“رصيد ضعيف من الأصوات يهدد ماكرون”… فما هي استراتيجيته في حملة الدورة الثانية لاستمالة الناخبين؟
نشرت في: 12/04/2022 – 18:38
على الرغم من تقدمه الطفيف في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية على منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان؛ سيتعين على إيمانويل ماكرون، الرئيس المنتهية ولايته والمرشح، إقناع الناخبين الذين لا ينتمون لمعسكره بالتصويت له من أجل البقاء في الإليزيه. الناخبون الرئيسون الذين سيستهدفهم ماكرون هم من يمثلون نسبة 22 بالمئة صوتوا لصالح جان لوك ميلنشون في الدورة الأولى. مهمة تتسم بلا شك بالصعوبة البالغة وذلك في الوقت الذي تحاول فيه لوبان تطبيق استراتيجية تصويت “مناهض لماكرون”.
في نهاية الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية عام 2017، كان ماكرون قد تأهل للدورة الثانية ضد مارين لوبان أيضا بفارق صغير يبلغ 3 بالمئة (24 بالمئة مقابل 21 بالمئة)، هذه المرة يبلغ الفارق بين المرشحين ما يقرب من خمس نقاط. ومع ذلك، فإن الفجوة بينهما في الدورة الثانية من المحتمل أن تكون أكثر ضيقا مما كانت عليه قبل خمس سنوات؛ فوفقا لاستطلاعات الرأي التي أجريت الأحد الماضي، تتراوح نوايا التصويت بين 51 بالمئة و54 بالمئة لصالح ماكرون، مقارنة بنحو 46 بالمئة و49 بالمئة لمنافسته اليمينية المتطرفة. ويعود ذلك، على وجه الخصوص، للاحتياطي الكبير من الأصوات لصالح مرشحة “التجمع الوطني”.
ماكرون ومارين لوبان من الأوفر حظا لرئاسة فرنسا؟
يوضح لنا الأمر مارسيال فوكو، مدير “سيفيبروف”، بالقول في مقابلة مع فرانس24: “إن احتياطيات الأصوات التي يمتلكها إيمانويل ماكرون منخفضة للغاية”. مضيفا “فالنتائج التي حققها الحزب الاشتراكي (1,74 بالمئة) وحزب “الجمهوريون” (4,78 بالمئة) تبين أن جزءا مهما من ناخبيهما قد صوتوا بالفعل ’تصويتا مجديا‘. فالذين يميلون منهم بالفعل إلى ماكرون قد صوتوا لصالحه في الدورة الأولى”.
ويتابع فوكو مفسرًا بأنه “إذا كان بوسع إيمانويل ماكرون الاعتماد الكامل على ناخبي يانيك جادو (4,63 بالمئة) وفابيان روسيل (2,28 بالمئة) لا سيما بعد دعوتهما إلى عدم التصويت لليمين المتطرف، فإن هذا سيمثل عددا قليلا جدا من الأصوات إجمالا”، حتى ولو تلقى دعم كبار زعماء اليمين مثلما فعل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الثلاثاء.
وعلى العكس من ذلك، فمن المتوقع أن تستفيد مارين لوبان في الدورة الثانية من نسبة 7 بالمئة هي مجموع الأصوات التي أدلى بها ناخبو منافسها اليميني المتطرف إيريك زمور، إضافة لنسبة 2 بالمئة من أصوات المنافس الآخر نيكولا ديبون-إينيان، وهما المرشحان اللذان أشارا صراحة إلى أنهما سيصوتان لصالحها في 24 نيسان/أبريل المقبل.
الإسلام والهجرة.. هل سيتغير الخطاب السياسي في الدورة الثانية للانتخابات الفرنسية؟
مهمة إقناع اليسار بالتصويت لماكرون والوقوف في وجه التصويت “المناهض” له
إن التحدي الذي يواجهه مرشح “الجمهورية للأمام” والرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون في الفترة الواقعة بين دورتي الانتخابات الرئاسية، هو المهمة العسيرة المتمثلة في إقناع نسبة 22 بالمئة من الناخبين صوتوا لجان لوك ميلنشون. يقول مارسيال فوكو “إن التوقعات المختلفة اليوم تظهر أن، وعلى الرغم من دعوة ميلنشون أنصاره ألا يعطوا صوتا واحدا لليمين المتطرف، ثلث ناخبي ’فرنسا الأبية‘ سيصوتون في الدورة الثانية لإيمانويل ماكرون والثلث الثاني لمارين لوبان والثلث الأخير سيمتنع عن التصويت”. “لذا سيكون موقف جان لوك ميلنشون الشخصي خلال الأسبوعين القادمين حاسما في تحديد الرئيس القادم”.
“إن ما ساعد ماكرون على اعتلاء قمة التصويت في الدورة الأولى كان بلا شك ناخبو اليمين. أما الآن فعليه أن يقرر إن كان سيتخلى أم لا، ولو جزئيا، عن بعض من اقتراحاته – لا سيما إصلاح نظام التقاعد – من أجل إغراء ناخبي ميلنشون بالتصويت لصالحه”، وذلك بحسب رأي جيريمي بلتييه مدير الدراسات في مؤسسة جان جوريس.
احتياطي آخر مهم من الأصوات وهو نسبة 26 بالمئة من الممتنعين عن التصويت في الدورة الأولى، والذين سيتعين عليهم أن يقرروا إما الذهاب إلى صناديق الاقتراع في الدورة الثانية أو التمسك بموقفهم.
