا”.
وتربط الجزائر وموسكو علاقات تاريخية عريقة ومتينة، سواء على المستوى الاقتصادي بحجم تبادلات وصل إلى 4,5 مليار دولار، وأيضا على الصعيد السياسي والاستراتيجي. وفي 2021، بلغت قيمة المبادلات التجارية 3 مليارات دولار “رغم الأزمة التي تسببت فيها جائحة فيروس كورونا” حسب ما قال لافروف الثلاثاء. وتنسق الجزائر مع روسيا في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز وكذلك في اجتماعات الدول المصدرة للنفط “أوبك بلاس”.
أمين زرواطي
//platform.twitter.com/widgets.js
مصدر الخبر
للمزيد Facebook