لذا فقد حيا الرئيس-المرشح، مساء الأحد الماضي، كلا من آن هيدالغو ويانيك جادو وفابيان روسيل على دعوتهم ناخبيهم بالتصويت له. وحتى إنه ذهب أبعد من ذلك بالتأكيد على أن “يده ممدودة لجميع أولئك الذين يبغون العمل من أجل فرنسا”، ودعوتهم إلى تشكيل جبهة تتخطى “الاختلافات” وإنشاء حركة تقوم على “الوحدة السياسية والعمل المشترك”.
لكن من الواضح أن عملية “إغواء” ناخبي اليسار ستكون عسيرة على الرئيس المنتهية ولايته. ويعتقد مارسيال فوكو أنه “من المحتمل أن يقع ماكرون في الفخ الذي نصبه بنفسه”. “فطوال السنوات الخمس الماضية من ولايته، أراد ماكرون، باتباعه سياسة مغرقة في اليمينية، أن يجعل من مارين لوبان منافسته الرئيسة. وهو ما كلفه الكثير من الانتقادات العنيفة من معسكر اليسار، لذا ستكون مهمته في تغيير آرائهم تجاه في الأسبوعين القادمين في غاية الصعوبة”. “ولا سيما مع تراكم الحقد والغضب الاجتماعي والسياسي تجاهه. وفي ظل هذا الوضع، قد يكون من المحتمل جدا أن يتخلى عنه ناخبو ’أنصار الجمهورية‘ الذين يملكون مفاتيح نصره بأيديهم، وأن يحدث عكس المتوقع ويتكون نوع من التحالف المضاد له يقوم على مشاعر الاستياء تجاه سياساته”.
ومن هنا تتبلور استراتيجية “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، لهذا بين الدورتين، القائمة على دعوة الناخبين للتصويت “ضد ماكرون”. وهي الاستراتيجية التي يؤكدها جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني بالإنابة، بقوله إن “الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية ستكون ’لمناهضي ماكرون‘”. وإنه لا يجب “التقليل من أهمية احتياطي أصوات أنصار اليسار أو أنصار زمور”.
ولإدراكها ذلك، لم توجه مارين لوبان كلمة واحدة لمنافسها زمور. لكنها من جهة أخرى بدأت في الترويج لنفسها بوصفها “رئيسة لكل الفرنسيين” وداعية كل من لم يصوت لماكرون إلى الالتحاق بها من أجل “إحداث التبدل الكبير الذي تحتاجه فرنسا”.
المواجهة” المرتقبة في الدورة الثانية بين ماكرون ولوبان.. ما هي التحديات أمامهم؟”
نزع المصداقية عن اليمين المتطرف
بالتوازي مع ذلك، يراهن إيمانويل ماكرون على استراتيجية أخرى ألا وهي: التذكير الدائم بأن النصر ليس في متناول اليد بعد، وأيضا تشويه سمعة برنامج منافسته قدر الإمكان. وهذا بالضبط ما أكد عليه عدة مرات في خطابه مساء الأحد بقوله “لا شيء مضمونا”. وتابع “ما أريد أن أقنع به الناخبين في الأيام المقبلة هو أن مشروعنا يستجيب بقوة أكبر بكثير، من مشروع اليمين المتطرف، لمخاوف وتحديات العصر (…). ففرنسا التي تمنع المسلمين أو اليهود من تناول الطعام طبقا لما هو منصوص عليه في دينهم، ليست نحن”.
“في الدورة الأولى، كسبت مارين لوبان رهانا مهما، وهو ذلك المتعلق بالمصداقية. وذلك بشأن مواضيع معينة، ولا سيما القوة الشرائية للفرنسيين، والآن تظهر الاستطلاعات أنها تعتبر الآن المرشحة الأكثر مصداقية خلف إيمانويل ماكرون. وهذا شيء جديد بالمرة”، كما يخبرنا المتخصص بنجامان موريل الأستاذ في جامعة السوربون، والذي يتابع بقوله: “إن خطة إيمانويل ماكرون تتألف عناصرها برمتها من محاولة إعادة لوبان إلى معسكر الشيطنة واللعب على قضية المصداقية هذه”.
محاولة إعادة “التواصل”
وفي محاولة منه لإقناع الناخبين بالتصويت له، بعد حملة الدورة الأولى التي كان فيها الغائب الأكبر، أعلن ماكرون عزمه القيام بعدة جولات وزيارات في الأسبوعين المقبلين. الإثنين زار مدينة دونان، إحدى معاقل مارين لوبان بشمال البلاد. والثلاثاء يذهب إلى الشرق وسيزور مولوز وستراسبورغ العاصمة الإقليمية التي صوت أكثر من ثلث ناخبيها لجان لوك ميلنشون. وبحسب المقربين منه فإنه يعتزم أيضا تنظيم مؤتمر جماهيري كبير في مرسيليا يوم السبت المقبل.
ومبررا غيابه عن الدورة الأولى، قال ماكرون إنه “كان عليه الكثير من القيود”، أولها الحرب الروسية الأوكرانية و”المساواة في تقاسم الوقت على وسائل الإعلام مع المرشحين الآخرين”، لكنه تابع مطمئنا: “لكنكم ستجدونني الآن صباح مساء موجودا باستمرار لإقناع الناخبين والتواصل معهم”.
من جهتها، جمعت مارين لوبان المسؤولين عن حملتها الإثنين للتباحث معهم بشأن الاستراتيجية التي ستطبقها في الدورة الثانية. وذلك قبل أن تعقد مؤتمرا صحفيا الثلاثاء للحديث عن “الديمقراطية” و”كيفية ممارسة السلطة”.
النص الفرنسي: سيرييل كابو | النص العربي: حسين عمارة
مصدر الخبر
للمزيد Facebook